النـص : هذا العنوان ضروري لنفهم ما يحدث للموظفين في العراق.. ليس من حقنا بالطبع أن نعمم أو نطلق أحكاما جزافية، كما أننا لا نقصد أى سوء لجهة بعينها، لكننا نتحدث عن آلاف المظالم الموثقة التى حاقت بالموظفين على مدى عقود. أولى وكبرى هذه المظالم نظام سلم الرواتب ، «الذى تعتبره الأغلبية من الموظفين نوعاً من العبودية»،.. فأنت تعمل بوظيفة مثلا لكن شخصا آخر يحصل على جزء من راتبك أو يفوقه - دون أن يعمل - مكافأة له على أنه فضائي أو صاحب حظوة عند مرؤسيه، بل إن هذا الكائن يمتلك حقوقا عليك ربما لا يمتلك مثلها على زوجته وأولاده.. فأنت لا تستطيع أن تطالب بجزء من حقوقك دون موافقته، وشكوى بسيطة منه قد تؤدى إلى طردك من عملك، وربما إلى إلقائك فى السجن.. ويكفى أن تبحث فى تقارير هيئات النزاهة او اية جهة رقابية أو فى أضابير بعض المؤسسات الحكومية تفزعك آلاف الحالات التى تم فيها نهب مستحقات الموظفين من علاوات مستحقة أو ترفيع أو مكافأة مالية كانت او تقديرية ككتاب شكر مثلاً، هذا الظلم البين لكثير من الموظفين فى العراق استمر لعقود للأسباب الآتية:أولاً: الفقر والبطالة فى العراق.. فالموظفين هم مستعدون غالبا لتحمل كل شىء حتى يوفروا قوت أولادهم.. في حين الفضائي يشترى جهد الآخرين، ولأنه يملك المال فهو يستطيع أن يغير بضاعته ببضاعة بأخرى كيفما يشاء . موظفون كثيرون يتعلقون بعملهم تعلق الغريق بالقشة، ويتحملون ظروفاً ظالمة لأنهم ليس لديهم اختيار آخر.ثانياً: كان النظام السابق نفسه يجحف حقوق الموظفين ويعتدى على حقوقهم، مما يجعل موقفهم غير منطقى ولا مقبول إذا تظاهروا بالحفاظ على حقوقهم الوظيفية فى دوائرهم .. ولأن التغيير بعد 2003 كان المطلوب منه تغييراً في فى الفكر والفعل، فهل يحق للموازنة الحالية أن تهين الموظف العراقي وهل يمكن للموازنة أن تصون كرامة الموظف .ثالثاً: القانون فى الموازنة غير مطابق لمعايير العدالة الوظيفية.. فالموظفين وبقية المواطنين أمام قانون الموازنة ليسوا سواسية وإنما درجات، كلٌ وفقا لتصنيفه ونفوذه وفي مدى قدرته الاعتبارية وثقله في الدولة وجهة انتسابه سواء كانت لإقليم أو هيئة مستقلة في مؤسسات الدولة المختلفة.. هذا المفهوم لقانون الموازنة الذى ينتمى إلى العصور الوسطى لا يجعل الموظف يحصل على أبسط حقوقه القانونية .رابعاً: بعد تراجع ازمة جائحة كورونا مطلع عام 2021 وتزايد أسعار النفط كان من المفترض ان يصنع من العراق قوة إقتصادية، ولكون الازدهار النفطى جاء بفضل الله ، لكن مال النفط الوفير تدفق الى أشكال أخرى لسنا بصدد تناولها في مقالنا.أن لكل درجة وظيفية استحقاقها الخاص والمخصصات المرصودة لهذه الدرجة، باعتبار انه استحقاق طبيعي وشعور الموظف بان الدولة لا تنكر جهد احد وأنها كفيله بإعطاء حقه كاملا على أساس ما قضاه من فترة زمنية بموجبها استحق الترفيع والتعديل وتحسين درجته الوظيفية واستحق تدرجاته حسب السياق المتبع.إن هناك العديد من الموظفين ممن مضى عليهم سنين طوال وهم مغبونون في ما يتقاضاه من راتب شهري بل ويستحقون ترفيع درجات مرت عليهم أزمان طوال وهم ما يزالون في استحقاق بعيد كل البعد عن الدرجة الصحيحة .