الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
النخبة والفكر .... ومهمات العمل التقدمي
النخبة والفكر .... ومهمات العمل التقدمي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب بقلم ـ المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم
النـص :

ان اول استعمال معروف لكلمة (النخبة) ورد في قاموس اوكسفورد للغة الانكليزية والذي يرد الى سنة 1823 ، حيث كانت هذه الكلمة تطلق على فئات اجتماعية معينة ، غير ان هذا المسطلح لم يستعمل استعملاً واسعاً في الكتابات السياسية والاجتماعية في اوربا حتى فترة متأخرة من القرن التاسع عشر ، بل انه لم يصبح كذلك في بريطانيا وامريكا حتى سنة 1930 عندما انتشر عبر نظريات النخبة وبشكل خاص عبر كتابات فيلفريدو باريتو.وبصورة عامة حدد باريتو النخبة قائلا : (لنفترض ان كل فرد في كل فرع من فروع النشاط الانساني ، اعطى دليلاً يشكل مقياساً لقدرته ، بطريقة مشابهة لاستعمال الدرجات في المدارس ، في الامتحانات المتعلقة بالمواد الدراسية المختلفة ، فيعطى افضل نوع من المحامين مثلا ، 10 درجة بينما يعطى نوع اخر ، وهو ذاك الذي لم يستطع ان يجد له زبوناً درجة  واحد ، وتترك درجة الصفر لمن هو بالفعل غبي اوابله.ويعطى الرجل الذي استطاع ان يجمع الملايين ـ بطريقة شريفة او غير شريفة ـ  درجة 10 بينما ذلك الذي جمع الالاف درجة 6 ، والذي استطاع بجهد ان يبقى خارج المأوى المخصص لاعالة الفقراء ينال درجة واحدة ، وتبقى درجة الصفر لهؤلاء الذين ينتهون الى هذا المأوى ، وهكذا دواليك في كل مجالات النشاط الانساني.فلنقم الآن (طبقة) من هؤلاء الذين ينالون اعلى الدرجات كل في مجال نشاطه ، ولنطلق على هذه الطبقة اسم النخبة* (1).اننا ـ ها هنا ـ نجد انفسنا اما تبسيط شديد (لكنه نافع حتماً ، ذلك لأن النخبة هي بالنتيجة مجموع اؤلئك الذين يتسمون بالتفوق ، من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية.وهي بهذا المعنى لا تشكل طبقة متجانسة ، ذلك لان جذرها الاجتماعي يمتد الى قوى اجتماعية مختلفة ، متضاربة المصالح ، او تنطوي على انسجام قد يكون مؤقتاً ، او اطول مدىً.ورغم ان النخبات تلعب ادواراً مهمة في السياسة والتاريخ ، فان تحديدها في ظل شروط ومواصفات سياسية واقتصادية محددة ، هو امر غير ممكن ، الا في اطر المجموعات المتشابهة.وعادة فان الافراد المرموقين في مجالات السياسة والادب والفن قد يكونون اعضاء في النخبة ، بسبب نشاطهم المرئي والمدعوم ، في حين قد لا يحظى بمثل سمعتهم (او امتيازهم) العديد من الافراد الاذكياء الذين لم تتوفر لهم فرص البروز والدعم ، والذين يظلون ـ غالباً ـ ضحايا الحظ السيء.وفي مجتمعات البلدان النامية ، التي لا تحظى بحظوظ عادلة لتوزيع الثروات والوظائف والتي يطغى فيها التقسيم الاجتماعي المشوه للعمل على ما عداه من القيم ، يظل اذكياء وموهوبون من الفئات الاجتماعية (الدنيا) مغمورين.ان سوء الحظ في هذه الحالة ، ليس شخصياً بل هو وطني ، اذا ما سمحنا لانفسنا بان نتحدث عن ذلك ، لان الوطن المحروم من طاقات ابنائه سيء الحظ بالتأكيد!.وما يمكن ان نخلص اليه ان النخبة هي طليعة الاختصاصات والجدارات العلمية والفنية التي تتسم بالتميز.وهي اذ تتشكل من مجاميع وافراد ينحدرون طبقياً من مصادر طبقية اجتماعية مختلفة ، قد ينتظمون بسبب المنحى السياسي و الاداري في تشكيلة واضحة ، الا ان ذلك لا يبرر التصور القائل بان النخبة هي كتلة محددة ، فثمة نخبات رسمية ، واخرى غير رسمية ، وفي الغالب ان هناك نخبات متنوعة الاحجام والخصائص.ففي جميع الميادين الاجتماعية والسياسية والثقافية ، وفي جميع مجالات النشاط توجد تكوينات نخبوية ، او فردية ملموسة ، ممكن ان توفر معلومات صحيحة عن اللا تجانسية ، لكن يمكن دمجها في الاطار الوطني.

