إطلالة الكرة الأرضية تحت سطوة الأقدام |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : عبد الكريم جابر السياب خرجت كرة القدم عن نطاقها الضيّق كلعبة مثيرة الى حد الجنون، شعبية الى حد الهوس العالمي، وأصبحت نشاطاً اقتصادياً له رجاله، وثقافة لها أهلها وفرسانها، لها مفرداتها ولغة في إطار أدبيات كروية تتجاوز أخبار اللاعبين ووصف المباريات الى فلسفة اللعبة، وأضحت ظاهرة اجتماعية حقيقية ثابتة المعالم، وعضواً ثقافياً في سلك المجتمع. إن ثقافة كرة القدم هي ثقافة تدرك نفسها كمرجع نهائي ، وكان المشجعون يعرفون هذه الحقيقة، لكن هذه المعرفة صارت الآن شائعة في إيقاع زمن لاهث لا يعرف فيه الناس ما قد يفعلون غير متابعة الحدث عبر شاشات التلفاز ووسائل الإعلام. وهذه الثقافة لو قارناها بثقافة الفكر لوجدنا الأخيرة يكاد توهجها يخبو في هذا العصر أزاء بريق كرة القدم الذي أعمى الأبصار، فالزمن الذي كان فيه الفكر هادياً للبشرية يبدو انه قد ولىّ، انه زمن الإنحدار الرديء واختلاف القيم ، ورحم الله الكاتب توفيق الحكيم، فهو لم يدرك ارتفاع أجور اللاعبين الى سقف لم يكن أحد يتخيله، فقد قال في مطلع الثمانينيّات من القرن الماضي: " كان أملي أن يُعطى للعقل إهتمام مماثل للإهتمام بالقدم، والا ما شاهدنا كرة القدم تحتل هذه المساحة الزمنية الكبيرة في التلفاز، فقد أصبح اللاعب يعيش حياة لا يعيشها أكبر كاتب، وتتدفق عليه الأموال لمجرد انه أدخل الكرة في الشباك، ويبدو اننا في زمن كرة القدم وليس الفكر". ومما يؤكد قوله، ما صرح به الشاعر فاروق جويدة في لقاء صحفي من موقف حدث له مع توفيق الحكيم إذ يقول :" كنت بصحبة كاتبنا الكبير توفيق الحكيم هابطين في المصعد من مبنى مؤسسة الأهرام وكان معنا واحد من نجوم كرة القدم في مصر، وحين نزلنا الى الشارع تجمع المارة بالعشرات أمام المبنى، وألتفوا حول لاعب الكرة بينما لم يلتفت أحد الى توفيق الحكيم، وبدأت دوائر الناس تتسع حول اللاعب الشهير، وإنسحبت مع كاتبنا الكبير لكي نستقل السيارة معاً ونمضي، نظر الحكيم الى الحشود التي أحاطت باللاعب وقال :" ألم أقل لك ان هذا زمن الأقدام وليس الأقلام". وبالتأكيد مثل هذا الموقف يحدث في العراق، حيث لاعبونا يستحوذون على الشهرة والمال أكثر من المفكرين والأدباء الذي يعيش معظمهم حياة بسيطة. وفي الوقت الذي كان فيه العالم منهمكاً بمتابعة مباريات كأس العالم 1986 ومبهوراً بسحر قدمي مارادونا، كان الكاتب الأرجنتيني الشهير خورخي بورخس يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو الذي أُطلق عليه لقب( صاحب أثمن رأس في الأرجنتين )، ولكن هذا الرأس الثمين المتوقد نبوغاً ومعرفة تلاشى بكل هدوء وصمت لدرجة أن أحداً بإستثناء زوجته لم يلحظ وفاته، وعندما وصل النعي الى مسقط رأسه في بوينس آيرس كان الجميع منشغلين بقدم مواطنهم مارادونا الذي قاد بلاده للفوز في المونديال العالمي، في حين كان بورخس يعاني من الفاقة والنكران من قِبل مواطنيه. وفي ظل العولمة والإحتراف، تصبح الكرة الأرضية كلها لعبة بين الأقدام، تفرض كلمتها على الكل ، وفي مقدمة هؤلاء أصحاب الأقلام أنفسهم الذين تأثروا باللعبة بإرادتهم الحرة ، أو بالقوة المضيئة الهائلة بفعل المال والجاه. وها هي كرة القدم اليوم، كما ترى امبراطورية كبرى تتصارع فيها الشركات العملاقة متعددة الجنسيات حتى تحولت البطولات العالمية الى بازار اقتصادي ومالي وتجاري ضخم، تشارك فيه كبرى مؤسسات العطور ومواد التجميل والأجهزة الألكترونية وغيرها، وكلها تدفع المليارات لكي تصل الى ملايين البشر الذين يتابعون تلك البطولات، حيث تفرض هذه الشركات ثقافتها وتغزو العقل سلعتها. |
المشـاهدات 636 تاريخ الإضافـة 04/04/2021 رقم المحتوى 10448 |
اعتقال شخصين بتهمة المتاجرة بالاعضاء البشرية في الحلة الاطاحة بشبكة تفرض اتاوات تحت التهديد في ميسان |
مدربونا بين سطوة الابعاد ونار الانتقادات |
سيناريوهات تأهل المنتخب الأولمبي العراقي إلى ربع نهائي كأس آسيا تحت 23 عاماً في قطر. |
الاقتصاد الوطني تحت الانظار |
وزير العدل: ملف التشريعات أحد أولويات البرنامج الحكومي بمشاركة عربية …بغداد تحتضن أعمال المؤتمر الدولي السابع لاتحاد الحقوقيين العرب |