السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 31.95 مئويـة
إنتخاباتنا المقبلة والدرس الجزائري ((1991– 2002)) .. مقاربة الحالة
إنتخاباتنا المقبلة والدرس الجزائري ((1991– 2002)) .. مقاربة الحالة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب وليد الزيدي  مدير الادارة الانتخابية الاسبق في مفوضية الانتخابات
النـص :

" من لايقرأ التاريخ يبقى طفلاً صغيراً "  ..... شيشرون.. وأنا أُعيد للمرة الثانية قراءة كتاب (الاسلام السياسي وآفاق الديمقراطية في العالم الاسلامي) ، ولاسيما الفصل المتعلق بالجزائر (جذور الازمة الجزائرية) الذي كتبه غسان سلامة وديرك فانديل ، وجدت أنّ الأزمات التي مرت بها الجزائر في العقد الأخير من القرن الماضي مماثلة للعديد من الأزمات التي مر بها بلدنا منذ عام 2003 وحتى اليوم. لذا وددت أن أقف على أهمها ، ولاسيما في ما يتعلق بموضوعة الانتخابات ، عسى أن نستلهم منها بعض الدروس والعبر التي تُجّنبْ تكرار ما حدث في البلد الشقيق بين الأعوام 1991-2002. إنتزعت الجزائر الاستقلال من مخالب الاستعمار الفرنسي في عام 1962 بعد هيمنة استعمارية طويلة ، قضت  بعد ذلك ما يزيد عن 25 عاماً محاولةً أن تُثبّت أركان دولة ديمقراطية جديدة لدولة ذات سيادة. وعلى الرغم من أنها تمتلك ثروة نفطية كبيرة ، إلا أن عوائدها ضيعها سياسيوها ، بل سرقوها  أمام أعين الشعب ، ومن بين ذلك قيام وزير أول باتهام خلفه في نفس المنصب بسرقة 26 بليون دولار ، وكان يمّثلْ هذا المبلغ حجم مديونية الجزائر الخارجية وقد تم استخلاصه من عمولات بنسبة 10 في المائة على كامل إيردات الجزائر منذ الاستقلال.هذا الوجه من أوجه الفساد وغيره أدت الى أزمة حادة في الاقتصاد الجزائري تسببت في هجرة أصحاب رؤوس الأموال الى الخارج وإيداع أموالهم في بنوك خارجية ، كما أفضت الى تفاقم البطالة لدى الشباب والرجال حتى باتوا يعرفون بـــ " رجال الحائط"  وذلك لاعتيادهم الإتكاء على الجدران دون عمل.   وقد كان لهذه الازمات المتعددة ، أن قادت الى تظاهرات وثورة شباب تشرينية عام 1988 ، وفي إطار الاصلاحات لترضية المتظاهرين ، سُنْ الدستور الجزائري في عام 1989 ليقرَ التعددية الحزبية وينهي شمولية الحزب الواحد ، في حين تخّوفَ زعماء الدولة الجدد من إعتماد هذا النظام الذي من شأنه أن يجعل الدولة ضعيفة وعرضة للتدخلات والمناورات الخارجية – بحسب وجهة نظرهم - وقد بدا لهم أن الدولة القوية تستلزم الوحدة حول الإيديولوجية الوطنية ، وأن التعددية الحزبية في هذه المرحلة يمكن أن تؤول الى شكلٍ من أشكال الضعف ومسبب رئيس للنزاعات الداخلية ، وكان على الرئيس الجديد ان يستخدم صلاحياته لإعادة بناء المؤسسات السياسية والقيام باصلاحات في مقدمها السياسية والاقتصادية من أجل الخروج من المأزق السياسي ، فإتجهت القوى السياسية من أجل إنقاذ البلاد الى اجراء انتخابات نزيهة مقبولة من كافة الاطراف المشاركة فيها وقبل ذلك من الشعب الجزائري ، في حين تفجرت الأزمات المتراكمة مع إتهامات بتزوير الانتخابات النيابية عام 1991 عندما فازت فيها الجبهة الاسلامية للإنقاذ ، فأُلغيت نتائجها بسبب شكوك كبيرة بتزويرها وأسست الى أزمة الشرعية في الجزائر ، تدخل الجيش حينها ليقوم بانقلاب للسيطرة على السلطة ، نتج عنه إشعال حرباً أهلية دامت عشر سنوات تقريباً (عشرية سوداء) حتى عام 2002 . ولدى مقاربة الحالة الجزائرية بالحالة العراقية بعد عام 2003  ، نجد أن العراق كان قد خرج من ديكتاتورية إستبدادية لما ينيف عن ثلاثة عقود ونصف وأراد ان ينتقل الى دولة ذات سيادة بدستور دائم وبتعددية حزبية بدلاً من النظام الحزبي الشمولي والقائد الأوحد ، إلا انه غرق في الفساد والصراعات الداخلية ، والتنافر السياسي ، والتدهور الاقتصادي ، والشكوك بتزوير الانتخابات ، حتى إقترب من الحالة الجزائرية التي وصفناها آنفاً. خلاصة الحديث ، يمكن أن نستلهم من الدرس الجزائري بأننا لسنا بحاجة الى انتخابات لاتتوفر لها عناصر النجاح ، بل الحاجة ماسة الى اصلاحات شاملة في المنظومة الانتخابية وفي المقدمة إصلاح المنظومة القانونية للانتخابات ، تسبقها اصلاحات أوسع في مجمل العملية السياسية ، وتجنيب الانتخابات التوافقات السياسية التي هي تعبيرات تجميلية لمصطلح (المحاصصة) المقيتة ، فضلاً عن توفير بيئة أمنية مستقرة ، وإنشاء عقد اجتماعي / سياسي تحت إشراف شعبي ، ينص على قبول نتائج الانتخابات ( فاز من فاز وخسر من خسر) طالما جرت ضمن معاييرها الصحيحة وباشراف وطني عراقي محض دون الاعتماد الكلي على فرق دولية بهذا الشأن ، ولاضير في حضورها للمراقبة فقط ، ذلك أن الذهاب الى إنتخابات مبكرة تعد مجازفة قد تؤول بالبلاد الى الأسوأ بدلاً من أن تكون حلاً ، ولعل الدرس الجزائري أمام الأعين في متشابهات تؤشر على أن التاريخ يكرر نفسه (Historic Recurrent ) إذا لم تُستخلص منه الدروس والعبر.

المشـاهدات 614   تاريخ الإضافـة 31/08/2021   رقم المحتوى 12001
أضف تقييـم