أضيف بواسـطة addustor

لا يُذكر العراق إلا وتذكر معه عجائب لا يمكن تصديقها حين يتعلق الأمر بالعنف أو ‏الفوضى أوالفساد وصولاً الى الجهل وتسيد الجهلاء وتحكمهم في تقرير قيمة الإنسان ‏واستحقاقه.‎أجل تضايقت أمام الشعب سبل المعيشة إلى الدرجة التي صار فيها صفو الايام للعراقي ضرباً ‏من الخيال. وصار الكدر مقابلا لليأس من اصلاح الحال في ثنائية تضع كل فرد من الشعب ‏على كفة والمأساة على الكفة الأخرى من ميزان الشقاء اللامتناهي، فقد تحولت سياسة الرعية ‏ودفع مستحقاتهم المعيشية تدار بمزاج السياسي، لكون ساسة العراق اليوم لا يعدون بشيء ‏حسن أو حتى لمسة تفاؤل، فقد بات على العراقيون ان يتكفلوا أنفسهم بأنفسهم في سد رمق ‏الحياة بلا رواتب او اجور تدفع، وما بلغه العراقيون من الرثاثة والوضاعة وهم ينحرون كل ‏نهاية شهر بين مناكفات الحكومة والبرلمان حول الاقتراض والارادة الحكومية الوطنية في ‏الحد من الفساد والنتيجة الرواتب تراق على مذبح الجدل العقيم.‏العراق الذي وهب يوماً الأمم المتحدة عصمت كتانة تحول به الحال الى أن يكون مهدوراً ‏مابين صراعات سياسي متطفل وبين جاهل مستحكم، فيا لبؤس ما آل اليه الحال.‏فقد صار مؤكداً من معطيات الماضي والحاضر أن الشعب لم يكن على مدى التاريخ ‏محظوظ، هذا على الرغم من أن الطبيعة كانت كريمة وسخية معهم، غير أنهم أهدروا الكثير ‏من كرمهم وسخائهم في الاتجاه الخطأ، ولم يبادلوا الطبيعة سخاءها وكرمها، انه قدرهم ‏الطبيعي حين صنعوا تاريخا يعادي ما وهبته الطبيعة من كنوز لاتعد ولا تحصى، لا لكون أن ‏العراقيين لايرغبون في ذلك، بل لأن الاقدار أطبقت أجندتها الاليمة في جسد الشعب المتهالك، ‏حتى اختتمت سلسلة المأسي في لحظة اليأس المطلق التي وصلوا إليها بعد أن شحت عليهم ‏اسباب لقمة العيش وانقطاع مرتباتهم.‎وننوه أن حديثنا في هذا الجانب لايغفل اللطف الالهي وأخذه باسباب الرزق لخلقه وكثيراً ما ‏أشار القرآن الكريم الى لطف الله عز وجل كقوله تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ‏رِزْقُهَا) إذا حاولنا الحديث عن بعض المتسبِّبين في «قطع ‏الأرزاق»، ظُلماً وعدواناً، لا عن ‏الرزق نفسه، الذي هو ‏بيد الله وحده – سبحانه وتعالى - نجد أن القلم ‏يحتار، وتخجل ‏النفس، في وصفهم.. وهم كُثُر وأقل ‏ما يُقال عنهم: أنهم لا يراعون حقوق الناس كما بيَّنها ‏الله، ولا القوانين التي وضعها ولاة الأمر، ولا ‏المبادئ الإنسانية، ولا القيم الأخلاقية.. ‏يستعينون بأساليب، وحيل شتى في تبرير ذلك تعينهم تقلب الدنيا في رفع الوضيع والحط من ‏الكريم.‏وبهذا السياق ينسب للامام جعفر الصادق عليه السلام قوله:‏

 

عتبت على الدنيا وقلتُ إلى متى --- تسيئين صنعا من ذوي الشرف الجلي

 

أفاقدة الإنصاف حتى عليهم --- تجودين بالهم الذي ليس ينجلي

 

ومعْ كونه في غاية العز والعلا --- يكون عليه الرزق غيرَ مسهل

 

فقالت نعم يا ابن البتول لأنني --- خسيسةُ قدر عن علاكم بمعزلِ

 

