الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 19.95 مئويـة
العراق والدولة العلمانية
العراق والدولة العلمانية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.د.عبدالرزاق محمد الدليمي
النـص :

تشير صفحات تاريخ العراق قبل اربعة الاف سنة الى ان الملك العظيم سرجون الاكدي عندما اراد ان يصلح دولته اصدر مرسوما ملكيا قوض فيه سلطات رجال الدين وابعدهم عن التدخل في شؤون الدولة لانه اعتقد انهم اساس البلاء والتأخر على مر الازمان.لاينكر احد منا دور بعض رجال الدين في حقبات مهمة من تاريخ العراق ومنه دعمهم لثوار العشرين ضد الاحتلال البريطاني رغم ان هذا الدور لم يكن حاضرا عندما احتلت امريكا وحلفائها العراق 2003 رجل الدين في أي مجتمع من المجتمعات كائنا من يكون دينه أو مذهبه أو طائفته يحظى بمكانة خاصة في هذا المجتمع بوجه عام وفي أوساط فئته الدينية الاجتماعية بوجه خاص. إن هذه المكانة والاحترام اللذين يتمتع بهما رجل الدين يفترض انهما ينبعان من الرسالة والدور الكبير الذي يضطلع به كمرشد روحي ومصلح ديني واجتماعي وقدوة للفضيلة ومكارم الأخلاق.وبهذا المعنى فانه اذا ما اهتزت هذه المكانة بالاساءة المقصودة أو غير المقصودة لصاحبها كان ذلك دافعا لحدوث توترات واضطرابات في الاوساط الاجتماعية والدينية غير محمودة العواقب في البلدان المعروفة بتعدديتها الدينية أو المذهبية، ولعل مما يفاقم من مخاطر مثل هذه الاساءة حينما تأتي بحق رجل دين معروف بثقله الكبير في أوساط طائفته فتؤخذ هذه الاساءة على انها اساءة بحق الطائفة برمتها، سواء قصد مطلق الاساءة بذلك أم لم يقصد بذلك.وفي الوقت الذي يضطلع رجال الدين بأدوار استثنائية في المحافظة على السلم الاجتماعي في مجتمعاتهم ومثالا وقدوة عليا في التسامح والمجادلة بالتي هي أحسن من خلال احترام المجتمع الذي يعيشون في كنفه واحترام بعضهم للبعض وللأسف الشديد هذا لا يحدث في اغلب بلداننا العربية وبخاصة تلك المعروفة بتعدديتها الدينية والطائفية ، مما يعني عمليا ان رجال الدين هم أنفسهم في كثير من الأحيان يسهمون بأنفسهم في اهتزاز هيباتهم ومكاناتهم في المجتمع بانزلاقهم الى هذه المناكفات.ولم يحدث قط ان وجه كاتب وطني او ناشط سياسي انتقادا لرجل دين حمل على انه اساءة لطائفته او لمعتقده الديني، وان كان رجل الدين المعني بهذا الانتقاد عادة ما يحاول تأويل هذا الانتقاد السياسي لموقف رجل الدين على انه انتقاد للدين وقيمه وخروج على الشريعة. وعلى العكس من ذلك فانه من النادر ان ينتقد رجال الدين من الطوائف المختلفة دونما ان ينسحب ذلك على احداث نعرات وتوترات بين هذه الطوائف. ولذلك فإن مسؤولية رجل الدين ورسالته في المجتمع جد خطيرة. ان رجال الدين يتحملون المسؤولية في توخي الحذر من الفتن الطائفية والحض على التسامح والتآخي الديني والوطني بين ابناء المجتمع وليس العكس.