الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
رسائلٌ ....من خلفِ كمامة جبار فرحان
رسائلٌ ....من خلفِ كمامة جبار فرحان
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب لطيف عبد سالم
النـص :

 ليس هناك أدنى شك في تأثرِ المشهد الثقافي بالتداعياتِ السلبيَّة التي فرضتها جائحة كورونا، ولا سيَّما بعد أنْ سادَ اعتقاد بأنَّ مساحةَ الإصابة بالوباء ستتسع أكثر، وأنَّ الأمورَ لن تعود لطبيعتها سريعًا في إشارةٍ إلى أنَّ التعافيَ الكامل من تداعياتِ هذه الجائحة سيأخذ وقتًا ليس بالقصير، فكان أنْ اضطرت إدارات المؤسسات في قِطاعِ الثقافة إلى إلغاءِ، أو تأجيل مهرجانات، نَّدوات، مسابقات، معارض كتب والعديد غيرها من الفعالياتِ الثقافيَّة والأدبيَّة والفنيَّة الأخرى.

 على غرارِ ما قامت به الكثير من قِطاعاتِ الدولة، أو مؤسساتها التي ركنت - في ظلِ  توسع نطاق الجهود المبذولة لاحتواءِ تلك التداعيات، أو الحد منها - إلى اعتمادِ ما أتيح لها من حلولٍ مبتكرة، وممكنة التطبيق؛ لأجلِ تجاوز التحديات التي خلفتها محنة كورونا، بذلت بعض أعمدة البيت الثقافي العراقي جهدًا مميزًا في إثراءِ الحياة الثقافيَّة بالعديد من النشاطاتِ عبر تقنية العالم الافتراضي؛ بغية استيفاءِ متطلبات عصر كورونا، ومن أجلِ أنْ لا يتسلل الظلام إلى فضاءِ المشهد الثقافي. 

 اللافت للنظر أنَّ احتدامَ الجدل الدائر في الأوساطِ الأدبيَّة بخصوص مُستقبل الأدب، وما ظهر حياله من توقعاتٍ زاخرة بعواقبٍ بعيدة المدى، بعد أنْ غدا تأثير جائحة (كوفيد - 19) أمرًا محسوسًا وملموسًا، لم يفضِ إلى تقويضِ نتاج الأدباء والكتاب والفنانين العراقيين، فقد كان منجزهم الإبداعي حاضرًا في المشهدِ المحلي، بعد أنْ غدا لهذه الأزمة دورًا كبيرًا في بلورةِ عَطائهم بما تعدد وتباين من الأعمالِ الإبداعيَّة التي رفدوا بها العشرات من الصحفِ والمجلات والدوريات وغيرها من القنوات المعرفيَّة، فضلًا عن وسائلِ التواصل الاِجتماعي، والتي تسعى جميعها إلى مواجهةِ ما يحتمل من مسارٍ يقود إلى ما عُرفَ باصطلاحِ (العزلة الثقافية).

 من بين التجارب الإيجابيَّة المهمة التي ظهرت خلال الموجة الاولى للوباء اللعين، ولم يُسلط الضوء عليها، وظلّت غائبةُ عن اهتمام النّقّاد، هي تجربة (رسائل في زمن الكورونا) للشاعِرِ جبار فرحان العكيلي، والتي تكمن أهميتها في التبصيرِ بوجودِ آلياتٍ من شأنِها إزاحة شبح الركود والجمود في الوسطِ الثقافي، بالإضافة إلى مُساهمتها في توثيقِ ما تعرضت له البشريَّة من اضطرابٍ في هذه المرحلة المهمة من التاريخ.

 يمكن القول إنَّ تلك الرسائل التي جاءت بصيغةِ نصوصٍ نثريَّة متنوعة، وصل عددها إلى نحو (160) رسالة، كانت بمثابةِ نوافذ أدبيَّة وفنيَّة على التنوعِ الثقافي المحلي، والتي كتبها العكيلي من أجلِ استثمار وقت الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة، وتوظيفه بأسلوبٍ أدبي ماتع لتوثيقِ فترةٍ حرجة من التاريخِ الإنساني. ويبدو جليًا لمن أطلع على تلك النصوص، أنَّ الطابعَ الجمالي لها ارتهن بتنوعِ الهويات الثقافيَّة لشخصياتها، فالشعر والموسيقى والصحافة وغيرها من الأجناسِ الأدبيَّة والفنيَّة الأخرى، يجدها المتلقي حاضرة في هذا الخطاب الذي كان من المُقرَّرِ أنْ يستمرَ، ويَمتد ليَشمل أسماء أخرى لقاماتٍ ادبيَّة وفنيَّة وضعت لها بصمة وتميز في فضاءِ المشهد الثقافي، لولا مهاجمة فيروس كورونا المستجّد كاتبه، والذي ألزمه الفراش لأكثرِ من (45) يومًا، حتّى أدراكه نعمة الصحة. ويضاف إلى ذلك الآليةِ التي اعتمدها الكاتب في انتخابِ الشّخصيّات الموجهة لها الرسائل، إذ ارتكزت خياراته على رؤيةٍ ثاقبة قوامها معايير أداء محددة، لعلَّ من أهمها وأبرزها تأثيرِ ما اختاره من مبدعين في الميادين الثقافيَّة والادبيَّة والفنيَّة، فضلًا عن المكانةِ التاريخيَّة المميزة التي يتمتع بها أبطال رسائله.

 يمكن الجزم بأنَّه على الرغم من جهد الكاتب في الإسهابِ بمحاكاةِ ما انتخبه من شخصياتٍ مؤثرة في المُجتمع، لها بصمة لامعة في المشهدِ الثقافي، إلا أنَّ الرسائلَ بمجملها، يمكن التعامل معها - من حيث المقاصد والغايات - بوصفها قضية رأي عام؛ بالنظرِ لدلالتها البليغة المتأتية من  تضمين كاتبها إياها، ما يعبر عن هموم عامة الناس، وما يكشف ما في نفوسهم من آمالٍ وأحلام ورؤى يلمسها المتلقي تترامى على صفحاتِ الرسائل، بالإضافةِ إلى ما يعكس الاعتزاز بالوطن الحبيب الذى يشغل وجدانهم.

 خلاصة القول إنَّ خطابَ (رسائل في زمن الكورونا)، يُعَدّ في واقعه الموضوعي منصةً لإغناءِ الحراك الثقافي في زمنٍ مشبع  بأرديةِ ويلاتِ الوباء، وتغمره الآلام والأحزان، فلا غرابة إنْ خرجت تلك الرسائل، منسجمة مع المقولةِ التي كثر ما نسمعها، ويصعب تحديد مصدرها، والتي تؤكد أنَّ "الإبداعَ يولد من رحمِ المعاناة"، فهل هناك معاناة أكثر من مواجهةِ ألم كورونا، وما ترتب عليه من خوفٍ وضغوط وتحديات، والتي ربما تقود صاحبها إلى المجهول!.  

 في الختام آمل أنْ يعود العكيلي إلى أوراقه، وكله أمل في أنْ يكملَ خطابه، ويحقق منجزه ، متمنيًا في الوقتِ ذاته أنْ تلتفتَ المؤسسات الثقافيَّة إلى معطياتِ هذه التجربة الأدبيَّة، وتبادر إلى جمعِ الرسائل، وطبعها بمؤلفٍ مستقل؛ لأجلِ توثيق توقف الحياة استجابة لواقعٍ محير، فرضه على العالم ضيف ثقيل غير مرحب به.

المشـاهدات 974   تاريخ الإضافـة 17/04/2021   رقم المحتوى 10795
أضف تقييـم