 

هنا نعود الى المنطلقات الاساسية للفكرة وهي :

 

1 ـ ان الشعب هو ينبوع النخبة والنخبات المتعددة وهذا يعني ان الاولوية يجب ان تظل للشعب دوماً ، وهي التي تتصدر افكارنا.

 

2 ـ من حيث المحصلة ، ان الافق الوطني والقومي ، هو الاطار التوحيدي لنشاط النخبة ودورها الحقيقي. وبدون هذا الافق الوطني تكون الذاتية النخبوية المعنية بالمصالح الخاصة لها ذات دور غير تاريخي ، اي تكون نوعاً من الطبقية ، الانتهازية العابرة في حركة التطور الاجتماعي والحضاري ، او الزائدة.

 

3 ـ ان النخبة ومن منطلق صدورها عن الفيض الشعبي ، وتوجهها الى الافق الوطني والقومي ، هي الاتي تؤدي مهمات اساسية في حركة التطوير الحضاري والتاريخي للمجتمع.

 

4 ـ ان النخبات متغيرة من زمن لاخر ، بكل خصائصها وشروطها وفقاً لأطوار التغير الاجتماعي الكبرى ، في حين ان (الشعب) قوة مستقرة ثابتة ومتجددة ، وكل شيء في خاتمة الامر ، يبدأ منه وينتهي إليه.

 

وبذلك تنشيء النخبة لنفسها وجودا ثقافياً وحضارياً مندمجاً بالخط العام لسير الحركة التاريخية ، ومنفصلاً عنه في الوقت ذاته.وفي الواقع ان اشكالية الاندماج والانفصال ، هي اشكالية جوهرية في طبيعية نشاط النخبة وفي نوع علاقتها بالمجتمع ، نظرا الى ان (التاريخي) ليس بالضرورة هو الاجتماعي ، ونظراً الى ان (الراهن) ليس بالضرورة هو (المستقبل).علاوة على ذلك ، فان من سمات النخبوية التفرد ، وخصوصية الملمح ، في التفكير والتعبير والممارسة. فاندماج النخبة ـ اذن ـ قائم في صلب العلاقات التأليفية للتركيب الوطني ، من خلال الانشداد الى الشرطية التاريخية ، ومعرفة بذور الحركة المستقبلية ، والتلاؤم مع اتجاهات نموها.اما استقلالية النخبة فهو ماثل في خصوصيات الموهبة ، والابداع ، والاجواء الخاصة التي تتصل بها. فللعقل النخبوي جدلية ذاتية ابداعية خاصة به ، مثلما هي جزء اساسي في صميم الحركة الثقافية الناهضة للمجتمع وفي سياق التجسيد الابداعي للذات الموهوبة ، لابد من ظهور حالات خاصة من الوعي والسلوك والعلاقة ، متسمة بالتفرد والغرابة احياناً ، فثمة (خاص) ، و (خاص الخاص) ، في كل ما هو (عام) ، وكذلك ثمة ما هو (عام) في كل ما هو (خاص).وتتطلب النظرة التاريخية قدراً وافراً من الموضوعية والشمولية يستجيب الى فهم الخصوصيات الذاتية للانسان، والتي لا يمكن سلبها من قبل السيرورة العامة للحركة الاجتماعية.

