الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
العراق بين النفق المظلم والعقد الاجتماعي!
العراق بين النفق المظلم والعقد الاجتماعي!
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. جهاد العكيلي
النـص :

ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات تمثل وجهات نظر نخبوية ، وقضت بأهمية تبني مفهوم نظرية العقد الاجتماعي، بوصفها السبيل الامثل لإنقاذ العراق من تصدع وتفكك العملية  السياسية القائمة منذ عام الاحتلال الامريكي للعراق 2003 وحتى الآن .. ويرى أصحاب وجهات النظر في هذا المفهوم بأنه ، سيحقق للعراق في حال تطبيقه تجاوز المشكل السياسي القائم ، وبالتالي الخروج من الازمات الحادة التي يعاني منها الشعب في مختلف الصعد لا سيما على  مستوى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، وعلى مدى سنوات طوال تعاقبت فيها عدة حكومات لحكم من دون شرعية حقيقية ، وهذا ما شهدته اوربا حين عمدت لتطبيق مفهوم العقد الاجتماعي إبان القرنين السابع والثامن عشر، بعد أن كانت تعمها الفوضى والانقسامات السياسية بفعل إختلاف الرؤي السياسية والاجتماعية .. وفي هذا السياق إستخدم الاوربيون هذا المفهوم كجهاز فكري يمكن معه تفسير العلاقات بين الحكومات وأفراد الشعب، وبهذا المفهوم تم إجتياز معظم الازمات ولا نقول كلها ، ليتم على إثرها بناء دول اوربية قوية ذات شأن وسيادة حقيقية تلبي آمال وتطلعات شعوبها حتى نالت مكانة متقدمة بين شعوب المعمورة كما نراها اليوم ترفل بالتقدم العلمي والصناعي والزراعي بعد أن صاغت هذه الدول إتفاقات مع مواطنيها ، وقضت بتوفير حاجاتهم الحياتية وحمايتهم مقابل منح الحكومات الثقة السياسية بإدارة الحكم بشكل شرعي .. وهذا ما فعلته ايضاً الممالك الخليجية حين قررت بدعم بريطاني ــ اوربي توفير ما يحتاجه المواطن الخليجي من منافع اقتصادية تكفى لسد إحتياجاته الحياتية الكاملة حتى عبرت هذه الدول هي وشعوبها على وفق هذا المفهوم إلى ضفة الأمان متجاوزة الازمات التي كانت تعصف بها بالرغم من وجود بعض الفوارق بين الأسر الحاكمة والمقربين منها وشرائح أخرى محدودة في المجتمع الخليجي .. إن هذه الفلسفة الاجتماعية بمختلف توجاهاتها السياسية والاقتصادية التي دعا لتطبيقها  الفيلسوف الإنكليزي جون لوك والمفكر جان جاك روسو في اوربا الممزقة ، تدخل ضمن حقوق الشعب الطبيعية بإعتبارة مصدر للسلطة ، وإذا ما تحققت هذه الفلسفة فعلا في العراق على غرار ما تحقق في اوربا والدول الخليجية ، يمكن معها تحقيق سيادة شعبية للحكومة باسم الإرادة العامة للشعب، غير أن واقع الحال في العراق لا يقترب كثيرا من واقع الحال في الدول الاوربية والخليجية التي تحولت إلى دول ذات ثقل إقتصادي كبير ووزن تجاري مهم وخزين ثقافي نوعي ، بعد أن إقتربت من شعوبها كثيرا ، وسعت بجدية لترسيخ التقارب معها على شكل تبادل منافع مشروعة تقضي بتوفير الامتيازات للشعب مقابل منح الشعب الموافقة السياسية بوجود من يمثله شعبيا سواء أكان هذا عن طريق الاقتراع أو الحكم الأسرى الشرفي المعول به الدول الخليجية وبعض الدول الاوربية .. وما يحدث في العراق يفوق كل التوقعات والتصورات ، فمن فردية حكم القطب الواحد الذي رزح له الشعب بجميع مكوناته التي ظلت صامتة ، لا حول لها ولا قوة ، على مدى سنوات طوال إلى تعددية القوى السياسية الحاكمة التي تجاوز عددها المئات من الاحزاب والتيارات والكتل والتجمعات بعد العام  ٢٠٠٣ ، لتحكم العراق بعملية سياسية ولدت اصلا مشوهة ، من دون أن تعير أي أهمية لحاجات ومتطلبات الشعب الحياتية وتحقيق نهضة عراقية زراعية وصناعية حقيقية ، وهي على هذا الوصف الكتلوي ظلت تتبادل السلطة لتحقيق منافع كتلوية أهدرت خلالها ما يقرب من الترليون و 373 مليار دولار اميركي بحسب تقديرات صادرة عن منظمة الشفافية الدولية .. وهذا ما دفع بالشعب لا سيما شريحة الشباب للقيام بتظاهرات واسعة للمطالبة بالحقوق المشروعة لكن هذه التظاهرات سرعانما إصطدمت بجدار الحكومات ، وهي التي مارست الحكم بعد أن صعدت على أكتاف مكونات الشعب المتعددة من دون أن تقدم للشعب ضمانات حقيقية لتلبية إحتياجاته الحياتية وتوفير الخدمات الضرورية له التي تشكل شريان الحياة والتحضر .. ومع كل ذلك يمكن العمل بتطبيق مفهوم العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب إذا ما أظهرت الاحزاب والتيارات والكتل والتجمعات السياسية رغبة حقيقية وجادة للمضي قُدما في هذا الاتجاه بالاستفادة من الخطى الاوربية والخليجية ، وعليها أن تعزز ذلك بعقد إجتماعي بين الدولة والمواطن يتضمن تحقيق كل ما يصبو إليه الشعب بضمانات حقيقية ، عندها ستكتسب الحكومة الموافقة السياسية بإطارها الشرعي، وحينها سيمكن للشعب الخروج من النفق المظلم الذي حفرته للشعب الاحزاب والتيارات والتجمعات الكتلوية على مدى السنوات الماضية من عمر الحكومات .. ويبقى السؤال القائم بحاجة إلى إجابة ، وهو، هل سيسعى هذا التجمع الكتلوي فعلا لأنقاذ العراق من الازمة السياسية الحالية وما يتبعها من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة بالاستفادة من مفهوم العقد الاجتماعي لإنتاج حكومة شعبية ، أم أنه سيظل يعيش دوامة الازمات في ظل وجود وإستمرار حكومات لا تكترث بالشعب وهو يحاول جاهدا للخروج من النفق المظلم؟ ..

المشـاهدات 633   تاريخ الإضافـة 25/01/2021   رقم المحتوى 9617
أضف تقييـم