الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 36.95 مئويـة
أحلام الأصابع قراءة في مجموعة(احتفاء بصباحات شاغرة) للشاعر طلال الغوّار
أحلام الأصابع قراءة في مجموعة(احتفاء بصباحات شاغرة) للشاعر طلال الغوّار
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. فيس كاظم الجنابي
النـص :

-1-

 يستهل الشاعر طلال الغوار مجموعته الشعرية (احتفاء بصباحات شاغرة) الصادرة سنة 2017م، بنص هو عبارة عن ومضة شعرية تعمل على اسباغ صورتها على معظم القصائد التي تضمها المجموعة؛ وهو ما يمكن أن نسنيه بالنص المضيء؛ اذ يقول::

واهمون

أولئك الذي ينحتون

ليستأثروا بالأعالي

حتى تحوّلت أحلامهم

الى زواحف

....................[ص5/ دار أمل الجديدة ، ط2، دمشق 2017م]

هذه الومضة تحيلنا مباشرة أو غير مباشرة الى علاقة الأحلام بالإنسان ، أو بتكوينه السلوكي ،والأحلام هنا هي التي تحليه الى المستقبل، ثم تلا ذلك بقصيدة عنوانها( بغداد)، لكنه نسي أنّ له قصيدة أخرى عنوانها( بغداد)أيضاً جاءت بمثابة أيقونة لأفكاره الرئيسة في هذه المجموعة.

لقد اقترنت ( بغداد) في قصيدته الأولى بالرؤية البصرية/ الصورة المرئية، وهي حالة اعتيادية يمكن أن يتصورها أي انسان ؛ بينما اقترنت ( بغداد) ثانية بالأصابع، لهذا قال::

لماذا

كلّما أشرت

الى خريطة أحلامكِ

أيها الوطن

تأوهتْ بغداد

بين أصابعي

وغمرني

دجلة بالسؤال [ص87]

فالأحلام نوع من الخيال ، ولكنها من نوع آخر، وهو يتحدث عن الأحلام الواقعية التي لها خريطة ،من خلال الجانب الحسي المتمثل بالأصابع، بوصفها احالات رمزية الى اللمسّ ،بحيث تبدو الانزياحات التي يبثها الشاعر ليست من خارج الصورة الشعرية، وإنما هي جزء منها، والشعر العراقي ما بعد الألفية الثانية شعر مسكون الخروج عن المألوف والاطر المتبعة في كتابة القصيدة؛ فالأمكنة لديه تمتلك نوعاً من الشخصنة لأنها تتحول الى كائن حي يتأوه ،ويتحمل شهقات النهر، والأحلام/ الرؤى تقتفي خطى جلجامش الذي تقول الملحمة عن (هو الذي رأى)؛أي أبصر ،أو علم أو حلم، فهو بالتالي حامل المرآة التي يرى بها نفسه ، أنه مثل نرسيس الحالم بجماله الذاتي، ومن هنا سنتناول هذه المجموعة.

-2-

يقترن اللمس/ الحس بالحركة عبر الفعل (تأبط) في نصه (حلم)؛ فيقول::

أتذكرين؟

في السابعة من أحلامي

كنت أتأبط نجومك

وأمضي بعيداً

وأنا أشير الى أنهار

لم أزلْ

أبحث عن ضفاف لها

في رأسي

[13}

يشير هذا النص الى أنه يقصد بالحلم بالزمن/ العمر / الذكريات، ولهذا جاء مقترناً بالإشارة، والاشارة لديه هنا تقوم بها الأصابع ، وفي غالب الأحيان ، فلماذا يستخدم الشاعر الاستفهام أيريد أن ينبهنا الى ما تتذكره أم أنّ الذكريات لها طعم خاص ، طعم الاحلام ولمسات الأصابع؟

ومن هنا جاءت كلمة حلم وجمعها أحلام بوصفها شيئاً منظوراً يلمس أو له حجم ما ، مثل : (تمنح قفصاً لأحلامي، تمشيني في يقظتي / حلماً، وجعاً يواكبني / وأحلاماً، أينعت بي حلماً، نخضب أرواحنا بالحلم ، الحلام هي الأخرى/ تخرج من عادتها، أتصفحك أحلاماً، أحلامي كم كانت خضراء، استجمعي / أحلامنا، تعزف أحلامي، أحلام صديقي الجريحة، فقطعوا نياط الأحلام ، فتساقط طفولتي / حلماً، اضرب عصا أحلامي/ ألملم أحلام النهر، نشعل أحلامنا بالنسيان)؛ هذه الصور التي رسمها للأحلام هي تعبير عن أحلام الواقع المنهار، الذي يتساقط خوفه على الأرصفة.

