وجع يرافقه وجع وحزن يتبعه حزن وخيبة  ترافقها خيبات ، كلما قلنا اننا عبرنا شوطاً واغلقنا عليه باب التذكر ورجونا الابعاد بأي شكل من الاشكال الا انه القدر المحتوم والفأل السيء الذي يتتبع خطى العراقيين ومصائرهم وكأنها لعنة أبت ان تنسى.

الدم الذي سفك صباح الخميس على اسفلت ساحة الطيران وتضمخت به ملابس البالة وعربات الباعة الجوالين ، هو مهر جديد لعرائس الوطن حيث تعجز آلة الحرب التي تختزنها السلطة من ايقاف قرابين العيش المؤقت ان تسير صوب موت لم يتفق عليه ، ربما يجيء كل مرة قبل اوانه ويسحق معه احلام الفتيان ويسلب امنيات لم تكتمل كتابتها بعد.

الذي يقتلنا اليوم يعلم جيداً ماذا يفعل يفعل ويتخادم مع بندقية الارهاب الجاهزة للايجار لكل من يدفع اكثر او تتطابق رؤاه واهدافه الشيطانية مع من يضغط على زنادها ليقتل من يشاء بأمر من يشاء ، دلالة لصراع خفي تتنازعه رغبات الاقتصاص من الاخر لاقصائه او التغلب عليه والتفرد بالاستحواذ على غنيمة منقوعة بدماء الغلابة والكادحين والمعوزيين والفقراء.

ساحة الطيران وعند جدارية فائق حسن ودعت بجهتها الغربية آخر رموز العمل البسيط الذي لم يعد يؤمن قوت صاحبه ، الا اذا غمس بنجيع اصحابه ، فكيف يطعم هؤلاء الكسبة عيالهم قوتاً منقوعاً بالموت الذي افرغته حقائم العفن الانساني على ارصفة لاتتسع لموتين.

وآخر ما روته المرأة السمينة المنزوية على دكة غائرة ، لم تفارق روحها الصدمة من هول الانفجار ، كيف انها شاهدت بأم عينيها الحمائم البيضاء تحمل ارواح شهداء الطيران على اجنحتها الى أفق ابيض لم تتحمل عيناها الزائغتين وهج بريقه ، فآثرت ان تحتفظ بالسر لنفسها حتى لايقال لها انها ام تفق بعد من موتها.