السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 36.95 مئويـة
لماذ تراجع دور الدين في الشرق الاوسط
لماذ تراجع دور الدين في الشرق الاوسط
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علاء الخطيب
النـص :

يشكل الدين عنصراً اساسياً في السلوك الأجتماعي والثقافة العامة ،كما في  العادات والتقاليد في منطقة الشرق الأوسط , فهو موضوع شديد الحساسية .فالمنظومة القيمية  التي يعتمد عليها سكان الشرق الاوسط  تسند بشكل مباشر على القواعد الدينية، هذه المنظومة  التي يحرم الاقتراب منها  او المساس بها او مناقشتها ، فهي الارض الحرام التي لا يجوز الولوج لها أو الاعتراض على قواعدها وضوابطها.كان ذلك قبل دخول الاسلاميين الى عالم السياسة  , وقبل ظهور الحركات الاسلامية المؤدلجة . لكن الحال تبدل شيئاً فشيئاً ، فقد بدا ديالكتيك الفيلسوف الالماني هيجل بشكل واضح وسريع اذ حملت هذه الحركات بذور فناءها وسرعان ما ظهرت عورات الاسلاميين تتجلى بنصاعة، مما أدى الى بروز ثقافة الجرأة  والرفض لتعاليم رجال الدين، كما ظهرت حركات الحادية علنية في كثير من الدول الاسلامية، ويرى المراقبون ان الاسباب الكامنة وراء هذا التراجع لدور الدين في الحياة العامة,وابتعاد الشباب عن الثقافة الدينية ،  هو عدم قدرة المؤسسات الدينية على تلبية مطالب الاصلاح في المجتمعات الاسلامية .فقد اوضحت  دراسة شملت كل من ايران والاردن والسعودية ولبنان ، بأن انحسار دور الدين  يكمن في المأسسة الرسمية  للدين أي  ان المؤسسات الدينية  اللاهوتية تحولت الى مؤسسات حكومية رسمية  تابعة للدولة , فهي تلعب دوراً كبيراً في صناعة السلوك العام  والاعراف الاجتماعية،   المفروضة أحياناً بالقوة , مثل فرض الصلاة ومحاسبة المجاهرين بالافطار في رمضان ، وفرض الحجاب ، والقصاص ، والجلد , وفرض المناهج التعليمية , والبرامج الاعلامية وغيرها .وكان السؤال الاكثر اثارة ،   الذي  طُرح على الشباب حول الايمان واللاإيمان في  دول ثيوقراطية او شبه ثيوقراطية هو   :هل تؤمن بالدين أم لا ؟ فكانت النتائج مفاجئة , اذا ان الفئة العمرية من 40-50 سنة هم الاكثر تشبعاً بالافكار العلمانية ولديهم ايمان ضعيف يخالطه الشك في كثير من  الامور ، كما لديهم تساؤلات وجودية مقلقة، لكنهم يدعون الى إصلاح  المؤسسة الدينية لتواكب التطورات . وهذا يعني ان هناك بقايا ايمان ربما يكون وراثياً او نتيجة البيئة التي عاشت فيها هذه الفئة ، او لقناعاتهم  بضرورة وجود الحالة الروحية. بينما الفئة العمرية من 20- 40  هم الاكثر علمانية وتغلب عليهم اللاأدرية, كما يعتبرون وجود الدين غير ضروري ، مادام هناك عقل يميز بين الصح والخطأ .  ويوضح البعض من شملهم الاستطلاع ان الدين هو حالة وراثية ، مصدرها الخوف من المجهول ، ويتابعون بالقول ان الخوف من المجهول حالة مرضية، فكل المخلوقات لديها دورة حياة وتنتهي وهي سنة الحياة ، فلماذا نخاف إذا كنا صالحين؟ يقول عبد الرحمن وهورجل في الثانية والاربعين  من السعودية "لماذا نخاف  والله هو كما يصفوه غفور رحيم "؟ فالله ليس شرطيا كي يتسقط عثراتنا ويبحث عن نقاط ضعفنا. ويتسائل لماذا ينصب رجال الدين انفسهم محامين عن الله،  والقران يقول " ونحن اقرب اليه من حبل الوريد" ويقول شاب من ايران أن الايمان هو علاقة  روحية متسامية وهي حب وسلام داخلي , علاوة على انها علاقة عمودية , فلماذا نجعلها علاقة افقية تتحكم بها المؤسسات ورجال الدين .  وقد سجل الاستطلاع الذي  أجري على 25 ألف شخص  في لبنان، بواسطة ”الباروميتر العربي" وهي واحدة من أكبر شبكات إجراء الاستطلاعات بالمنطقة بالتعاون بين جامعتي برينستون وميتشغان، تمّ التوصل من خلاله لنتيجة مفادها أن ”التدين الفردي انخفض بحوالي 43 ٪ خلال العقد الماضي، بما يشير إلى أن أقل من ربع السكان يعرِّفون أنفسهم الآن بأنهم متدينون". وقالت شابة لبنانية من اسرة متدينة  ، أن أسرتها تهددها باستمرار في حالة تخليها عن الحجاب ”بأنها ستحترق في الجحيم". وتتابع الشابه اللبنانية التي تبلغ من العمر 27 عاما   بعد سنوات، التحقت  بالجامعة حيث قابلت مجموعة زملاء ملحدين وتحدثت اليهم : و ”تدريجيا أصبحت مقتنعة بمعتقداتهم وقررت يوما قبل الذهاب للجامعة خلع الحجاب وترك المنزل". وتضيف: ”أصعب جزء كان مواجهة عائلتي، ولكن بداخلي كنت أشعر بالخجل لتخيب ظن والدي". تجدر الإشارة إلى أنه في لبنان من شبه المستحيل ألا تكون مرتبطا رسميا بدين ما، إذ أن السجل المدني هناك يذكر طائفة كل مواطن لبناني في بطاقة الهوية. ولا يوجد ضمن الـ 18 خيار من الاختيارت   حقل بلا ديانة وفي ايران البلد التي تحكمه حكومة اسلامية وتعتمد في قوانينها على الشريعة كان الاستطلاع مثيراً ، إذ شمل الاستطلاع 40 الف ايراني من الجنسين من بينهم طلاب واكاديميين واساتذة ومهندسين واطباء من مختلف الاعمار. يقول استاذ جامعي عمره 45 عام  ان التحولات التي يمر بها المجتمع الايراني كبيرة  ومذهلة، فهناك زيادة في معدلات التعليم الجامعي ، بالاضافة الى عملية التمدن الملفته والتغييرات الاقتصادية المؤثرة على  البناء التقليدي للاسرة  ودخول التكنولوجيا ، وانفتاح العالم على بعضه البعض أثر كثيراً في تبدل نمطية التفكير لدى الشباب الايراني ، رغم وجود حكومة دينية . ويقول الاستطلاع   وبالرغم من تصنيف 99.5 %من إجمالي السكان في إيران كأغلبية شيعية، ظهر  .. أن 78 % فقط من المشاركين ي الاستطلاع  يؤمنون بوجود الله وأن 32 % منهم فقط يعرّفون أنفسهم كمسلمين شيعة. كما عرّف 9%من المستطلعة آرائهم بأنفسهم كملحدين، و8 بالمئة كمنتمين للديانة الزراديشتية، و7 بالمئة كروحانيين، و6 بالمئة كمحايدين دينيا، و 5 بالمئة كمسلمين سنة، وأخيرا 22 بالمئة عرّفوا أنفسهم ضمن مجموعات دينية أخرى، وفقا لنتائج الاستطلاع. لكن ما يلفت النظر في الاستطلاع هو رفض السكان للمؤسسات الدينية رغما عن إيمان الأغلبية بوجود الله". وهذا يعني ان هناك ضعف في التدين وليس في الايمان وتحدثت سيدة كويتية مقيمة في السعودية  عن تقلص المساحة الدينية وتراجع دو الدين في دول الخليج وتقول: ". منذ ما يقرب عن عشرين عاما كان الاختلاف  او الاعتراض مخيفاً وهو من المحذورات ، بينما اليوم يمكنك الشعور بالاختلاف في توجهات الناس نحو الإسلام في كل مكان، على حد تعبيرها. وتقول: ”رفض الخضوع للإسلام كنظام لا يعني رفض الإسلام كدين او كحالة روحية ". تراجع الدين؟ وقام عالم الاجتماع واستاذ العلوم السياسية الفخري بجامعة ميتشغان الأمريكية، ومؤلف كتاب ”تراجع الدين المفاجئ"، رونالد إنغليهارت بتحليل استطلاعات للرأي مشابهة في أكثر من مئة دولة حول العالم، أجريت ما بين عام 1981 و2020، فخلص إلى أن التحول السريع نحو العلمانية ليس حكراً على الشرق الأوسط ، بل هو نتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي والمادي بشكل عام ، وقد تلمسناه  بالدرجة الاولى  في الدول الغربية . بينما يقول باحث  اكاديمي عراقي : ”الزيادة في من لا يعرّف نفسه ضمن دين معيّن لوحظ في الأغلبية المسلمة بدول مختلفة  كالعراق وتونس والمغرب" وهنا لابد لنا ان  نطرح تساؤلاً مهما ً: هل تراجع  دور الدين  كحالة ايمانية ام كنظام  حكم , مايراه الباحثون ان الايمان كحالة روحية هي خصوصية فردية ، بينما الدين كنظام هو حالة عامة تشمل الجميع ، من هنا يبدو الامر معقداً ، فكلما زاد تمييز الناس بين الدين كإيمان والدين كنظام، ارتفعت دعوات المطالبة بالإصلاح وتراجع دور الدين في المجتمع وهو انعكاس طبيعي وردة فعل لفعل قسري .. يرى الباحث بكلية الدراسات الدولية بجامعة  نانيانغ في سنغافورة جيمس دورسي ان الخلط بين مفهوم الايمان والدين هو ما افضى الى هذا الاشكال ولعل التنافس في قيادة العالم الاسلامي بين ايران والسعودية وتركيا والامارات ، واستخدام الدين كوسيلة لترويج الافكار  السلطوية أحدث هزات عنيفة في موقع الدين ، ولعل التنافس بين القوى المتصارعة على قيادة العالم الإسلامي باستخدام الدين كقوة ناعمة أدى الى نزوع كبير نحو العلمانية ولعل المثال الاوضح قد  حصل في النزاع الذي وقع في اقليم ناغورني كرباخ إذ دعمت ايران ارمينيا المسيحية بينما دعمت تركيا اذربيجان المسلمة, وكمثال اخر في الخلط بين المفهوين  " الدين والايمان" الذين أديا الى زعزعة الحالة الدينية في الشرق الاوسط  عند الناس هو الاختلاف في  الثوابت وتطويعها حسب الرغبة ". فمثلاً رفعت الإمارات الحظر عن استهلاك الكحول والسماح لعلاقة في منزل واحد خارج إطار الزواج، بينما  اعتبرت السعودية الإيمان بأفكار ملحدة شكلا من أشكال ”الإرهاب".  من هنا   طرح البعض  من المعترضين على استخدام رجال الدين للمقدس اسئلة  وبقيت دون اجابة مع اتهام اصاحبها بالردة والكفر، بينما تلقفها الشباب عبر مواقع التواصل واصبحت حديث الشارع الاسلامي وولدت افكار  نوقشت بشكل علني عبر وسائل اعلام عالمية . وكان التساؤل الاكثر انتشاراً هو: لماذا لا يلبي الدين متطلبات الحياة المادية ، ولماذا يتم التركيز على الروح دون الجسد وعلى الغيب  دون الحضور .هذه الدراسة لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة وسيستمر السؤال ما دام  النموذج الي يُقدم  غير قادر على تلبية حاجة الناس في العيش الكريم . وسيبقى الخلط بين الايمان والدين مادام هناك رجال ومؤسسات تعتاش على الدين كمحرك فاعل لهم، لكنه سيؤدي بالنتيجة الى تراجع دور الدين في المجتمع .

المشـاهدات 497   تاريخ الإضافـة 28/02/2021   رقم المحتوى 9971
أضف تقييـم