السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 36.95 مئويـة
كي لا تتحول الانتخابات لمحض التهابات؟ التحول الديمقراطي ضرورة.. قراءة تحليلية
كي لا تتحول الانتخابات لمحض التهابات؟ التحول الديمقراطي ضرورة.. قراءة تحليلية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د.حيدر عبدالامير الغريباوي
النـص :

بدأ يتبلور الالتزام بالإصلاح الانتخابي حول العالم جلياً ، حيث بدأت الفعاليات السياسية والإدارات الانتخابية تعي بأن تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي يتطلب إعادة النظر في الترتيبات الانتخابية، وذلك بفضل المتابعات الحثيثة من قبل وسائل الإعلام ومراقبي الانتخابات، فضلاً عن ظهور العديد من المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بنشر الديمقراطية. وفي الوقت الذي تزايدت فيه مراقبة العمليات الانتخابية، بدأ الاهتمام بالتحول الديمقراطي في العملية الانتخابية ضرورة وطنية تحد من نزعات استغلال الناخب اقتصادياً والنصب عليه من خلال الاحتيال والانتهازية للحاجات المجتمعية في البلدان. وحينما ينظر للواقع العراقي بهذا الاتجاه فأننا نلمس بموجب المادة القانونية 456 من قانون العقوبات العراقي أو كما يسميها العراقيون 56 تفاصيل مهمة بجرائم النصب والاحتيال، وانطلاقا من هذه المادة وعقوبتها فإن العراقيين لجأوا منذ سنوات لإطلاق الرقم 56 على أي شخص يتهمونه بالنصب والاحتيال، وكثيرا ما كانت توسم تلك الصفة للتعبير عن سخط العراقيين من الطبقة السياسية. لذلك أصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق قرارا فريدا من نوعه، يتمثل بإلغاء الرقم 56 من تسلسل المرشحين للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وجاء القرار إثر رفض الكثير من مرشحي الانتخابات حمل هذا الرقم في أوراق الاقتراع. يذكر أن غالباً ما تركز الاهتمام العام حول إصلاح النظام الانتخابي لتحسين مستويات التمثيل، إلا أن إصلاح الأجهزة المختصة بتنظيم وإدارة العملية الانتخابية لم يكن أقل أهمية من ذلك، وهو ما يبدو واضحاً من خلال الميول الشائعة في تشكيل إدارات انتخابية مستقلة، تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة، وتطوير التنظيم الداخلي للإدارة الانتخابية بما يؤهلها لتقديم خدمات انتخابية على درجة أعلى من الجودة وبمستوى أفضل من الكفاءة،. ولتحقيق نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها وتعزيز أوسع مستويات القبول لنتائج الانتخابات، يجب على الإدارة الانتخابية أن تعمل بحياد تام بالإضافة إلى تنظيمها للفعاليات الانتخابية باستقلالية كاملة بدون ذلك تكون نزاهة العملية برمتها عرضة للفشل، ويصبح من الصعب بمكان تعزيز الثقة بمصداقية العمليات الانتخابية، وخاصة من قبل الخاسرين فيها. ضمن هذا الاتجاه تنص المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه ”لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة للبلاد إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون اختياراً حراً“. وتنص المادة نفسها أيضا على إجراء انتخابات حرة كأساس وحيد لشرعنة الحكومة: ” إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت“، علاوة على ذلك يضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أيضا بعض الحقوق الأخرى الجوهرية في العمليات الانتخابية، بما في ذلك الحريات الأساسية الخاصة بالتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. اذن لا بد من تمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم دون التخويف أو العنف أو التدخل الإداري ومن غير تخوفهم من العقاب. وينبغي إعطاء الناخبين إمكانية القيام بالانتخاب الحر لممثليهم دون تأثير غير مبرر له أو إجراء ضغوطات عليهم. وال يجب أن يكون هناك ما يعيق المرشحين من عرض آرائهم بحرية، أو ما يمنع الناخبين من انخراطهم في أنشطة الحملة الانتخابية أو من اطالعهم على هذه الآراء. وينبغي تمكين المواطنين من عقد تجمعات سلمية بحرية من أجل مناقشة أو توضيح وجهات النظر السياسية من غير وجود عوائق إدارية أو بيروقراطية ال لزوم لها. كما يجب السماح لوسائل الإعلام بتغطية الحملة بحرية دون تدخل أو فرض قيود غير معقولة من قبل السلطات. وينبغي إتاحة الحرية للمراقبين المحليين، بما فيهم وكلاء المرشحين الأفراد والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، لمراقبة جميع مراحل العملية الانتخابية قبل يوم الانتخابات وإثناءه وبعده. فحرية الإعلام فضلاً عن وسائل الإعلام الحرة والمستقلة عنصر حيوي في عملية الانتخابات النزيهة والديمقراطية. ينبغي للسلطات، بما في ذلك أصحاب وسائل الإعلام، ضمان الحق لوسائل الإعلام في جمع المعلومات ونقلها بحرية دون تدخل ال مبرر له كتخويف أو عرقلة وسائل الإعلام أو الصحفيين، ويجب حظر الرقابة وينبغي احترام استقلالية عمل وسائل الإعلام. ويمكن السعي إلى تحقيق توازن في تنظيم قطاع الإعلام أثناء الانتخابات دون فرض شروط تقييدية بشكل مفرط أو مرهق، أو دون عرقلة دور وسائل الإعلام في تزويد الناخبين بمعلومات كافية ومتنوعة مما يسمح لهم باتخاذ قرارات مدروسة. وإذا كانت بيئة وسائل الإعلام مقيدة بشكل مفرط، يلجأ الصحفيون لممارسة الرقابة الذاتية لتجنب فرض عقوبات أو مضايقات من قبل السلطات، مما يحد من المعلومات والآراء المتنوعة التي تتاح لجمهور الناخبين. لكن حينما تتحول الأطر النظرية للانتخابات الى محض (التهابات) والمقصود أننا نتحدث هنا عن الأوضاع النفسية لبعض أصحاب القرار من الاحزاب الحاكمة، والتي تلعَب دوراً حاسِماً في رسم السياسات في البلاد، خاصة وأن هذه ما كانت الا سلطوية أو أوتوقراطية (حُكم الفرد المُستبِد) أو ديكتاتورية. السِّمَـتان الأساسيتان لهذه الأحزاب المتنفذة هي الحالات النفسية هُما: السايكوباث (Psychopath) وجنون العظمة (Megalomania). السايكوباث، تعريفاً، هو الشخص المُضطّرب عقليا، ذو الشخصية غير الاجتماعية التي تتّسم بالعُنف والسلوك الإجرامي، والذي يبدو وكأنه يحظى بشخصية طبيعية في المجتمع، يستمتِع السايكوباث بإخضاع الآخرين بالقوة والعنف أو بممارسة القتل ولا يشعر بأي شعور بالذّنب أو العيب أو تأنيب الضمير لِما يفعله للآخرين، لا بل هو يُبرِّر جرائمه بأنحاء اللائمة على ضحاياه، سواء أكانوا أفراداً أو حتى جماعات وشعوباً، ولا يتوانى عن المصاب بجنون العظمة، هو سايكوباث بدوره، لكن "الأنا" لديه تتضخّم إلى درجة أنه يختصِر في شخصه الشعب والأمّة، وحتى الكون برمّته. إنه متألِّـه يعبُد نفسه ويريد من المواطنين أن يعبُدوه على هذا الأساس ممارسة الكذب باستمرار. وعلى المستوى الفكري فإن الاطار المرجعي لكثير من الاحزاب العراقية ومساحة عملها واهدافها غير منحصرة بالعراق، وتظهر البعد غير العراقي في الشعارات والاهداف , بما في ذلك الإسلاميين الشيعة والسنة والقوميين العرب والأكراد والتركمان وغيرهم, باعتبارها عابرة للحدود، المفارقة هنا أن هذه الاحزاب غير عابرة للطوائف والطبقات والمناطق داخل العراق الواحد نفسه. ونضيف