الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
وداع آخر كلام
وداع آخر كلام
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عبد الحميد الصائح
النـص :

في شؤون الكتابة هناك ثلاث فئات من الكتّاب، الأولى تنصرفُ الى المشروع الشخصي تماما، قد تُبدي مواقف سياسية عامة ولكنها نادرة وثانوية أو وقت الفراغ، فالمهم هو حرثُ وزراعةٌ وحصادُ التجربة الشخصية والعنايةُ بتسويقها بشكل منظّم، واعتبارُها المعيارَ الوحيدَ لكلّ شيء في الحياة.والفئة الثانية،تنصرف الى الشأن العام وملاحقةِ مايحدث سواء في الحياة السياسية أو الثقافية العامة، واعتبار الشأن العام هو وحدة القياس الاولى في عملِها وتاثيرها الجماهيري. أمّا الفئة الثالثة فهي تلك التي يتنازع داخلَ تجاربِها الخاصُ والعامُ معا، باشتراطاتِهما الصعبة ومتطالباتِهما المختلفة في الاليات رغم لقائِهما الطبيعي عند محنة الانسان وحقّه وكفاحِه في هذا العالم المضطرب .

 الخاص والعام كلّ منهما يأخذ من جرف ألآخر. وهذا ما وقَعتُ فيه شخصياً من أكثر من ثلاثين عاماً. فقد كان خياري من طفولتي هو ذلك السحرُ الذي تمنحه الكتابة الأدبية في الشعر والمسرح والنقد وجمال غموضها وطبقاتها واكتشافاتها الخاصة التي تبعد كثيراً عن التفاعل العام. لكنّ هاجسَ الدفاع عن الحقوق العامة، والاعتراضَ على الأخطاء والشرّ والظلم الذي يفتك بالبشرية وبالأوطان لم يفارق مخّي وأعصابي وسيرتي حتى اليوم، دافعاً مقابِله اثماناً كثيرة من فقداني العلاقة الطيبة بعائلتي وهجرتي الطويلة واشتباكي بمخرجات السياسة التي أجهلُ دروبَها الملتوية، الى ثقتي بناسٍ توهمتُهم في منازلَ ليستْ كالتي هم عليها . اقول هنا مع بداية عام جديد مختلف بأيّ حال، اني لم افكر في أي مكسَب لا في الفئة التي عمِلتُ على انتاج كتب ومؤلفات فيها، ولا في العمل السياسي الذي قاومتُ مغريات الانخراط فيه،لابقى مستقلا تماماً مهما كان ثمن ضريبة الاستقلال  والخسائر الشخصية والجحود بإزاء   العذاب والهجرة والكفاح والمغامرة من أجلِ وطني وشعبي.

ومثلما تطالبُني عائلتي بحقِها مني في أشياء كثيرة، تطالبُني مشاريع  الكتابة المعلّقة الناقصة المهملة بين أوراقي بأنْ أنجزَها، وأنْ اكفّ قليلاً عن حريقِ الأعصابِ اليومي والالتزامات التي بلاهدف، عن كلامٍ منفعلٍ لايسمعُه أحد،في وطنٍ أصبحت فيه النصيحة مُذِلّةً،والعدالةُ موحِشْةُ، والدفاعُ عن الحقّ العام شأناً شخصياً لا أصداء له.

غابت في حياتنا روحُ التطوع وروحُ الجماعة، وانعدمَ الخجلُ من اختراق القيم،وساد حوار الطرشان بين المختلفين ، وتداخلت اللغة السوقية   والخبرات الشحيحة في الجدل السياسي. واصبح الشأن العام مستنقعا للمال الحرام والدم والجهل والتقديس والتدليس وقلب الحقائق. لذلك سيكون عام 2021 وانا في الحجر الصحي الإجباري هذا عاما للتأمل اكثر منه للكلام ، ليس تماما بالطبع فلايمكِنكَ فِطامُ روحِك من عاداتها مرة واحدة، وحرمانُها من  أنْ تعملَ مع الآخرين وتفكرَ من أجلِهم، ولكنْ لمراجعةِ الجدوى من ذلك، متى يكونُ نافعاً ومتى يكونُ عَبثاً في عبثْ.

  مناسبةُ هذا القول الآن قراري بتسليمِ مفاتيح زاويتي هذه( آخر كلام) على أخيرة الدستور الغراء الى صديقي الصحفي البارز الكبير باسم الشيخ الذي كان سببأ في أن اكتب بانتظام على الدستور ملاحِقاً الاحداثَ المتتاليةَ التي تشهدُها بلادُنا العزيزة ووسطُنا الأدبيُ والإعلامي الغزير بإنتاجِه وتنوعِه.

 أقول : هنا فقط على هذه الزاوية، لأنّ (الدستور) ستظل حاضنة لما أكتبه واعتزّ بنشره على صفحاتها المختلفةِ الأخرى دون موعد، كلما استجد شيء ثقافيٌ أو سياسي يستوجب الكتابة.

محبتي وشكري لباسم الشيخ الصحفي المعلّم والشخصية المتوازنة التي تَعِدُ بالكثير، وتحية مني لكل من قرأ ماكَتَبتْ، ومن تجاهَل ما كتَبت، ومن أعجِب بما كتبتْ، ومَن تذمّر مما كتبت. فقليلٌ من المحبة يكفي لجبِّ سوءِ فهمٍ كثير.والحديثُ في شؤون العراق لنْ يستقيم اذا لم يكنْ نزاعاً بين طرفين أو أكثر مهما كان شكلُ الحديثِ ومو ضوعُه.

 وكل عام وانتم بخير.

المشـاهدات 666   تاريخ الإضافـة 04/01/2021   رقم المحتوى 9446
أضف تقييـم