الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 19.95 مئويـة
ستة اسكتشات كوميدية تنتقد الظواهر السلبية في المجتمع المصري وهنا القاهرة.. الوقوف في المنطقة الوسطى لا يضمن التحقّق
ستة اسكتشات كوميدية تنتقد الظواهر السلبية في المجتمع المصري وهنا القاهرة.. الوقوف في المنطقة الوسطى لا يضمن التحقّق
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

القاهرة - في العرض المسرحي “وهنا القاهرة” الذي عُرض مؤخرا على مسرح الجامعة الأميركية في القاهرة قدّمت فرقة “المسرح الخطير” نقدا للواقع المعيش بالاعتماد على الكوميديا في غالبية المشاهد.وتناول العرض للمؤلفة والمُخرجة رشا الجمال جملة من القضايا التي تُعبّر عن المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، فعبر ستة إسكتشات يُقدّم طاقم العمل نقدا لظواهر فاضحة، مثل التحرّش وفساد بعض رجال الأعمال والتدخل في حياة الآخرين وأحلام الصعود الطبقي ومشكلات تربية الأجيال الجديدة، بما يسهم في تسطيح أفكارها وتمييع أحلامها.ويتعرّض المشهد الأول “الشيطان همام” لجنوح بعض الشخصيات للتدخل السافر في حياة الآخرين وإطلاق الأحكام عليهم، والذي تزداد سطوته مع الرضوخ المُذّل لآراء وأفكار الآخرين والقبول بها وعدم التحلي بشجاعة الرفض والمواجهة عبر قصة همام، وهو أسطورة أحد الأحياء الشعبية المصرية الذي لا يتوانى عن اقتحام حياة كل المحيطين به، ويتم التخلص من دوره مع اجتماع أهل الحي الشعبي على لفظه.ينتهي المشهد بالتأكيد على أهمية المواجهة والرفض ودورهما في التخلص من مظاهر الخلل في المجتمع، بالاعتماد على الكوميديا لإيصال فكرته، وعبر الحوار الساخر الذي يُسفّه من أفعال همام وجدواها، ويؤكّد على لا معقولية التدّخل في موضوع لا يمسّ الآخر بنفع أو ضرر، فضلا عن دور الشاشات الخلفية التي قدّمت مشاهد من أفلام مصرية قديمة تُعبّر عن طبيعة الموقف.

 

القولبة المجتمعية

 

في المشهد الثاني الذي جاء تحت عنوان “بنت لابسة ليموني” يتطرّق العرض المسرحي لواقع قمع المرأة ووأد أحلامها وتطلعاتها المستقبلية بسبب جنسها الذي يستخدم كذريعة لقولبتها في أطر مجتمعية محدّدة سلفا، ويعتمد الإسكتش في عرض الفكرة على الملابس النسائية الملوّنة التي تشير في طبيعتها إلى بهجة وانطلاق وحيوية لا يُقيّض لها الظهور لما تلقاه من استهجان سواء أكان من الدوائر القريبة ممثلة في الأسرة أو في المجتمع الذي يتجلى رفضه عبر نظرات مستهجنة لانطلاقة الفتيات في مقتبل شبابهنّ.يحتل التكوين المسرحي في هذا المشهد أهمية خاصة؛ فهناك السلطة الأبوية ممثلة في العرض بالآباء الثلاثة الذين يحاصرون الفتيات في محاولة لتغيير أفكارهنّ وتحويلها نحو ما هو سائد ومقبول مجتمعيا، وهناك الأم التي تحتل واجهة المسرح في إشارة إلى دور الأم ورغبتها الواعية أو غير الواعية في بعض الأحيان في إنتاج نسخ متكرّرة منها.وفي المشهد الثالث “نشيد الولد” يُلامس العرض المسرحي قضية قولبة الأجيال الجديدة عبر عدد من الأمهات اللاّتي يتملكهن الخوف من ولادة أبنائهنّ في مصر وما قد ينجم عن ذلك من تعريضهم لمشكلات اقتصادية واجتماعية صعبة.ويقود هذا الخوف الأمهات إلى مشارب متعدّدة. لكن تجمعهن رغبة في الهروب؛ سواء جاء ذلك عبر تسطيح فكري للجيل الجديد من خلال إبعاده عن كل ما يخصّ قضايا وطنه ومشكلاته، أو الهروب إلى بلدان غربية تطلعا إلى حياة أفضل، أو تحديد مُسبق لمصير الأبناء دون الاهتمام بتطلعاتهم الحقيقية.وينتهي المشهد برفض الشباب لكل المصائر المرسومة لهم سلفا، وتمسّكهم بحقهم في العيش بسلام وطمأنينة في أوطانهم التي هي جزء منهم، والتأكيد على حقهم في أن يكونوا أنفسهم بعيدا عن كل المصائر المرسومة لهم مسبقا.وهنا تأكيد مرة أخرى على أهمية المقاومة في تغيير الأفكار وتبديد المخاوف الواهية، من خلال تكوين يُعبّر عن التحوّل من سيطرة الأمهات على عقول الجيل الناشئ إلى تحرّرهم واتحادهم من سطوة تلك الهيمنة.