 

في المفهوم القرآني

 

وفي معرض مواصلة الحديث : عن إشكالية العلاقة بين النخبة والمجتمع ، يمكن الاستشهاد بالفهم القرآني للعلاقة بين النفس والدرجات.وبالاصح يمكن ان نرى في هذا الفهم ارقى أشكال التعريف بتلك العلاقة.إذ أنه لا يوجد ربطاً صميماً بين النفس الواحدة والفارق في الجدارات ، وما يترتب عليه من تفاوت في التأهيل والاستحقاق.جاء في الآي القرآني الكريم  (وهو الذي خلقكم من نفس واحدة) ـ الأعراف ـ وهذا يعني وجود المساواة بين البشر ، في حقيقة النفس الواحدة التي خلقوا منها.اما الاختلافات الجارية بعد ذلك فهي تتصل بالمؤهلات وبمستويات الايمان ، وبدرجات الاقتراب من اصل المساواة وهو وحدة النفس باتجاه الحق.لذلك فان الجانب الثاني من الموضوع ، وهو المتعلق بالتباين في الدرجات يستوعب الفروق في الجدارة وفقاً لما تقتضيه سنة الارتقاء والتطور.ومن الممكن استنباط اربع نقاط في هذا المجال : اولاً : مغزى الايمان ودوره في اقرار الاهلية والاستحقاق ، جاء في الآي القرآني الكريم : (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله).وكذلك : اولئك هم المؤمنون حقاً ، لهم درجات عند ربهم ، مغفرة ورق كريم.ولتدقيق وصف الرزق بالكريم ، وليس بغير ذلك انه ـ في القرآن الكريم رزق الجنة ، الذي يصلح ان يكون افقاً أعلى للعيش الدنيوي.ثانياً : مكانة العلم في رفع الذات وتزكيتها ، جاء في الآي القرآني الكريم : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات . والله بما تعملون خبير..ثالثاً : ذخيرة العمل الصالح ، الذي تكرس ذكره في القرآن الكريم  بقوله : (ومن يأته مؤمناً ، قد عمل الصالحات ، فأولئك لهم الدرجات العلى) وكذلك : ( ولكل درجات مما معلوا وما ربك بغافل عما يعملون).رابعاً : الفكرة القائلة بان التفضيل في الحياة الدنيا ليس مقياساً للتفضيل في الحياة الآخروية. فالتفضيل في الدنيا قد يكون ابتلاء ، وذلك اذا ما اخذ الطابع الفوقي في التفاوت الطبقي والمالي.جاء في القرآن الكريم : (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ، ليبلوكم فيما اتاكم ، ان ربك سريع العقاب ، وانه غفور رحيم)..فقد يكون الابتلاء في الثروة والجاه والولد ، اما تفضيل الجنة فهو مثالي ، شفاف ، مبرّأ من اشكال التملك المادي ، ومن الجاه ، انه تفضيل نقي.جاء في القرآن الكريم : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ، وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلاً).وهنا يمكن ادراك الفارق النوعي بين النخبة والبيروقراطية النخبوية ، التي تعتبر نخبة رسمية او شبه رسمية تؤسس كياناً على مصالح واعتبارات شبه طبقية ، وليس هناك اي شرط لان تكون الارستقراطية ذات مؤهلات وجدارات مميزة.فهي احياناً تكتسب امتيازاتها الوظيفية والتملكية (وحتى المعنوية) بصورة وراثية او شبه وراثية ( (اي تلقائية) ،  او تحصل عليها بالتنصيب. وفي الحقيقة ان اقساماً واسعة من الارستقراطية ـ عبر التاريخ ـ تنال الامتياز بلا جهد مميز.*(1).ولقد وقفت الارستقراطية ـ غالباُ ـ حجر عثرة امام حركة التاريخ ، فهي عائق يجد تبريراته في النزعة المحافظة التي تعمد الى ترسيخ الشروط الراهنة ولحجم عملية التغيير كيما تظل امتيازاتها ابدية.والواقع ، ان التاريخ لا يرحم هذا المسعى الارستقراطي ، اذ ليست في التاريخ امتيازات ابدية.