المالية النيابية أوضحت أن موازنة 2021 تجحف حقوق الموظفين باستنزاف نصف رواتبهم، حيث أصبح الموظف يواجه أربعة ضغوط في الوقت ذاته، وهي زيادة صرف الدولار، ارتفاع أسعار البضائع، الاستقطاعات على الرواتب، وفرض الضرائب، فقد قامت الحكومة ولأول مرة بتخفيض المخصصات الحكومية للموظفين والتي هي حق مكتسب للموظف والتي تمثل العمود الفقري للراتب فالراتب الاسمي لايمثل شيء امام الغلاء المعيشي فقد قلصت مخصصات الشهادة الى ٥٠% مثلا ومخصصات الخطورة والخدمة الجامعية وغيرها مما سيولد ازمات يعجز الموظف مواجهتها و تفاقم أعباء الموظف تنعكس على مقدرته الشرائية وعلى ركود الأسواق بشكل عام .ان تضرر الموظف من القرارات الحكومية الأخيرة وصلت إلى 50% من راتبه، فضلاً عن فرض ضرائب دخل، وهو أمرا غير معمول به لان الموظفين هم من ينتجون الدخل في دولة ريعية فكيف تفرض على من ينتج الدخل ضريبة عن إنتاجه للدخل ؟؟ فضلاً عن أوامر إيقاف العلاوة السنوية رغم ضألتها، في العلاوة السنوية للموظف التي يحصل عليها سنوياً تبلغ 3000 دينار شهريا للموظفين في الدرجات العاشرة والتاسعة والثامنة و6000 دينار شهريا للموظفين في الدرجات السابعة والسادسة والخامسة و8000 دينار للموظف في الدرجة الرابعة و10000 دينار للموظف في الدرجة الثالثة و 17000 دينار للموظف في الدرجة الثانية و20000 دينار للموظف في الدرجة الأولى، فضلاً عن انه يتقاطع مع قانون سلم رواتب الموظفين رقم 22 لسنة 2008 الذي حدد أسس استحقاق وصرف العلاوات والترفيعات للموظفين وقانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل الذي حدد حقوق وواجبات الموظف ومنها حقه في العلاوة والترفيعات عند استيفائه لشروط منحها واستحقاقها وصرفها، وهكذا يتضح لنا الأهمية والخطورة الكبيرتين لهذا الإجحاف لكونه يتعلق بضياع حقوق مالية وادارية وغيرها، في الوقت الذي تجاهلت وزارة المالية عن إعطاء حقوق الموظفين الذين حصلوا على الترفيع بأثر رجعي كحق مشروع وحالة طبيعية، وهذا سوف يلقي بأثره المباشر على الوضع الاقتصادي بشكل عام.علما إن الجميع يعلم الغلاء المعيشي الذي يفرض نفسه على الواقع الاجتماعي وتقلبات أسعار السوق المحلية على الرغم اننا نقدر ونتفهم الوضع العام للدولة والتزاماتها مديونياتها.بمعنى أن الدولة ستكون غير بعيدة عن الوضع العام الوظيفي والاقتصادي والمعيشي للمواطن مما سيجعل الموظف يخلص ويحرص أكثر مما هو معتاد من اجل خدمة العراق يذكر أن موازنة 2019 والتي أقرت واعتمدت كواحدة من أكبر ميزانيات الإنفاق في العراق على الإطلاق حيث بلغت 133 تريليون دينار عراقي، لكن العام 2021 تجاوزها، مع 150 تريليون دينار عراقي في الإنفاق المتوقع.والتي بموجبها سيتم تقليص رواتب موظفي القطاع العام من الدرجات الأولى والثانية والثالثة من خلال شمولهم بضريبة الدخل التصاعدية بنسبة 15 في المائة للموظفين من الدرجة المتوسطة والعليا، بما يعادل 15% من مجموع مدخولاتهم، يعد إجحافا كبيرا، كان من المفترض أن تكون تلك الإجراءات موجهة حصراً للدرجات الخاصة الذين يتقاضون رواتب وامتيازات تفوق بشكل كبير ما تتقاضاه تلك الدرجات، ولماذا يتم استهداف هذه الشريحة بشمولهم بضريبة الدخل رغم أنهم مشمولين بهذه الضريبة بالأساس واعتبارا من 1/1 / 2014 بموجب كتاب الهيئة العامة للضرائب بالعدد 8 / 1158 في 14 / 4 / 2015 بشكل يجعل رواتبهم اقل من شاغلي الدرجة الرابعة ، وهم بالاصل اكتسبوا تلك الدراجات من خلال التشريعات المعمول بها قانوناً والتي طبقت