وينبغي ان نفرق جيدا بين النقد الموجه لرجل الدين حول أي موقف سياسي يتبناه وبين التجريح الشخصي له. رغم اننا نتمنى على رجل الدين الابتعاد عن الحياة السياسية للحفاظ على المكانة التي يتمتع بها في المجتمع من الاهتزاز. ان احترام رجل الدين هو من القيم والمبادئ السامية التي فطرنا وتربينا عليها في مجتمعنا، مثلها في ذلك مثل قيم احترام الوالدين والمسن الكبير والمرأة.. إلخ، وغير ذلك من قيم انسانية ودينية ان العلاقة بين الديني والسياسي علاقة يغلب عليها طابع الجدل ففي كثير من الاحيان يمتد ما هو ديني الى مجال ما هو سياسي ويترتب عن ذلك النظر الى شؤون البلاد والعباد بما تقتضيه مصلحة الاحزاب او الجماعة الدينية ورجالاتها واحيانا يمتد ما هو سياسي الى مجال ما هو ديني ويتم التعاطي مع الدين وموضوعاته وفقاً لمصلحة رجل السياسة فلا بد اذن من ترتيب العلاقة بين مجالي الديني والسياسي بشكل يحفظ للدين من جهة جوهره الروحي والاخلاقي والانساني مع العلم ان جوهر الدين كيفما كان هو بسط قيم السلم والمحبة بين الناس جميعا ومن جهة ثانية يحفظ للسياسة السليمة شأن تدبير امور البلاد والعباد بما يتطلبه الواقع والمصلحة العامة فلا بد اذن ان يلزم كل طرف في هذه المعادلة حدوده ولا يتعداها بصيغة مباشرة فيجب التمييز بين ما يدخل في نطاق الدين وما يدخل في نطاق التدبير السياسي ان هذا الطرح المنطقي لا يستهوي الكثيرين فيعتبره من قبيل تركيب الجمل او تفسير الماء بالماء فما اصعب ان يتحقق فعلاً .كثير من المراقبين يعتقدون خطأ أن رجال الدين العراقيين انفصلوا عن المشاركة السياسية التي يعتقدونها في تناقض صارخ مع إيران.لكن منذ عام 2003، لعب رجال الدين دورا سياسيا بارزا في تشكيل  دولة ما بعد الاحتلال، خاصة أنهم كانوا أعضاء في لجنة الكتابة الدستورية، وتولوا مناصب عامة، وعندما بدأ العراق في إجراء الانتخابات، في عام 2005، كانت هناك شائعات عن دعم بعض القوائم، كما كان لهم نشاط واسع ومؤثر في الحراك السياسي العراقي؛ وكان أشهر محطات ذلك النشاط هو أن المؤسسة الدينية أصدرت دعوة ملزمة دينيًا بحمل السلاح، في عام 2014، لمحاربة داعش.وأدى هذا الموقف غير الواضح إلى عدم حدوث توافق بين نخبة رجال الدين وتوقعات الشيعة والجمهور العراقي الأوسع. وفي الاحتجاجات الأخيرة بـالعراق، كان العديد من المواطنين يأملون في الحصول على الدعم الديني، لكن قابلتهم خيبة الأمل بسبب عدم تفاعل الرموز الدينية الشيعية