والارستقراطية في رفضها للمساواة لا تعني بذلك المساواة الحقوقية ، وانما تخترق ذلك الى ما هو ابعد ، فالارستقراطية قد تكون صانعة للعنصرية والعرقية ولنظرات التمييز بين البشر في اللون والجنس ، وحتى في المذهب.ومن هذه الزاوية في الفهم يمكن فرز الاختلاف بين النخبة الجماهيرية والنخبة الارستقراطية باعتبار ان النخبة الجماهيرية هي مجموعة (او مجموعات) المتفوقين في الميادين النظرية والعلمية في حين لايشترط في الارستقراطية تحقق مثل ذلك ، ومن جانب اخر فان النخبة موجودة على الصعيد التاريخي ، بمعنى انها موجودة في كل زمن ، وفي اي موقع اجتماعي ، في المدرسة ، والمعمل ، والمؤسسة ، والحقل ، في داخل العائلة وخارجها.ويعد ارتباط النخبة بالتاريخ جوهرياً ، ذلك لانه يتصل بعمق الحركة ، من خلال الانتاج والابداع ، والاضافة والتحديث.اما الارستقراطية فهي غير متخصصة بعمل انتاجي ابداعي ، وفي الغالب ان الارستقراطية الوراثية هي نوع من الطفيلية ليست لها دلالة ثقافية ـ انتاجية ولقد سجل التاريخ (الغربي) الابعاد الواقعية لظاهرة الموت الدوري للارستقراطيات الاقطاعية والبرجوازية ، فهي تنشأ ثم تموت ، وتحل محلها ارستقراطيات جديدة.ولقد نشأت في الخضم نفسه ـ خضم الحياة الرأسمالية ، وبقايا الاقطاعية ـ ارستقراطية فكرية تفلسف الاوضاع الطبقية وتبرر الهيمنة الاستغلالية اي الارستقراطية الحاملة لافكار التعالي على الجماهير الشعبية واحتقارها . فيما يتعلق بالنخبة ثمة اخلاقية النخبة ، وقوامها منتخبات السلوك الانساني المتحضر.ان احتقار الجماهير الشعبية ، يتعارض  ـ اصلاً ـ مع اي فهم واقعي لطبقة وجود القوى الاجتماعية والفكرية الفاعلة من اي نوع كانت.فمن القاع الجماهيري تنشأ عناصر الفعل والتأثير (بصورة متواترة) ولذلك فان الكثير من القيادات والملاكات والاطر الموجهة ذات منشأ شعبي او جذر اجتماعي من الطبقات الدنيا او المتوسطة ، دون ان يعني هذا عدم حصول مثل ذلك من الطبقات الاقطاعية والبرجوازية.وبلا شك ان حركة التاريخ باتجاه تعميق المساواة ، ورفض الاستغلال ، والتمايز الطبقي ليست في صالح الارستقراطيات الفكرية والسياسية.اما النخبات فان دورها الطبيعي شاخص في مجرى الحركة التاريخية بمقدار انسجامه مع الحقيقة الشعبية من جانب ، واستجابته للمتطلبات النهضوية المتجددة من جانب اخر.وكما يقول (باريتر) فان ( التاريخ مقبرة الارستقراطيات) اما القيادات النخبوية الديمقراطية ، فانها تستطيع ان تقدم للحركة التاريخية امدادات متطورة ن ومبتكرة بلا توقف.ومن الثابت ان تاريخ الحضارة الاوربية هو ـ في احد جوانبه ـ تاريخ مجتمعات منتجة وفعالة ، لم تستطع المجتمعات الخاملة والسلبية ، (لاسباب ذاتية وموضوعية) تحقيق انجاز مواز له.   وفي السياق الموضوعي المذكور للحضارة الغربية ، لعبت النخب دوراً طليعياً مهماً ، على كافة المستويات الانتاجية ، والعلمية ، والتكنولوجية ، والادارية ، رغم ان البرجوازية حرفت ذلك باتجاه استغلالي وهكذا فان التحديث في الحياة الاوربية ، والذي ابتدأ مع عصر الثورة الصناعية الاولى ، لم يكم الناتج الحتمي للشروط الاجتماعية والمادية للتغيير فقط ، وانما كان ـ ايضاً ـ ثمرة النشاط الذي قامت به النخب الطليعية ، التي تلقفت نداء التغيير واستجابت لعوامله ، عبر ممارسة انجازية متقدمة . فظواهر التحديث ، والابتكار ، والبناء التجديدي وقبل ان تصبح جهد الملايين من البشر ، ابتدأت بمجهود النخب الطليعية والافراد الموهوبين الكبار.