الثلاثاء 2024/4/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
توظيف الرمزية في بناء الدول
توظيف الرمزية في بناء الدول
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب محمد كريم الخاقاني
النـص :

اكاديمي وباحث في الشأن السياسي

منذ بداية نشوء الحضارات، وتزايد الحاجة الى التعاون بين المجتمعات البشرية، برزت فكرة الرمزية في التعبير عن  الانشطة  بشكل علامات او إيماءات او غيرها، لتقرب المسافات بين الأفراد  ومن ثم تعطي دلالات يمكن تفسيرها وفقاً للمدركات او ما ترسخ في أذهان الجماعات، فقد تكون الرمزية مجسدة في صورة قائد او شخص لديه من المواصفات والإمكانات ما لا تتوافر في غيره، ولذلك تتوارث الاجيال تلك الصور الرمزية المعبرة عن تلك الشخصية التي قادت في لحظة تأريخية ما البلد لمواجهة ازمات تعترضه او مخاطر احاطت به الى بر الأمان، وعليه تجسدت صورته في إقامة نصب تذكاري يخلده وهي دليل على الإرتباط التأريخي وتعاقب الاجيال لتكون تلك الصورة الرمزية حاضرة في أذهان الجيل الجديد على الرغم من عدم رؤيتها له، بل تعتمد فقط على ما يصلها من مواقف ومحطات له في سالف الأزمان، لتكون الأرتباط الحقيقي لماضي الدولة او الأمة وحاضرها وصولاً لمستقبلها.ولا تقتصر الصورة الرمزية بشخص القائد او الشخص البطل، بل تتعداها في قيمتها المعبرة في تصوير بعض من مظاهر الصراع وبالخصوص إذا ما تعلقت بالهوية الوطنية والتأريخية، فبعض الشعوب لا تزال تحتفظ بموروثاتها الثقافية كما يظهر جلياً في الصراع العربي— (الإسرائيلي)، وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لطمس معالم الوجود العربي في فلسطين، إلا إننا نرى تمسك الأسر الفلسطينية برمزية الإحتفاظ بمفاتيح منازلهم التي إغتصبتها العصابات الصهيونية المحتلة منذ نهايات الإربعينيات من القرن العشرين، وهذا دليل وكناية عن حق الأسر الفلسطينية بالعودة المشروعة لمنازلها واراضيها. وتكتسب الرمزية اهمية متنامية في الأنظمة السياسية كونها ذات فاعلية في تحقيق اهدافها، وخصوصاً في عمليات بناء الدول، وكذا الحال مع اي تحولات كبرى تطرأ عليها، فتؤدي المتغيرات المفصلية فيعا الى ترسيخ القيم الجديدة للدول الحديدة المتكونة، وهو ما نراه ماثلاً لدينا بعد عام ١٩٩١ وإنهيار الكتلة الشيوعية ودول المنظومة الإشتراكية الى دول جديدة في شرق اوربا كما في حالة الإتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا. وهناك مجموعة من الوظائف والمهام التي يجب ان تقوم بها الرموز الوطنية بعد التحولات الإستثنائية في حياة شعوبها، ومن بين تلك الوظائف، سيادة مبدأ شرعية الدولة، إذ تؤدي الرموز الوطنية الدور الأبرز في تحقيق اهداف سياسية، فكلما استطاعت الدولة من الإستفادة من الرمزية السياسية لشخص ما، كلما كانت اهدافها قابلة للتحقيق بمدة قياسية، فالدولة تستخدم رموزها للتأثير على مواطنيها، بل يتعدى ذلك الى تبني قيم وافكار تعتقد هي بصحتها، وكذلك ما يجب ان يكون عليه سلوك شعبها ومن ثم فهي تعزز من سيادة شرعيتها وعدم فقدان مصادر شرعيتها الداخلية. وتحدد الرمزية الظروف المؤاتية لبناء هوية وطنية موحدة تنصهر فيها الهويات الفرعية، فالرموز الوطنية تجعل من المواطنين داخل الدولة اكثر إنفتاحاً لقبول الآخر المشترك معه في الوطن، إذ قد يكون إستخدام الرموز الوطنية لبعض ديناميات الصراع مدمراً لبناء دولة، وفي المقابل يكون اللجوء للخيمة الجامعة ونقصد هنا الرمزية السياسية لشخص ما لتأريخه ونضاله  الدور الأمبر والفاعل في تحقيق الوحدة داخل الدولة وزيادة الوعي بضرورة إنتهاج سياسات منفتحة على الجميع دون تمييز وهنا سيكون الرمز الوطني دلالة بارزة للدولة وغاية لتحقيق اهدافها. وتؤدي الرمزية السياسية الدور المميز في إعادة كتابة التأريخ لدى الشعب المكون للدولة، وهنا تبرز ضرورة إيجاد ذاكرة جمعية متفق عليها لتحقيق هدف إبراز مظلوميتها ونضالها لتحقيق هدف العيش المشترك داخل حدود دولتها بغض النظر عن قومياتها ومذاهبها ومعتقداتها، وهنا لابد من آليات لتحقيق ذلك الهدف، ويكون عن طريق إقامة النصب التذكارية التي تخلد مسيرة المناضلين، ووضع التشريعات القانونية موضع التطبيق لإنصاف ذوي الضحايا وإنصافهم وهو ما يعني الفهم الجمعي للمكونات التي عانت من وحشية وتسلط الأنظمة الدكتاتورية لها، لتعزز تلك الآليات من قيم المصالحة والوحدة الوطنية عن طريق الفهم الصحيح لمظلومية الفئات المضحية وإستذكار تضحياتها وحفظ حقوقها المكتسبة وفقاً لقوانين العدالة الإنتقالية وإنصافهم وإعادة دمجهم في المجتمعات.

المشـاهدات 720   تاريخ الإضافـة 07/06/2021   رقم المحتوى 11357
أضف تقييـم