الثلاثاء 2024/4/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
على ورق الورد الآيديولوجيا والفن
على ورق الورد الآيديولوجيا والفن
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منذر عبد الحر
النـص :

حين تدخل السياسة في الابداع تحجمّ مديات التحليق والخطاب الابداعي وتجعله أسير أفكار ورؤى ورسائل أيديولوجيّة تسخّر كلّ الممكنات ومفردات الابداع لبلوغها , لذلك يحاول المبدعون الخروج على الأطر السياسة لينشدو قيم الجمال وعمق الهم الابداعي لأنه أكثر اتساعا وأبلغ تأثيرا من الخطاب السياسي المبنيّ على رؤية محددة .

ورغم ذلك إلا أن هناك أعمالا ذات صبغ سياسيّة تلميحية نجحت جماهيريا لأنها وظفت الرؤية السياسية توظيفا جماليا وأعطت التعبير عنها لغة خاصة حققت الهدفين معا – الفني الجمالي – والسياسي الايديولوجي وبذلك فقد نجحت في استقطاب جمهورها , وهذا الأمر حدث بشكل جليّ واضح في الأعمال السينمائية ذات الهاجس السياسيّ المتواري خلف فكرة سينمائية مصاغة بحرفيّة عالية وذكاء إعلاميّ يذيب الفكرة في إناء الحدث الشيق ذي البعد الحكائي المحبب . 

وقد تنجح فنون إبداعيّة أخرى غير السينما في صناعة خطاب سياسي – فنيّ ابداعيّ مشترك , بسبب المديات الواسعة لهذه الفنون ومنها التشكيل والموسيقى , لأنها قد تنطلق من هاجس إنساني حساس وترسل من خلال معالجته جماليا لفكرة سياسية معينة أو هدف آيديولوجي مرصود , والشرط الأول في نجاح هذا اللون من الابداع هو تجنّب الخطاب المباشر لأنه سيكون حتما ساذجا فجا بعيدا عن روح الفن الذي ينطلق منه .

إن الخطاب السياسي في الفنون عموما تجلّى في الفترة التي شهدت نشاطا سياسيا واسعا , انقسم في توجهاته إلى خطابين الأول الرأسمالي , والثاني الاشتراكي , ونشأت مدارس تتبنى هذين الخطابين وتقدم من خلال نوافذ كلّ منهما الرؤية الفنية والفكرية المناسبة , وقد شهدنا حقا أعمالا خالدة من هنا وهناك , وكان خلود هذه الأعمال بسبب تبنيها الخطاب السياسي ولكن بملامح إنسانيّة جذابة وفرت فرص التعاطف الجماهيري معها تأثرا وقبولا وانتماء أيضا , ولا يبتعد الخطاب الفكري الديني عن هذين الخطابين لكنه كان أقل انتاجا من الخطابين الآخرين بسبب طبيعة الموجهات الدينية وأسلوب التعامل المختلف في بثها وعرضها على الجمهور , على اعتبار أن الفن هنا , يرصد المناسبات والوقائع الدينية الخالدة , وهي لا تحتاج إلى تورية أو إلى تغيير في معالمها بسبب القداسة التي تحتويها .

أما سياسة الفن , فهي نافذة تسويقية لها أهميتها التجارية والاعلامية , وهي تعتمد على طبيعة عرض النتاج الفني وطريقة تقديمه للمستهلك – المتلقي , وهي عملية تتطلب مهارات خاصة وقدرات اقتصادية تتفوق حتى على الممكنات الفنية في النتاج الفني , لأنها تتبنى سياسة الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وعرض ما تريد عليهم , وقد نجح في ذلك مستثمرون ومنتجون وتجار لوحات وشركات انتاج صارت كبيرة بسبب سياستها التسويقية وإمكانيتها الكبيرة في ذلك , وربما لاقت أعمال إبداعية متواضعة انتشارا هائلا , فيما أخفقت أعمال إبداعية كبيرة في تحقيق انتشار مناسب لها , وهذا ليس بسبب قيمة أو ذائقة أو قضية قبول أو رفض , بل بسبب سياسة تسويق الفن والمنتوج الابداعي لكل منهما , والخبرة التي يمتلكها الأول ولا يمتلكها الثاني .

نستطيع هنا أن نؤشر سببا من أسباب عدم انتشار الكثير من أعمالنا الفنية المهمة التي نتوقع لها الانتشار الكبير , لكننا نصدم بعدم تحقيق هذا الانتشار , وذلك بسبب السياسة الخاصة بتسويق الفن والتي لا تجيدها الكثير من مؤسساتنا الأمر الذي يجعلها بعيدة عن الكثير من المتلقين وربما تتعرض للفشل والاهمال الذي يولد اليأس والاحباط لدى المبدع . 

المشـاهدات 642   تاريخ الإضافـة 16/11/2020   رقم المحتوى 9188
أضف تقييـم