الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
التندر.. ظاهرة اجتماعية لواقع مؤلم
التندر.. ظاهرة اجتماعية لواقع مؤلم
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب امير ابراهيم
النـص :

لم يعد التندر، أو كما يطلق عليه باللغة العامية ال(سخرية )،  يوجه فقط  نحو أشخاص محددين يحملون صفات بارزة، وهي سلوكيات مستهجنة اجتماعيا ويرفضها الشرع والدين ، بل أخذت تقصد الإدارة الفاشلة وما خلفته من تداعيات على البلد والمواطن ، وامتدت لتشمل  حتى قرارات وأزمات ومواقف واوبئة. ومن الواضح أن السخرية أصبحت فعليًا هي اللغة الأساسية لمجتمعنا الحالي، على حد قول جون هايمان، الباحث اللغوي بجامعة ماكالستر بولاية مينيسوتا، إلا أن الفكاهة ظاهرة مرتبطة بالزمن، وكما تتغيَّر حياتنا اليومية، تتغيَّر أيضًا الأشياء التي تدعونا للضحك، وإذا ما استخدمنا السخرية كحافز وغذاء للفكر وليس مجرد إهانة لاستحق الأمر أن نوصف بالساخرين.وإذا كان تاريخ البلد  حول هذه الظاهرة يتميز بمحدودية انتشارها أسوة بالكثير من الدول العربية استنادا إلى محدودية وسائل الإعلام  والاتصال الجماهيري  ، في الوقت الذي لايمكن نكران ما كانت تشكله مقالات الكاتب الكبير نوري ثابت (حبزبوز) الساخرة من صدى اجتماعي كبير  للمضمون الراقي الذي تحتويه ، وكذلك اغاني المونولوج والشاعر الشعبي الكبير عزيز على في العهد الملكي  ، وبعض المقالات والاعمدة هنا وهناك، فضلا عن  المسرح التجاري خلال فترة الحصار والتي شكلت مساحة للتعبير الساخر عن الواقع السلبي الذي كان يعيشه البلد   ، فضلا عن سلوكيات بشرية مباشرة من قبيل الايماءات والاحياءات والحركات والالفاظ الشخصية ، إلى جانب النكات التي كانت تنقل شفاهيا من أنسان إلى آخر فمجموعة أشخاص، لتغدو فيما بعد  حديث المجتمع كونها كانت تشكل  فرصة للتنفيس عما كانت تختزنه العقول والقلوب من هموم والآلام ضد الواقع  الذي كان يعيشه البلد في ذلك الوقت. واليوم أصبح التندر ظاهرة واضحة ساعد على انتشارها وبشكل ملحوظ الفضاء الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك القنوات الفضائية من خلال البرامج الفكاهية والمسلسلات ، بل يمكن القول بأنها غدت ظاهرة و ثقافة اجتماعية عامة في أن واحد انتشرت بشكل ملفت لدى الكثير من ألافراد  بمستويات ثقافية وأكاديمية مختلفة والذين أخذوا يتفاعلون معها ويتناقلونها فيما بينهم مقرونة بالصور والفيديوهات وهو ما جعلها أكثر تأثيرا ، ليتخذوا من تلك الوسائل الميدان الرحب للتندر من قرارات غير مسؤولة وما خلفته من ازمات يشهدها البلد وتداعياتها   السلبية على ابنائه والمجتمع  .وفي هذا الإطار توصلت دراسة أجريت بجامعة ستانفورد أن الناس يلجأون  إلى التعليقات الساخرة على نحو متزايد وهم على شبكة الانترنيت، حيث نجد  أن مواقع الفيس بوك والإنستاجرام والتويتر تزخر اليوم بمئات الصفحات التي تسمى بالمجتمعات الساخرة وتهدف من خلالها كسب المزيد من المتابعين. من جانبه اشار الباحث ضياء مصطفى في كتابه ( السخرية في البرامج التلفزيونية) والذي قدمه الدكتور كاظم المقدادي : (تحظى البرامج التلفزيونية السـاخرة بمكانة خاصة مقارنـة ببقية المواد البرامجية التي  تقدمهـا القنوات الفضائية والمحطـات التلفزيونية الارضية وتتمتع بجماهيرية واسـعة وهي مفضلة لدى كل الاعمار ومختلف الشرائح الاجتماعية بغض النظر عن مستواها الثقافي لما تحملـه مـن مضامين سياسـية واجتماعية ونفسـية تثير الضحـك والنقد والتحريض، اذ انهاً تحمـل في ثناياها تصورات وافكارا ً ومحرضات وقيما وانماط سـلوك نجدها في مجتمعاتنا ربما تعارض توجهات ومفاهيم السلطة كما تكمن فيها القدرة في التأثير على الجمهور تأثيرا غيـر مباشـر ويعد هذا الاسـلوب من الاسـاليب الناجحة فـي التأثير وذلـك لان الموعظة أو التوجيـه المباشـر قد يأتي بردود عكسـية. كما أنهـا- البرامج التلفزيونية السـاخرة - تمتلك أدوات إبهـار وعناصـر جـذب فهـي تقتـرب مـن همـوم المواطن وتمـس جوهر مشـاكله وهواجسه وتعني أكثر بشواغله الحياتية). و يمكن القول ان التندر الإيجابي الذكي الذي يشخص السلبيات بأسلوب النقد البناء الفكاهي الهادف دون النيل من الشخصيات  أو وصفها بعبارات تخدش الحياء، نتيجة اعتمادها الجانب العقلاني في الطرح مقرونا بأدلة وبراهين، قد  شكل  فرصة للمختصين  ومراكز الأبحاث  للوقوف عند الأسباب التي تجعل البعض يتجه للتندر والتفاعل العاطفي الكبير معها  ، وهي تعد في ذات الوقت انعكاس  للواقع العراقي في هذا الزمن لوضع الدراسات المطلوبة والوقوف عند طبيعة السلوك الذي يحكم أصحاب النفوذ والسلطة والتأثير على طبقات المجتمع بما تلبي مصالحهم  ، والشخصية العراقية بصورة عامة والدوافع التي تحركها وما تعانيه من هموم والألام ومحن ونكبات وفراغ وتناقضات  نتيجة حالة اللاستقرار الذي يعيشه البلد .

المشـاهدات 710   تاريخ الإضافـة 27/10/2020   رقم المحتوى 8945
أضف تقييـم