النـص :
حين بنوا الصينون القدمى سورهم العظيم ، قبل آلاف السنين ، حتى أضحى من عجائب الدنيا السبع ، قبل أن يلحق عصرنا الراهن ضمن لائحة أهم مواقع التراث العالمي ، كانوا يطمعون بأن يكون هو بمثالة الحصن الحصين و السد المنيع الذي يدرأ عنهم مخاطرو مطامع الأعداء و الغازين لبلادهم ، فضلاً عن جديّة أملهم و أحقية طمعهم بالأمن و الأمان ، لذا حرصوا أن جعلوا منه تعقيداً وعراً ، صعباً عصي المنال كل على من يتجاسر التسلق و الوصول إلى غاياته الشريرة و العدوانيّة ، بيد أن الوقائع و الحوادث التأريخيّة تؤكد تعرّص الصين لثلاث غزوات خلال المائة سنة الأولى من بنائه ، و لعل الأغرب ما في الأمر أن جحافل الغزو البريّة ، لم تكن بحاجةٍ لتجاور عقبات هذا السور، في جميع تلك الغزوات كونها كانت تلجأ إلى دفع الرشا للحارس كي يسّهل عليهم الدخول من الباب ، لذا كان يجب بناء شخصيّة الحارس ، قبل بناء السور كما تفيد الدلائل مع قول الحكماء ، يقيناً يلزم المجتمعات والشعوب و الأمم أن تحتمي بالفرد كنواة قوة في جوهر تماسكها ، وحقيقة فعل تحصين وجودها ، و تعميد حاضرها بالعمل و التناسق بالتناغم مع متطلبات الحياة ، من خلال ترصين بناء دواخل و تعزيز قناعات الإنسان بالنظر إلى المستقبل من حيث كونه " أي المستقبل " ظلاً للحاضر ، بإعتقاد قطع دوابر ثلاثة مسببات مسننّة من شأنها أن تنال لتهدد و تُدّمر حضارة أمة بكاملها ، و في أن تُحطم نسيج أي مجتمع مهما كانت منظومة قيّمه الروحية و العقائدية على مستوى معين من التماسك و الثبات ، إذا ما أستطعت - بحسب آراء الحكماء و فلاسفة التربيّة - أولاً " هديم الأسرة " عبر تغيب دور الأم و حصرها دورها في خناق كونها " ربة بيت " لا عنصر فعّال في سياق تشاطرها الفعلي في بناء المجتمع ، ثانياً " هدم التعليم " بالنيل من قيمة المُعلّم باللجوء إلى تحقير دوره و التقليل من مكانته ، و أخيراً ضعضعة " الرمز و إسقاط القدوة " متمثلاً بحصر دور العلماء و الحكماء و المبدعين بدواعي السعي القادر على الطعن بهم ، و خسة التشيكك بدورهم ، ثم الحطّ من قِدرهم تحت أي مبررٍ و قصدٍ كان .
|