السبت 2024/4/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 26.95 مئويـة
العناق نكاية بالكورونا لسعد جاسم الشجرة امرأة    
العناق نكاية بالكورونا لسعد جاسم الشجرة امرأة    
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أمين قاسم الموسوي
النـص :

 نص الشاعر سعد جاسم ( العناق نكاية بالكورونا) قصيدة نثر، تُرى اين يقع هذا النص من هذا النوع من الأدب؟ سنرافق الشاعر في خطواته لنرصد مدى قربه أو بُعده من عالم الابداع ، فثريا النص ، جاءت تحمل غرابة، والغربة من سمات الشعر الجيد لما تثيره من تفاعل بين المرسِل والرسالة والمرسَل اليه، فكورونا تستدعي التباعد، ونكاية بها يعاكسها الشاعر بالتقارب، بل التقارب الشديد ألا وهو العناق، وبعد ثريا النص تنساب المفردات والجمل والتراكيب ، فيأخذ بعضها بتلابيب بعض، فيقف النص متماسكاً لا يمكن التلاعب ببنائه بحذف أو اضافة أو تقديم أو تأخير، بأفعال ترسم أحداثاً محبوكة مبررة ، وهذه هي السردية التي تعد واحدة من أهم سمات قصيدة النثر: ( نكاية بالكورونا / وعزلتها الوحشية / قررتُ أن اكسر قضبان / هذه العزلة السوداء) ، فالعزلة وحشية مكروهة، ولذلك اختار الاسود لوناً لها لِدلالة هذا اللون على الحزن ، وأنى له أن يكسر هذه العزلة إلا بفعل: ( اذهبُ الى غابة تستوطن/ قلبَ المدينة الضاحك) ، واختيار قلب المدينة مكاناً للغابة، يقود المتلقي الى التساؤل المؤدي الى التفاعل مع النص، لأن الغابات عادة ما تكون في ضواحي المدن وأطرافها لا في قلبها، والمتلقي هنا سيؤول ، فربما اراد الشاعر حبيبة لا غابة، فصيّر الحبيبة غابةً بما تبعثه من تحرر من ضجيج المدينة وزحاماتها، والشاعر كما يختار الفاظه وتراكيبه يختار من الغابة: ( وأختار منها شجرة فارعة / وكثيفة الاغصان والحنان) وهذا الاختيار يعزز تأويل الغابة بمخلوق بشري حلو الصفات ( فارعة) ( كثيفة الاغصان والحنان) ، ومفردة الحنان تعزز التأويل السابق، لأنها صفة بشرية لا نباتية، وتستمر الصور متماسكة، فبعد الوصول الى الغابة (الحبيبة) يبدأ فعل آخر : ( ثم اعانقها ابتداءً من عروقها/ التي تمتد عميقاً / في جسد الأرض / ثم أعانق جذعها ، وأشمّ بكل كياني / رائحة لحائها التي تضوع / بعبق الحناء والدارم الأنثوي)( هنا التأويل يصبح اكثر وضوحاً في أن تلك الشجرة في تلك الغابة مخلوق بشري انثوي، فالحناء والدارم الانثوي ( الديرّم ) تشير الى صورة انثى تعشعش في مخيلة الشاعر، وبما أنه لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، فأن عزلة الكورونا خلقت انفعالاً شديداً مقاوماً للعزلة: (وبلهفة وشغف كَوْني / أواصل عناقي لشجرتي/ وأضع قلبي على قلبها/ واستمع الى نبض أغصانها) فما يمور به القلب من مشاعر عبرت عنه الالفاظ والصور بأسماء وأفعال: اللهفة، الشغف ، عناقي ، أواصلُ ، أضعُ ، أستمع ... الخ ، هذا ما يرجوه الشاعر في زمن الحاضر، ولكن ثمة شك في تحقيق ما يأمل، فقد يخيب ظنه، فيؤجل آماله الى المستقبل ويتحول الأمل الى امنيات : ( وكم ستكون حنوناً ورؤوماً / لو أنها انحنت عليّ / براسها الأخضر الدافئ الظليل / حتى استمر بعناقي لها) ، فهذه الشجرة المؤنسنة يتمنى الشاعر أن تكون حنوناً رؤوماً، فيأتي بصيغ المبالغة لتعوضه عن حرمان فُرض عليه، لذلك يجعل من عناقه مستمراً غير منقطع ، شاملاً لا يترك زاوية إلا ويقبلها : ( حتى استمر بعناقي لها / غصناً غصناً / وورقة ورقة / ونسغاً نسغاً ، وفاكهة فاكهة) ولو استغنى الشاعر عن واوات العطف لكان ذلك أوقع في التعبير عن اللهفة التي هو فيها لتجسيدها زمناً اسرع دلت عليه الافعال الثلاثة : ( أعانقها / أُعانقها / أعانقها) جاءت توكيدأً لفظياً لأربعة اشياء ( غصناً ، ورقة ، نسغاً ، فاكهة)، لأن العرب إذا أكدت فانها لا تكرر اللفظ اكثر من ثلاث مرات، وهذا التوكيد جسّد صورة اللهفة والشغف للوصول الى : ( التماهي والتجلي / والحلول أحدنا في الآخر / حتى نصبح / كلانا واحداً) ولما كان الأمل قد أصبح تمنياً فان الشاعر يتجاوز الواقع لائذاً بالتصوف عله يحل في جسد الحبيب وروحه على الطريقة الحلاجية:

أنا من أهوى ومن أهوى انا                          نحن روحان حللنا بدنا

وبعد هذا الحلول سيمشي الشاعر الى جنة الخيال : ( بعدها نمشي الى سهل / مأهول بالخضرة والهديل ... ) ، والحلول الروحي : ( سيشيع البهجة والخضرة/ والحب الذي هو / اكثر حقيقة وجمالاً وبقاء/ من " كوفيد" الخادع / وطغاته الحمقى والقتلة والشياطين) ، بهذه الصورة يختتم الشاعر، لاعناً كوفيد، ولا يخفى أن الشاعر قرن كوفيد بمفسدي الحياة بطغيانهم، وقتلة الأحرار، وشياطين الفساد، وقد جاءت اشارته هذه خفيفة الظل تشير من بعيد، والحر تكفيه الاشارة .

إن هذا النص مثال موفق لقصيدة النثر بوحدة موضوعه وانسياب سرديته وجماليات خياله، ووضوح شعريته ، الذي يطرد كل مبهمات وأحاجي ما يكتب باسم قصيدة النثر من تهويمات لغوية أو خواطر ساذجة، فقد جاء مدهشاً مرصوصاً وكأنه قطعة بلور على ما ترى سوزان برنار، ومن شاء استجلاء ما في النص فليعد الى قراءته، لأن هذه النظرات التي طُفْتُ بها في حديقة النص قد تسلب المتلقي بعضهاً من ضوع عبيره.

  

المشـاهدات 971   تاريخ الإضافـة 16/11/2020   رقم المحتوى 9194
أضف تقييـم