-3-

اذا كانت الأحلام محلقة، أو مصدر للرؤية البصرية، فإن الأصابع كانت تعبيراً عن الصور اللمسة التي رسمها وجعلها أيقونته في بداية مجموعته ("فل أنا)، حيث يقول :

فاذا أشرت الى الغياب

تفتّحت بين الأصابع

زهرةُ المعنى[ص9]

فالإشارة وسيلة ذات دلالة تعني التلميح ،ولكنها لها علاقة بالمعنى، والصورة التي يرسمها تبدو محبوكة بقوة ؛ فالمعنى لديه مثل زهرة المعنى تتفتح ،أي تصبح صورة مرئية ،والأصابع توحي باللمس وبعلاقة العمل بالحب والأمل، من دلالات وصور واحالات النصوص المفعمة بالاتصال الحسي، والتعبير البلاغي المنطلق من لغة شعرية تعبيرية بالغة التصوير، والتي عبّر عنها العرب بطرق شتى، من خلال الأمثال، مثل (أصابع نائلة)، في إحالة الى الفتنة ، و(أصابع زينب) وهو نوع من الحلوى تسمى أحياناً(أصابع العروس) المرتبط بالفرح والطفولة التي تراجعت وتشاغل عنها بالهموم والأحلام. كما أن للأصبع مكانة مهمة باكتمال الجسد وقوته ، لهذا من يقطع اصبعه يسمى (ذا الاصبع)، أو اذا نهشته أفعى، في إحالة رمزية الى عموم الجسد، وأهميته للجسد في العمل والأكل والاطعام، واللحس بظاهر الأصابع، والشعور بلذة الطعام؛ فالأصبع يلحس الأكل ،ويمسك بالعصا ويدافع عن الجسد، وهو وسيلة لتلمس الخطر، وفي زمننا نرى الكثيرين من طالتهم الحروب قطعت أصابعهم ،وهذه لها دلالة عبثية ومؤلمة في آن واحد، ففي قصيدة( أنت المضيء) يقول::

يا أيها المسكون بالحبّ الذي

ما انفك بالجمرات

يملأ قبضتك

ونهضت بي أصابعي

شجراً من المعنى [ص1

وهنا تتكرر لديه إحالة الأصابع الى المعنى، ولابدّ للأسلوب من خلال دلالة الصورة الشعرية وقدرتها على التعبير عن دلالة المعنى، قدرة على الجمع بين الواقع والخيال، والمعنى المباشر والمعنى المضمر بالإحالات والاشارات، والشاعر ممن يولي الفعل المضارع اهتماماً خاصاً، للدلالة على حضور حركة الزمن ، أو حركة الحاضر المثير، حيث تبدو الأصابع واحدة من الأدوات التي يستخدمها الانسان لتخريب سفينة الحياة.

ومن هنا حفلت مجموعته بذكر الأصابع، مثل:( أصابعي/ تندس بعيداً، نبتت بين أصابعنا الكلمات، أفاجأ بالنهر يشيخ بين أصابعنا، وفي لغة الأصابع/ اكتبك /قصيدة عارية، فلن تشرق أصابعك، وأصابع ينهمر منها الورد، وأنا أقبض بين أصابعي ، روحي، اتركي أصابع الروح، ثم شوهوا أنا شيدنا/ بأصابعهم العمياء).

-4-

النزعة الاشارية التي بثتها الأصابع لم تأتي اعتباطاً ، فهي جزء من منظومة اشارية وظفها الشاعر للتعبير عن العلاقة بين الذات والأشياء، بين الشعر والتعبير برسم الصور في نوع من التوازن بين الواقع والخيال، وهذه المنظومة الاشارية ذات طبيعة جسدية واضحة، بين الذكر والانثى وبين الجسد والانتهاكات التي يتعرض لها، ومن خلال أسلوب الومضة المتدفقة ، كما في قوله::

قلاع انوثتك

تثرثرُ

في أصابعي [ص49]

اذ يبدو الجسد حاضراً عبر حاسة اللمس والاتصال الجسدي بين الاثنين ،والصورة هنا تنحصر عبر الفعل المضارع (تثرثر)،وهو فعل ذو طبيعة زمنية ، وفاعلية قلقة، والثرثرة هي الكلام الذي لا أهمية له، وله علاقة بالنهر أو الجسد المضمر ، كما في قصيدة (النهر)، حيث يقول :

فتنقل رسائلها

قوارب ُ الصيدين

وطيور الغاقِ

ايماءات العشقِ

وصيحات الأطفال [ص50]

وفي (عناد) يقول::

سأظل ألوّح لك

يا حبيبتي

يا الصباحات العنيدة[ ص64]

فالإيماءة لها صلة بالعشق ،والتلويح له علاقة بالحب ، ومن هنا أصبح التعبير البلاغي بالإشارة جزءاً من علاقة الأحلام بالأصابع، لأن الأصابع دلالة على الإشارة والتعبير عن المضمر من الأوجاع والآلام والخيبة في بلوغ الأهداف

المشـاهدات 665   تاريخ الإضافـة 04/04/2021   رقم المحتوى 10450
أضف تقييـم