 

امريكا والمؤسسات الدينية

 

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحثين في جامعة رويال هولواي في لندن، محمد كالانتاري وعلي هاشم، يقولان فيه إنه عندما خرج المرجع السيستاني، الذي يعد من أبرز رجال الدين الشيعة في العراق، من المستشفى في 17 كانون الثاني، فإن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، غرد ثلاث تغريدات باللغات الإنجليزية والعربية والفارسية، متمنيا له شفاء عاجلا.ويعلق الكاتبان في مقالهما، قائلين إن "هذه المقاربة اللطيفة تجاه سيستاني اعتبرت بأنها محاولة من بومبيو لتصوير دعم أمريكا للسيستاني، الذي تعتقد الإدارة الأمريكية بأنه يشكل وزنا مقابلا للنفوذ الإيراني في العراق، وهذا بعد مجرد أسابيع من تشجيع بومبيو ترامب على اغتيال قاسم سليماني في غارة جوية خلال زيارته إلى العراق".ويقول الباحثان: "ليس سرا أن بومبيو يؤيد استراتيجية الضغط الأقصى على ما يسميه (حكومة اللصوص التابعة لخامنئي)، في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، لكن إشاراته المختلفة إلى رجل دين بارز هي إساءة حسابات أخرى من جانب الحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط المضطرب".ويقول الكاتبان: "لا جدل في اختلاف الرؤية السياسية لكل من المرجعية الدينية العراقية والإيرانية، لكن هناك أسبابا كثيرة تجعل من اتحادهما ضرورة عندما تواجه أي منهما بتهديد خارجي، وبغض النظر عن كون السيستاني ينتمي لمدرسة مختلفة عن رجال الدين الذين يحكمون إيران فإنه يرى أن أي تهديد لجمهورية ايران الإسلامية تهديدا للإسلام الشيعي".ويؤكد الباحثان أن "رسالة السيستاني الى خامنئي بعد مقتل سليماني أثبتت بأنه لم يكن ولن يكون أبدا عدوا لإيران، بالرغم من خلافاته كلها مع زعمائها، وهذه نقطة عمياء بالنسبة لصناع القرار في واشنطن".أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه رجال الدين الشيعة كما يراها الكاتبان أثبتت أكثر من مرة أنها ليست على معرفة بالتحركات الداخلية والأولويات والمصالح لتلك المؤسسة، فالتحركات الداخلية -التي تقوم على دعم رجال الدين غير المشروط للسلطة الدينية الشيعية ومكانتها- مهمة جدا، وجعلت حتى رجل الدين العنيد، مقتدى الصدر، يتراجع عن مواقفه السابقة".ويشير الباحثان إلى أن "نجم الصدر ارتفع مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فكان في أوائل العشرين من العمر، وانتقد المرجعية الدينية في النجف، التي أطلق عليها (المدرسة الصامتة)، وكان يريد من السيستاني أن يقود ثورة كما فعل الخميني، لكن رؤية السيستاني كانت مختلفة، فهو كان حريصا على أن يستلم الشيعة الحكم في العراق من خلال عملية سياسية".ويشير الكاتبان إلى أن "السيستاني أدى دورا مهما في الأزمة السياسية حول تعيين رئيس وزراء للعراق عام 2014، فكانت إيران تريد نوري المالكي، لكن السيستاني رفضه، ولذلك قبلت طهران ما ذهب إليه السيستاني، فهو أكبر مرجعية شيعية في العراق ويجب ألا يقوض زملاؤه الإيرانيون ذلك".

 

عراق قوي وحر وموحد  ودولة علمانية

 

كان تدخل النظام في ايران في الشؤون الداخلية للعراق وسيبقى مصدر استياء ورفض من قبل العراقيين ، ويطالبون أن تكون العلاقات بين إيران والعراق قائمة على مبدأ حسن الجوار، ويرفضون ان يكون بلدهم مسرح للهجمات الأمريكية والإيرانية على الأراضي العراقية .ان الشعب العراقي يعد أن تدخل النظام في إيران في شؤون بلدهم الداخلية مسؤوليته مع امريكا بشكل مهم عن حالة الفقر التي وصلوا لها، بالإضافة إلى أن الصراع الدائر بين إيران وأمريكا على أرض العراق -كما حدث خلال الفترة الاخيرة- يعد عاملا آخر يفاقم من صورة إيران بالنسبة للمتظاهرين. يجب على إيران وأمريكا وغيرهما احترام رغبة العراقيين ، بلد عراقي موحد، تجاوز فيه السكان الطائفية، ويرعون هوية وطنية موحدة يمكنها حل المشكلات الأمنية الداخلية كلها، دون تدخل مباشر من القوات الأجنبية .إن عراقا حرا لا يحتاج إلى جنود تحالف على أرضه، وعراق قوي يمكن أن يؤدي دور الوسيط بين أمريكا وإيران إن كانت هناك رغبة في الدبلوماسية. ولأن سلطتهم تنُبع، في نهاية المطاف، من الشارع العراقي، فإنه يتعين على رجال الدين التكيف مع المطالب الشعبية التي تتجه الآن نحو “دولة علمانية” أو تخاطر بفقدان كل مكتسباتها.

المشـاهدات 656   تاريخ الإضافـة 11/01/2021   رقم المحتوى 9516
أضف تقييـم