 

الفساد والسلطة

 

أما المشهد الرابع من العرض والذي جاء تحت عنوان “حوت مدينة نصر” فيلامس قضايا الفساد المستشرية في المجتمع عبر قصة تحوّل طفل قضى حياته في الشارع إلى رجل أعمال فاسد انطلق في رحلة نحو الثراء والربح السريع بالغش في مشاريع بناء عشوائية واستغلال أصحاب النفوذ والسلطة، ليصل به المقام إلى السجن جزاء له على مسيرته المشينة وأفعاله التي ألحق بها ضررا كبيرا في المجتمع.وينتقل المشهد الخامس “أربعين شتا” ليأخذ منحى تراجيديا، إذ يروي قصة مهندس شاب يُسائل نفسه في عيد ميلاده الأربعين عمّا فعله طوال حياته، وعن أحلامه الموءودة وآماله المُحطمة التي جعلته دوما في منطقة المنتصف من كل شيء؛ نصف السعادة ونصف الرضا ونصف التحقّق المهني، يأخذ المشهد توجها فلسفيا يتعرّض لمعنى السعادة ومسبّباتها، والأثر الذي تتركه مرحلة الطفولة والنشأة الأسرية القاسية في تحطيم ثقة الأبناء بأنفسهم وبقدراتهم.أما المشهد الأخير “اطلع فوق.. انزل تحت” فيعبّر عن مسعى مختلف الطبقات الاجتماعية للخروج من حيّز طبقتها إلى الطبقة الأعلى منها، في سعي حميم لا يتوقف ولا يهدأ، فالسلم دوما حاضر في ذهن الجميع، سواء من يصلون إلى قمته ويحاولون طوال حياتهم الحفاظ على موضعهم أو من هم أسفله ويطمحون إلى صعود الدرج وتغيير أوضاعهم، وفي خضم ذلك الصراع الذي لا ينتهي يحضر الحكم على أهمية الآخر وفقا لمكانته على الدرج الطبقي، الذي ينهي مصير من لا يتشبّث به إلى “البلاعة”.يتخلل الإسكتشات الستة بعض اللوحات المعبرة عن مشاهد باتت معتادة. لكن في حقيقتها لا يمكن قبولها، منها لوحة تعرض لمشهد التبوّل في الشارع بأسلوب ساخر يستند إلى كوميديا الموقف في حد ذاته ومفارقته، ولوحة ساخرة تتعرّض للتدخل السافر في ما يفعله الآخرون دون مُبرّر، ولوحة تعرض لمشهد يومي في مترو الأنفاق، حيث الازدحام الشديد وعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية في ظل تفشي وباء كورونا.اعتمد العرض بصورة رئيسية على الشاشات الخلفية في توضيح أجواء المشهد أو في تعزيز فكرته، ما جعل الاعتماد على قطع الديكور هامشيا؛ حيث لجأت مؤلفة ومخرجة العرض المسرحي إلى تبديل قطع محدودة من الديكور المتصلة بفكرة ومكان كل مشهد، لتكون الشاشات معضدة لقطع الديكور المتغيّرة في نقل أجواء العمل وأفكاره.ويمكن اعتبار النص المسرحي من أبرز نقاط القوة في ذلك العرض؛ إذ صيغت الحوارات والنصوص في معظمها بأسلوب شعر العامية المصرية، وهو ما منح للمشاهد حيويتها وعبّر عن بساطتها وعمقها في الآن ذاته، وإن كان الإيقاع السريع للمشاهد قد أسهم في تراجع التركيز على حيوية النص في مقابل ملاحقة اللقطات السريعة في العرض المسرحي.جاء العرض المسرحي “وهنا القاهرة” نتاجا لعمل دؤوب للمواهب الشابة من فرقة “المسرح الخطير” مع الفنانة رشا الجمال، وهي كاتبة ومخرجة ومصمّمة أزياء، ويعد العرض جزءا من اهتمامها بالتراث الإنساني المصري والحلم بالتغيير والتطوير والحفاظ على ما تحمله الحياة من بهجة والتحلي بالشجاعة في مواجهة المنغصات.

المشـاهدات 1110   تاريخ الإضافـة 20/04/2021   رقم المحتوى 10890
أضف تقييـم