ضمن هذا السياق أن بعض مهازل الانتخابات السابقة "كشفت لنا عن جهل الاحزاب غير المحسوب على مصير الأمة"، مبررين أن "تكرار مثل هذه الانحرافات أظهر بوضوح عجزهم على خلق طموح لاسترجاع ثقة الشعب في المؤسسات وخلق استقرار سياسي للبلد"، ومن ثم فإن "التضخيم والتلاعب المفضوح بنسب المشاركة يؤكد أن التزوير الانتخابي هو الوسيلة المفضلة لانتقاء المرشحين والحفاظ على مكانة زبائن النظام في السلطة. وهي أبلغ من كل خطاب عن الوهم الذي يروّج له صنّاع القرار عن إرادتهم في محاربة الفساد والخروج من النظام المافياوي والريعي"، وتجدر الإشارة إلى القول إن "مثابرة الشعب العراقي في نضاله وتظاهراته السلمية، والتي يحدوها الطموح في إقامة دولة قانون ديمقراطية، هي التي صنعت الفارق مرة أخرى". ومع لهيب شهر تموز وقيظه المستعر تشهد الساحة السياسية العراقية الان وقبل انتخابات تشرين صراعا انتخابيا محتدما، بحسب متخصصين في الشأن السياسي، والذين اعتبروا أن عملية استبعاد مرشحين من الانتخابات وإعادة آخرين إلى السباق الانتخابي، تأتي ضمن الصراع للوصول إلى مجلس النواب عبر صناديق الاقتراع. فقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عن استبعاد العديد من المرشحين من الانتخابات النيابية المقبلة، مشيرة إلى أن ذلك يعود لأسباب مختلفة، وان يكون المعيار الأساسي لاستبعاد المرشح من المشاركة في الانتخابات أن تكون الجريمة المحكوم عنها من الجرائم المخلة بالشرف، مشيرا إلى أن هذه الجرائم محددة بموجب أحكام المادة (21/6) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وهي (السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض) إضافة إلى جرائم أخرى وصفت بأنها مخلة بالشرف بصدور قرارات تشريعية تصفها بأنها مخلة بالشرف. وبدورها أعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية في مايو الماضي الانتهاء من عملية تسجيل الكيانات المشاركة فى الانتخابات التشريعية فى أكتوبر 2021 المقبل، وتشمل تلك الكيانات الأحزاب والكتل السياسية والمرشحين الحزبيين والمستقلين، وتتضمن كذلك التحالفات الانتخابية التي باتت معلنة رسمياً لخوض غمار الانتخابات. فالمشهد الانتخابي يفصح عن تسجيل ما يقرب من 44 تحالفاً انتخابياً يضم مجموعة من الأحزاب والكيانات السياسية يتراوح عددها ما بين 260 – 300 كياناً وحزباً. إلى جانب عدد من المرشحين الحزبيين والمستقلين، وذلك لانتخاب 329 نائباً عبر 83 دائرة انتخابية، وفقاً لقانون انتخابي جديد يقوم على الانتخاب طبقاً للنظام الفردي الذى يحسب الفوز لصالح الكتل أو الأحزاب أو المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، على خلاف الدورات الانتخابية السابقة (أربع دورات انتخابية) التي كانت تحسم فوز الكتل والمرشحين وفقاً لقاعدة "سانت ليجو" التي تعمل بطريقة التمثيل النسبي فى توزيع المقاعد النيابية، والقائمة على احتساب متوسط القاسم الانتخابي للكتل وللقوى والأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات. المنافسة ستتوزع على ثلاثة مكونات في البلاد، يُرجّح أن تكون على أشدها في المكون السنّي الذي يتقاسمه تحالفا "العزم" بزعامة خميس الخنجر و"القوى العراقية" بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وكلاهما من محافظة الأنبار غرب العراق، لكن مرجعياتهما السياسية والمالية مختلفة، ما يشير إلى معركة كسر عظم بين المتنافسين للاستحواذ على أصوات الناخبين، إذ يلعب المال السياسي في تمويل الأصوات وشرائها