حينما تستمع إلى أحاديث الناس فتجد أن جلَّ أسئلتهم عن هذه القضية، يخرج الموضف من ‏بيته في الصباح الباكر لكي يوفر المال لنفسه وعياله في نهاية كل شهر، ويفكر في ‏احتياجات أسرته من مأكل ومشرب ومسكن ، ويفكر في أولاده في دروسهم في ملابسهم في ‏أكلهم وشربهم ، ويستمر هذا التفكير حتى يكبر أولاده فيفكر في تجهيزهم وفي إعدادهم ‏لمرحلة أخرى هي مرحلة الزواج ،هذه هي القضية في حياة كثير من الناس .‏من العجائب أن يكون بلد غني كالعراق يعاني أهله من الفقر والعوز والحرمان، رغم وجود ‏احتياطي نفط يتجاوز القرن والنصف، ومن العجائب ايضاً أن الفساد المستشري في ‏مختلف مؤسسات الدولة جعل من البلاد حكراً على فئات معينة من الشعب، في حين يتلظى ‏بقية الشعب بارتفاع الأسعار وشحة الموارد وظنك العيش.‎‏ وتوجد غالبية آبار النفط العراقي ‏في اليابسة، لذلك فتكاليف إنتاجه هي من الأقل في العالم إذ تتراوح بين 0.95 و1.9 دولار ‏لكل برميل، (قبل ابرام العراق كارثة جولات التراخيص التي رفعت الكلفة الى 9دولار للبرميل)‏ ولذلك قد يثبت العراق أنه يحتوي على أكبر مستودعات النفط القابلة للاستخراج في الشرق ‏الأوسط بأسره بمجرد تقدم الاستثمار والتطوير في المنشآت.‎أن تصوير العراق على أنه دولة  فقيرة وتعجز عن تسديد الرواتب و من ثم لابد من حرمان ‏ابناءه من حقوقهم هو تصور غير قانوني و بل ومثير للتسأل فأين ذهبت ميزانية العراق لعام ‏‏2019 و البالغة ... مليار. فميزانية الاردن مثلا هي 11 مليار دولار تكيفهم رواتب و ‏تقاعد  لكل الاردنيين مسؤولين و غير مسؤولين و أمن و كهرباء وصحة وماء الخ.  ‎ومن العجائب ايضاً أن المعهد الاميركي للطاقة نشر تقريرا للثروات الطبيعية في العالم وكما ‏موضح في الجدول المرفق (رقم 1) يوضح فيه اغنى اول عشر دول في العالم من حيث ‏الثروات الطبيعية. وقد احتسبت الثروات على اساس وجود النفط والغاز والفحم والغابات ‏و«الاخشاب» والذهب والفضة والنحاس واليورانيوم وخام الحديد والفوسفات.وياتي العراق في ‏المركز التاسع من اصل 193 دولة، فالتقرير صنف العراق فقط لامتلاكه النفط والفوسفات و ‏اهمل الغاز والكبريت و السليكا و المعادن الاخرى وهذا الامر جعل العراق يكون في المرتبة ‏التاسعة من القائمة، و يوجد في العراق ـ 400 موقع هيدروكربوني لم يجر التنقيب فيها بعد‎ ‎‎.‎وبدورها الوكالة الدولية للطاقة تقرّ بلوغ العراق المرتبة الثالثة عالميا في إنتاج وتصدير النفط ‏بحلول 2030 ، حيث أكد رئيس وكالة الطاقة الدولية في احدى لقائته "أن العراق أحد الركائز ‏الرئيسة لسوق النفط في السنوات المقبلة وسيظل كذلك، حيث يعد العراق حاليا خامس أكبر ‏منتج ومصدر للنفط في العالم وثاني أكبر المنتجين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).‏نعم نحن ندرك مساحة الازمات في الواقع الاقتصادي العراقي وما ترتب عن جائحة كورونا من ‏أزمات اقتصادية جمة في العالم وأن الحكومة ممثلة بوزارة المالية تعلن في الفينة والاخرى ‏بأنها (تكافح) لتغطية رواتب موظفي القطاع العام في ظل أزمة سيولة غير مسبوقة لتأمين ‏رواتب الموظفين والمتقاعدين منذ أشهر جراء تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بفعل.‎‏ ‏ومعلوم أن رواتب ايلول تأخرت أسابيع ورواتب تشرين الاول لم تدفع بعد، والحكومة تحاول ‏الاقتراض مرة أخرى من احتياطيات الدولة، ما يحمل العراق ديوناً داخلية وخارجية، سوف ‏يؤدي ذلك الى عدم القدرة خلال الفترة المقبلة على دفع الرواتب للموظفين، وكذلك المتقاعدين ‏وذوي الرعاية الاجتماعية.‏ونقر ايضاً في ذات الاتجاه أن أزمة العراق تعد أزمةً مركبةً كونها مشكلة اقتصادية موجودة ‏قبل كورونا وقبل احتجاجات الحراك الشعبي اللذين زامنهما انخفاض أسعار النفط عالمياً وزاد ‏عليه تخفيض حصص الإنتاج وتداعيات ما تقدم كلّه على الوضع العراقي”.‎لكن تخفيض الرواتب ليس حلاً وانما الحل بتفعيل القطاعات الاخرى الصناعة والزراعة ‏والاتصالات والمنافذ الحدودية من أجل تعظيم إيرادات الدولة، مع وضع خطط مناسبة لإنهاء ‏الأزمة الحالية التي يمر بها البلد، فالدستور العراقي نص في المادة 22 اولاً على" ان العمل ‏حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة" وتخفيض الرواتب يؤدي الى حرمان الموظفين ‏من فرصة الحياة الكريمة بل و تعرضهم للذلة والمهانة.‎المساس برواتب الموظفين قد يسهم في تأجيج الشارع المُثقل بالأزمات، ويخلق حراكاً ‏احتجاجياً واسعاً، خصوصاً أن عدد المستفيدين من الرواتب الشهرية المقدّمة من الحكومة، ‏يتجاوز الأربع ملايين شخص  ‎وهي تعيل نحو (30) مليون نسمة ما يفاقم الأزمة الشعبية، ‏هؤلاء الموظفون الذين تم قطع ارزاقهم باستحقاقهم لرواتبهم، نقول لهم أن هؤلاء أرباب ‏أسر، وعائلات وبيوت مستأجرة وطلاب في الجامعات والمدارس وغيرها من الالتزامات التي ‏لاتعد.. لذلك فعدم دفع رواتبهم يعني تدمير حياتهم وحياة أسرهم, سيما وأن كثيرا منهم لا ‏يوجد له أي مصدر رزق آخر, ويعتمد بعد الله تعالى على هذه الوظيفة.‎

المشـاهدات 833   تاريخ الإضافـة 11/11/2020 - 23:52   آخـر تحديـث 28/03/2024 - 17:01   رقم المحتوى 9132
جميـع الحقوق محفوظـة
© www.Addustor.com 2016