الخميس 2024/4/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
إطلالة عمرك أيها الإنسان !
إطلالة عمرك أيها الإنسان !
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

كم ندمت على حزمة أعوام من العمر ضاعت في أوهام، صارت بمرور السنين أكبر من أجسامنا، بات جلدنا يلبسها ويمشي بها، ثم نسينا بعد طول هذه السنين أي حزء فينا هو الوهم الذي نحن فيه، وأي جزء من الوهم كنا.

أعوام مثقلة بالأعباء، مليئة بالأحداث الجِسام التي عاشها الإنسان على ظهر هذا الكوكب ودعناها بصمت وعدم اكتراث غير آسفين عليها وعلى مامر فيها من متغيرات، فما أثقل الحياة على المرء حين يرى خطوه يتقاصر، وينكمش في تراجع وضمور، لايقوى معه على الحركة، فلا حجمه يملئ المكان، ولاوزنه يثقل الأحداث، ولكنه بقايا رجل لايستطيع المحافظة على صحته:

أتى عامٌ حلَّت صيفه وربيعه

   وعامٌ وعام يتبع العام قابلُ

تَّحمل عنها أهلها، وخلتُ لها

سنون، فمنها مستبين وحائل

 

هذا شعور الناس كلما استقبلوا عاماً من أعوام الدهر، وكلما ودعوا عاماً أخر من أعوامه.

وللشعراء منهم رأي في دورة الحياة منذ القدم وحركة الزمن، ولهم مواقف أمام عامل الدهر الدؤوب الذي لايستطيع الإنسان التحكم في مساره ولايتمكن من تعديله لصالحه فصّوروا شعور المرء الذي يعبر بوابة السنين والأعوام، وإنطباعه أمام أبدية الزمن المتجدد وأثرها في كيانه الدائر في فلك الحياة، تقول الخنساء :

إن الجديدين في طول إختلافهما

         لايُفسدان ولكن يفسدُ الناس

 

ففناء الإنسان ونهايته يأتيان نتيجة لدورته المتكررة حتى ولو سلم من عثرات الزمن كما تصّورها الشاعر صلتان العبدي:

أشاب الصغير وأفنى الكبير

            مر الليالي وكرُّ العشي

إذا عرمت ليلة يومها

           أتى بعد ذلك يوم فتى

 

ومع ان الإنسان يعرف هذه الحقيقة الا ان الأمل الذي ركب في نفسه دفعه للعمل، وجعله لايستسلم للنهاية التي يقر بها الزمان، وإنما يمرُّ ليعمر من نصيبه من الحياة غير وجل ولامنتظر :

نروح ونغدو لحاجاتنا

وحاجة من عاش لاتنقضي

ولكن لذات الشاعر معاناة خاصة مع الحياة ومتغيراتها وصفها بعد رحلة طويلة من الزمن وبعد أن أوهنت تلك الرهبة قواه وردته الى الضعف بعد القوة وجعلته يردّد :

أرى بصري قد رابني بعد حدةٍ

       وحسبك داءً أن اصح وتسلما

وقد يعزو للأيام والليالي كل ماأصابه من نقص وضعف :

فإن تعجب مني عُمير فقد أتت

            ليالٍ وأيام على طوال

وبعضهم لايُطيق السير الطويل مع الزمن ويجعل الثمانين عاماً مُدعاة للسأم والملل الذي لايُطاق، ويعلن ذلك دور مواربة كما قالها

زهير بن أبي سلمى :

سئمتُ تكاليف الحياة ومن يعش

ثمانين حولاً لاأبالك يسأم

ويقاسمه لبيد بن ربيعة نفس الشعور ويشاركه في ذات المعنى، فقد بلغ من العمر عتيا، وقد سئم الحياة لطولها ورتابتها :

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وسؤال هذا الناس كيف لبيد

أما شاعر الدولة الموحدية مالك بن المرحل فعلى الرغم من تقدم سنه، الا ان ذلك لم يحل بينه وبين روح الفكاهة، وقد عاش 95 عاماً، سجلت له كتب الأدب خواطر جادت بها قريحته وهو يُعارك الثمانين :

ياأيها الشيخ الذي عمره

   قد زاد عشراً بعد سبعينا

سكرت أكواس خمر الصبا

              فحدَّك الدهر ثمانينا

ومات شاعرنا أحمد الصافي النجفي وهو يقارب الثماني1977/ 6/ 27

ولولا الإطلاقات التي أصيب بها لهزئ من التسعين فروحه لم تغادر عنفوان شبابها في أي مرحلة من حياته :

سنّي بروحي بعد سنين

فلأسخرن غداً من التسعين

عمري الى السبعين يركض مسرعاً

والروح ثابتة على العشرين

 

- عبدالكريم جابر السياب

المشـاهدات 835   تاريخ الإضافـة 18/04/2021   رقم المحتوى 10846
أضف تقييـم