دوراً في حسم نتائج التصويت، كما يقول متابعو الانتخابات. أما المكون الشيعي، فسيحظى بتنافس أشرس في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، لا سيما بين الكتل الأربع الرئيسة، وهي "التيار الصدري" بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر(اعلن قبل مدة انسحابه من السباق الانتخابي.. ومتوقع عودته تحت ضغط والحاح الفرقاء والشركاء السياسيين) ، وتحالف "الفتح" المدعوم من إيران، و"دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، و"قوة الدولة الوطنية" بقيادة عمار الحكيم المتحالف مع كتلة "تحالف النصر" التي يتزعمها حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق الذي لم يندمج بعد مع تحالف عمار الحكيم، وقرر خوض الانتخابات مستقلاً، لكنه متوافق مع الحكيم بعد فرز النتائج كما هو معلن. في حين قرر فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي الابتعاد عن قائمة تحالف "الفتح" التي كان تحت مظلتها، وخوض الانتخابات في تحالف جديد باسم "العقد الوطني"، المكون من سبعة كيانات سياسية صغيرة، مستنداً إلى حضوره في مؤسسة الحشد الشعبي التي تدير الملايين من الأتباع، وهي ملحقة بالقوات المسلحة. التنافس في إقليم كردستان يتركّز بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني "البارتي" بزعامة مسعود البرزاني ومقره أربيل، وحزب الاتحاد الوطني "اليكتي" بقيادة نجل الرئيس الراحل جلال الطالباني لاهور طالباني ومقره في السليمانية المتاخمة للحدود الإيرانية. ويُرجّح أنهما سيفرضان سطوتهما على المناطق التي تقع تحت إدارتهما الجغرافية.وفي ظل المؤشرات الموجودة حاليا والتحركات المبكرة للقوى السياسية الحاكمة في البلاد، يعتقد، أن الانتخابات المقبلة لن "تحدث تغييرا جذريا ولا استنساخا تاما للتجارب السابقة".ورغم الاختلافات الكبيرة ظاهرياً بين الاحزاب المتنافسة في مواقفها من القضايا خاصة أثناء الحملات الانتخابية، يبدو أن هذه الخلافات تختفي مؤقتاً خلال فترة تشكيل الحكومات وتوزيع المقاعد الوزارية والمناصب التنفيذية العليا. ثم تعود هذه الخلافات الى الظهور بشكل مفاجئ، خاصة عندما تتعلق بتوزيع مغانم الريع والسلطة والمنافسة عليها.ولكن بغياب بدائل واقعية واضحة للنظام السياسي الحالي، فسيكون من المجدي أن تركز القوى السياسية والشعبية على الممكنات لإصلاح النظام السياسي بدل السعي لتدميره ومن أهم ادوات اصلاح النظام السياسي هو اصلاح النظام الحزبي, لخلق أساس لحكومات فعالة ومتماسكة وأكثر تمثيلاً للواقع المجتمعي وقادرة على إدارة التحولات الثلاثة بكل ابعادها: التحول من دولة المكونات الى دولة المواطنة، ومن دولة الاستبداد الى دولة الحرية ومن التوزيع غير المتوازن الى توزيع أكثر إنصافاً للثروة، ومن مجتمع مقسم طائفياً وعرقياً الى مجتمع يعتز بتنوعه.لذا فأن عملية بناء الديمقراطية في ظروف معقدة هي عملية ضرورية، وان شكل النظام السياسي المؤسساتي والقانوني يمكن ان يلعب دورا اساسيا في استمرارية وتقدم النظم الديمقراطية بصورة اكيدة.إن النظم الديمقراطية للانتخابات تؤمن بأن المجتمع يجب أن يشترك بصورة كاملة وفاعله في بناء الوطن، من خلال تحديد العناصر الأساسية للنظام الانتخابي والنظام السياسي المناسب في هذه الظروف العصيبة، وخاصة في المناطق التي تشهد تحولات معقدة، وذلك حتى تكون العملية الحالية مشروعة وتخدم عملية السلام والديمقراطية.

المشـاهدات 508   تاريخ الإضافـة 27/07/2021   رقم المحتوى 11732
أضف تقييـم