ولم يتوارثوها بدون استحقاق، وكأنهم ارتكبوا جنحة مخلة بالشرف او بالوطن!! لكونهم تحصلوا درجاتهم وفق التدرج الوظيفي والحصول على الشهادات العليا، علماً أن هناك أبواب الصرف التي يمكن تخفيضها أو إلغائها بدلا من استهدافهم بهذه الطريقة المهينة التي لا تخلو من الاجحاف، وان تلك النسب من الاستقطاعات لم تعلن عنها الدولة ضمن حزمة الاصلاحات وانما جاءت تستقطع من دون الاعلان عنها، وقد يسبب ذلك حرجا ويؤثر على المستوى المعيشي للموظف خاصة ان هناك ارتفاعاً مستمراً البضائع والمحروقات وبدل الايجار والخدمات التي تقدمها الدولة وشركات الهاتف النقال التي رفعت من أسعار كارتات الشحن بحجة فرض ضرائب جديدة عليها.فضلاً عن تخفيض قيمة العملة الرسمية من 1190 دينارا عراقيا في مقابل الدولار الأميركي إلى 1450 دينار، وهي أول إجراء من هذا النوع منذ نصف عقد.مع تلميح مسؤولون حكوميون إلى احتمال حدوث تخفيض كبير آخر في قيمة العملة العام المقبل ليصل سعر الصرف إلى 1600 دينار عراقي لكل دولار، بعد ضغوط من صندوق النقد الدولي.من كل ما ذكر يكون لسان حال كافة الموظفين في القطاع العام الحكومي أن أعيدوا النظر في في استقاطعتكم المزعومة وضرائبكم الموعودة تجاه الرواتب في مسودة موازنتها التي سلقت سلقا لتخرج نظاما غير ناضج اضرب الموظف والمتقاعد ومتناقض حتى في مواده التشريعية .بدليل أنها تتنافى مع أبسط قواعد القوانين التي تطرقنا اليها، فاذا كانت الحكومة جادة في وضع ميزانيه منطقية وجيدة فعليها اولا تخفيض مخصصات الرئاسات الثلاث والمنافع الاجتماعية وتقليص كافة الهياكل الزائدة في الدولة العراقية والتي تمثل ٢٥ % من قيمة الموازنة العراقية . وترتيباً على ما تقدم، كلنا نعلم ان المسؤولية الواقعة لأغلب الموظفين تشكل حمل ثقيل لارتفاع مستوى العائلة لديهم لأسباب كثيرة منها ان تطلعات ومطالب عوائلهم تفوق اضعاف الامكانات ونعلم ان المسؤولية العامة مجلبة للهم والتوتر العصبي والنقد سيما في زمن الصعب وعدم استقرار القوانين والانظمة والتعليمات، فقد أصبحت الدعوة الى تعزيز دور الرقابة البرلمانية على اداء الحكومة المالي احد الثوابت في خطاب البرلمان والبرلمانيين وحتى والاعلام كون ان النار لاتكوي الا يد الموظفين الذين تأثروا بطرح الموازنة واحسوا بطعم الظلم فانتفضوا مطالبين بالتريث بتطبيقه وإعادة النظر بالمواد الصادرة فيها، خصوصاً بعد صدور رسمية تشير الى ارتفاع معدل الفقر إلى 40 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة، فضلاً عن ما سينعكس عن سياسة التقشف في موازنة 2021 والتي ظهرت بشكل واضح ومباشر على الإنماء والتنمية المتوازنة في مختلف مناطق البلاد وهذا هو أخطر مؤشر في الموازنة .وأخيراً إن من بين أهم واجبات الدولة الارتقاء بمستوى الرواتب والحوافز والمكافآت والعلاوات السنوية للموظفين وفق أسس وضوابط محددة, بحيث يكون الراتب كافٍ للوفاء بالحاجات الضرورية المعيشية والذي هو ليس ضرورة فقط, بل هو مطلب إنساني لتوفير الطمأنينة والاستقرار للموظف بحيث يستطيع الموظف تحقيق العيش الكريم والمحافظة على هيبته وهيبة الوظيفة التي يشغلها للقيام بواجباته الوظيفية بدقة وإتقان، فضلاً عن فاعليته وتأثيره على الإصلاح الإداري والاجتماعي والاقتصادي، بالقضاء على اجحاف مستحقات الموظفين وتطبيق قاعدة الثواب والعقاب .
|