فالعلم ابتدأ بباستور ، واديسون ، وانشتاين .... الخ ، قبل ان يصبح نشاط جامعات ومدارس ومعاهد ومختبرات جماعية ضخمة.غير ان ظواهر الموهبة والابتكار تختلف فيما بينها ، فهي في حالات الافراد ، غيرها في حالات النخبة ، لان وجود حالات فردية للذكاء والموهبة قد لا تحتاج الى نفس الشروط الضرورية لنشوء النخبات العلمية ، التي تعد العالم الجوهري للحركة الموضوية للتطور.في البلدان المتخلفة تتوفر الفرص لتناثر حالات الذكاء الفردي دون ان يكون ذلك علامة على وجود نهضة وطنية علمية شاملة ، وبخلاف ذلك ، ان وجود النخبات في الاطار الديمقراطي والشعبي هو صمام امان التطور الاجتماعي والحضاري المتكامل.هنا يكون الخط البياني التصاعدي من الحالات الفردية الى الحالات النخبوية مرسوماً في داخل الاجواء الصحية الملائمة هي الاجواء التي تنشيء الوسط الضروري كيما يأخذ التفوق مداه الحقيقي الملموس.ولابد من بيان حقيقة اساسية ، وهي ان بلدان العالم الثالث تلكأت في ميدان النهوض العلمي والحضاري ، لعوامل عديدة من بين اهمها ، غياب المناخ الانفتاحي اللازم توفره لتحقيق الارتقاء الفردي والنخبوي والجماعي بصورة مشروعة ومنتظمة ومسنودة.ففي اطار اشاعة الكبت الحياتي ، والثقافي تولد العراقيل الواسعة بوجه التفوق والارتقاء ، والاستخدام الامثل للطاقات الابداعية ، ومما يتلائم مع ثقافة الكبت الاكتفاء بالطاقات التقليدية القديمة (ببعضها) ، وايصاد الابواب بوجه الطاقات الجديدة والحديثة ، لذلك ليست هناك مبالغة في اتهام العديد من بلدان العالم الثالث بالتشرنق الرمادي ، الذي كان سبباً جوهرياً في اغتيال قرون وسنوات طويلة من عمرها.وهو ظاهر في الانغلاق على الجانب المتخلف من الذات ، مما ينجم عنه تفريخ ظواهر التخلف والانماط والسلبية وفقدان الارادة في اعشاش الظلمة.ولقد ادركت النخب السياسية الواعية في بعض البلدان المستقلة الاهمية الحاسمة للفكر والعلم والادب ، فعملت على اصدار تشريعات تقدمية لرعاية بعض الحقوق القومية والانسانية في هذا المضمار.لكن من الخطأ التصور بأن في ذلك كل الكفاية ، فاحتضان حق الكفاءات الوطنية في التطور ، والارتقاء ، وممارسة دورها المشروع في السياسة القومية لابد من ان يقترن بمجموعة الشروط والظروف الانسانية الملائمة التي تحمي الفرد والمجتمع ، وتعطيها الارجحية الحاسمة.فالفكر لا يكتسب قيمته الفاعلة الا من خلال النشاط العلمي الذي يجسده ، وعلى هذا الاساس يتزاوج الفكر والعمل بصفتهما وجهين لقضية واحدة تلخص الحياة بأكملها.ومن المؤكد ان النخبة ، ولكي تكون ذات حضور تاريخي صحيح ، يجب ان تحمل كافة السمات الديمقراطية والشعبية التي تحول دون تحولها الى طبقة جديدة.فهي نخبة فاعليات ومهمات ، لا نخبة امتيازات غير مشروعة ، كما حدث ويحدث في السياق الرأسمالي للتطور الاجتماعي في الغرب والعالم.

 

*(1) عن : ت . بوتومور : (النخبة والمجتمع).

 

* (2) نستعمل مصطلح الارستقراطية هنا ، للتعبير أيضاً عن كل نخبوية بيروقراطية. 

المشـاهدات 887   تاريخ الإضافـة 04/11/2020   رقم المحتوى 9014
أضف تقييـم