الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 18.95 مئويـة
قراءة نقدية في رواية النساي ليوسف المحسن النسّاي : غرائبية يوميّات مرئيّة ومهمَلة بقالب سردي مغاير
قراءة نقدية في رواية النساي ليوسف المحسن النسّاي : غرائبية يوميّات مرئيّة ومهمَلة بقالب سردي مغاير
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

نجم الجابري

اوّلا :

  عن دار سطور في بغداد صدرت للكاتب يوسف المحسن روايته الجديدة النسّاي ب 285 صفحة من النوع المتوسط

الاهداء :

      بعيدا عن قياسات الزمن ومقاساته جاء الاهداء فلسفيا مباغتا

اما لوحة الغلاف ففيها بالونات عديدة اللوحة مبتسمة لغد اخر فيما حلّقت الطيور بل استقرّت في رأس البطل.

ثانياً:

   مثل حصانٍ متحفـّز روّضني يوسف المحسن لهبوباته الحارقة من غفوة الضياع ،  بحثت عن ملاذي في روايته الشاسعة وتماسكت بلجام حروفه وجمالها فكان دليلي المجهول وطيري النهاري بديعاً مثل حكاية عشق رواية النسّاي كأفق مفتوح بحاجة لأذن صاغية وعين ثاقبة تُحصي ضجيج القرى التي تحوّلت الى مدينة ضائعة وتحصي الصحراء اللصيقة بكسل المدن والمرائي المهمّشة.

   ابطال طفيليون يعيشون التخمين والتخيّل والافكار على رمل الشواطئ ويردّدون اهازيج الساقية وينسلّون بغوصهم في عادتهم السرّيّة ، يتناسلون كعيون عابرة سبحت في البؤر القصيـّة ، تبدو بدوية الملامح رغم شفافيتها اللغويّة منسجمة مع تأوِّهات نون حاء وجنّـة ، متصالحة مع الفطرة الغامرة في وضح النهار.

    ابطالها الرئيسيون متخيَّـلون انساهم النسّاي انّهم ابطال فتوجسوا على حائط الموتى حائط الحرب والحصار الذي يلعبان دوراً هامّاً في كلّ حوارات جنّـة وظلمتها الحالكة ، رؤيتها لأشياء مثقوبة مثل لوحة تجريد ترسم تنقّـلات التخيّـلات لمربع الصورة القصي الحسي والمحسوس منها ، لا شيء غير رؤية لمدن الضوء من كوّة واحدة .

   اشتغال المحسن بالصحافة مكّنه من امتلاك ادوات القص وصَقَـلت موهبته الفنّـيّة كتابة السيناريوهات التي اشتغل فيها وحصل على جوائز مهمة .

   ققص النسّاي القصيرة المتداخلة اشبه بالخيالات و الاحلام وهي تتكلم عن اجيال عديدة وغرائبيّـه فريدة بأسلوبه المميز، كتب الرواية بلغة شعريـّة شفيفة ،إنَّ تلميحات المحسن عن النسّاي بين حائط الموت وتخيلات جنة وخيول نون حاء تجعلنا نخمّـن القرية التي تحدث فيها قصص المحسن ..هل هي مسقط رأسه شرقاً ام هي حكايات البحر التي ذكرها ماركيز في قصصه ربّـما هي قرية في مخيلة المحسن لكنّها بلا شك في عالم يؤمن بالتخيلات والاساطير رغم كل مرجعيات بطلها الثقافيّة لفلاسفة المان وغيرهم.

   تتشابك احداث الرواية بل قصصها القصيرة وتربك المتلقي في بداية حواراته المدورة والمفتوحة فنهاياتها بدايتهما والعكس صحيح.

  تستمر احداث الرواية بعذوبتها كلّما تقدّم المتلقّي في الرواية، فالحكاية جميلة حديث عن الاجساد البعثة والغرائبية التي امتلكها في حواراته ترسم ملامح واقع المدينة التي كانت قرية مليئة بالغرائب المحضة.

مزجت الرواية بين الواقع والخيال ، ولأنها في كل زمان وفي كل مكان فهي عالم متداخل من الكوابيس بقدر ماهي حالة فلسفية يقدمها المحسن لشخصيات ابطاله ونظرتهم للموت والحياة معا، ورغم اننا نتعامل مع حوارات اشبه بالسراب جيت ينقلنا المؤلف من مشهد الى اخر معاكس بعيد عن الواقع في منتصف الرواية تضيع البوصلة ولا يمكنك ان تميز هذا الدمج بين الواقع والخيال في اللامكان واللازمان .

   احداث مكثـّـفة من زوايا مختلفة حوارات ابطاله المشاكسون غير المنتهية بحيث تدرك انك امام شيء عجيب فيه تفاصيل مخفيّة ظاهرة لا يدلُّ على باطنه ، في رقعة جغرافية واحدة تدور الاحداث لكنّ المؤلّف يحلّـق بفكر المتلقي بعيداً عن عصره ومكانه ويقدم المؤلف سنوات عديدة من الحرب والاسر والموت المجان في مشاهد تعلق في ذهن القارئ.

   إنَّ تفاصيل كل ابطال الرواية تعتمد على دقّة التعبير الذي رسمه لهم المحسن والحيز الذي يتفاعلون فيه لكنه قـدّم فكرة الانساني ونظرته الفلسفية على لسان بطلته جنة و نون حاء .

   يعتمد البناء السردي للرواية على الملاذ وعلى استنطاق الابطال من حيوانات واعشاب وبشر ، حقائق صادمة  وردت في البناء السردي وتغيير مفاجئ في التقديم بواقعية ، رواية تّعَدُّ من ادب الواقعية السحرية كما يسميها النقّـاد الغربيّون ، لقد اخفى المؤلّـف انفعالاته واخطاره وقدّمها برؤية خياليّة عجائبيّـة شرح فيها ظروف القرية التي هي بلدة بعد الحرب.

    لقد اذهلني المحسن وهو يقدّم للمتلقّي اشياء واقعية مما يزيد من جماليّة السرد ويشغل ويقرِّب عقل المتلقّـي للاستمرار في هذا النمو ، يمكنني ان اقول ان رواية النسّاي من اعمال الفنتازيا المُحبّـبة .

    شخصيات ابطال الرواية تّـتسم بالانعزاليّـة والاغتراب ويمارسون اعمالا غريبة مثل الوقوف على حائط الموتى.

   تزدحم الرواية بتفاصيل غريبة مثل ابطال لعبوا دورا في الرواية.

ابطال القصة وبيئتهم:

    لم يلتزم بوقت محدد ومنتظم لتسلسل الاحداث في روايته بل جعل حركة الاحداث تتكرر لكتابة لسرد بإسلوب الحوار المدوّر داخل حلقة يجمع بين الاضداد في الزمكان رغم ان الروائي نفسه مثل زمنا يتحدّث عن النـسّاي الذي هو ظرف ايضا حصل للقرية .

   كما نجح الكاتب في رسم ملامح المدينة التي كانت قرية وجمع فيها كل التضاريس والجغرافية وتمكن من دمج الامكنة في بوتقة تفاعل ابطاله بحيث يظهر للمتلقي ان الاماكن الخيالية في الواقع هي حقيقة مسترة في رؤية الكاتب والمتلقي معا.

السرد:

  استخدم الكاتب اسلوب السرد المباشر في معظم اجزاء الرواية لكنّه لم يترك ابطاله في حواراتهم القصيرة مما يعني انه مسك لجام الحوار منذ البداية.

   تعد الرواية من روايات اللازمكانيّة رغم انّها تجمع بين الرواية الكلاسيكيّـة وكتب التوثيق، فالكاتب اراد ان يوثـّق ويفسّر التاريخ لقريته او بلده ولو تلميحاً او يتعدّى الى كل منطقة في العالم عاشت ظروف مماثلة .

    اعتمد الكاتب في تداخله السردي على لغة ناضجة ناهضه مدركا خطورة ان ينقل المتلقي من الخيال الى خيال اخر واقعي وبذكاء اقحم مرجعيته وثقافته الحاضرة في السرد.

الراوي العليم جدار الموتى نهايات متداولة وهروبات متكررة:

   ولعل الراوي العليم الذي هو السارد هو من يستنطق الحيوانات والمخلوقات الاحياء والاموات ، ذلك يعني ان المبدع اراد ان يكوّن بانوراما عن طبيعة المخلوقات وفطرتها ، النسّاي الوباء لم يقضي على فطرتها بل استنطقها ، امّا السلوكيـّات فهي مـنْ تتغير في رؤية فلسفيـّة لدستوبيا  المدينة التي كانت قرية ، ولعل النسّاي هو انسلاخ عن تقاليد والذهاب نحو التقليد.

ارهاصات ثمة شيء ما يوقظ السكون المتدني :

     توصيفات غربية لموجودات شرقية كعصا الاوكسترا وقطة السافانا وكلبته الرودفايلر

ملاحظة:

في الثلث الاخير من الرواية لم يعد للنسّاي موضع واستمر السارد بنقل الحكايات الوليدة واستنطق كل ما تبقّى من مخلوقاته ، فيما قدمت الرواية حكايات من المنزوي والمسكوت عنه بلباس اسطوري وسكلوبيديا استندت الى رسم سلوك الكائنات الحيّة والنباتات لبناء سقف البناء السردي .

الخاتمة:

 النساي قصّة عشق وولادات متفردة و (دستوبيا) . الاعتزال او الانعزال والاغتراب ..اغتراب موضوعي بل مادي وروحي ، مغامرات واستكشافات واستنطاق متبادل.. نص يحتاج النخب او النخب بحاجة اليه كونه يعاكس تنبؤات المتلقّي فلا زمان ولا مكان ، حوارات بين الملموس والمستشعر بين الحياة والموت.. رحلة النسّاي استغرقت اسبوعاً بوعي لاكتشف مواضع اللذّة في طياته . رغم غرائبها وانسلاخاتها المختلفة بين الحلم والكابوس رسمت حدود الرواية، اما ابطالها الثانويون فكانوا يجارون الابطال الرئيسين ..

  رواية النسّاي تحصد الف عام من العذاب وترسم بخطوط واضحة صوراً عديدة عند كل قارئ. عمل ضخم ونصٌّ يستحقُّ المطاردة ..... لقد قدّم المحسن عملاً هائلاً لا يمكن ان تسبر اغواره المزاجات بل الناقد الحصيف.

المشـاهدات 1035   تاريخ الإضافـة 20/02/2021   رقم المحتوى 9872
أضف تقييـم