السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
الروتين المعقد في الدوائر الحكومية ... معاناة لا تنتهي
الروتين المعقد في الدوائر الحكومية ... معاناة لا تنتهي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.د.حسين الزيادي جامعة ذي قار
النـص :


عندما يكون المسؤول أكبر من المنصب تجده متواضعاً منتجاً، وعندما يكون المنصب أكبر منه تجده مغروراً ظالماً أحمقاً متعسفاً، تلك قاعدة ادارية يقل الخلاف حولها، فالمسؤول الذي لايهتم لمراجعي دائرته يدخل بامتياز ضمن الصنف الاول، فترى عشرات المراجعين تتكدس في طوابير طويلة امام نافذة صغيرة، او يترك المواطن يعاني حر الصيف وبرودة الشتاء لساعات طويلة في اماكن متهرئة وهو يرقب حركة الموظفين خلف الابواب المؤصدة، في منظر بيروقراطي يعبر عن  تخلف وهمجية واذلال متعمد للمواطن، وتستمر حلبة الروتين في الدوائر الحكومية مع قبول وارتياح من اطراف اعتادت ان تعتاش على وجع المواطن ومعاناته، في حين يستطيع المواطن في الدول المتحضرة التي تحترم الوقت الحصول على أي مستمسك رسمي بأقصر وقت خلال مراجعة واحدة والسبب استخدام التقنيات الحديثة والحوكمة الالكترونية وحالما تنجز معاملته يستطيع استلامها عن طريق مكتب البريد، او يقدم المراجع معاملته وينتظر لأقل من الساعة ليستلمها كاملة دون الحاجة الى اختام وتواقيع وكشوفات ومقابلة المدير وتقديم الرشى والمعارف.انه من المخزي ونحن على اعتاب القرن الأول من الالفية الثالثة ان نلحظ عبارة (المراجعة من الشباك)، فأي اهانة هذه، واي امتهان لإنسانية الانسان، واي حكومة هذه التي تسمح بإهانة مواطنيها، اما عبارة (تعال باجر)، وهي العبارة الاكثر شهرة ورواجاً والتي اعتاد عليها المراجع العراقي فتنم عن عدم احترام للمواطن والوقت، وهي للأسف امتداد وارث سيء ورثناه عن النظام السابق، وهذا ليس روتيناً فحسب، بل فوضى واستهتار بوقت المراجع وإهانة لكرامته، اذ  ليس معقولا أن تتأخر معاملة يمكن إنجازها خلال يوم واحد الى أسابيع عدة، وليس هذا فحسب فغالباً ما يواجه المراجع ردود اخرى مثل (الموظف مجاز أو الأنترنيت متوقف أو لا توجد كهرباء.. الخ)، والألطف من ذلك عندما يترك الموظف مكتبه ليتوضأ ويؤدي الصلاة،  فمن غير المنصف ان نطالب المواطن بالإخلاص والمواطنة والشعور بالمسؤولية ونحن نتفنن في اذلاله لنجعله يراجع من الشباك،  وربما يقضي المواطن ساعات وبعضهم ايام عدة قبل أن تنجز معاملته لدى دوائر الدولة واحيانا نجعل منه يدور في مارثون روتيني طويل يقتنع خلاله بضرورة الدفع المالي لمعقبي المعاملات حفاظاً على صحته واعصابه .الحكومة مسؤولة عن وضع آليات تسهل المراجعة وان تخصص قاعات مؤثثة للمراجعين وان يتم استقبالهم وتوجيههم على اكمل وجه ولابد من اشاعة مبدأ غاية في الاهمية وهو: ان المسؤول والموظف في خدمة المواطن، وعمله ليس منة على احد فهو يستلم مرتبه كاملاً نهاية الشهر .انها مسرحية طال وقتها أشخاصها مجموعة من الموظفين الذين امتهنوا الكلاسيكية واصبحت شعاراً لهم، مبدعين في التزامهم بقانون (المراجعة من الشباك)، وغالباً مايتعلم الموظف قواعد هذا القانون في اسبوعه الأول من المباشرة، ويستمر محافظاً على أحياء مناسكه وطقوسه حتى يومه الاخير في الوظيفة، في وقت تعتمد فيه اغلب الادارات على العمل الورقي، وترى أسلوب الأضابير الكارتونية ودواليب القرن التاسع عشر تزخر بها دوائر الدولة، بالرغم من التطور الكبير في مجال التقنيات والتكنولوجيا الحديثة من حولنا بل أكثر من هذا فقد زادت صعوبات المراجعة  في الوقت الحاضر تعقيدا وكثرة الرسوم والأوراق وصحة الصدور المطالب بها وانتشرت الرشوة حتى صارت تؤخذ علناً، وصار الإقبال على مراجعة بعض الدوائر الحكومية  أمراً لايطاق .ولعل أهم ما يميز البيروقراطية كممارسة وسلوك هو إضعاف روح المبادرة والتصرف التلقائي القائم على توفير الخدمة للمواطن ، وإشاعة الركود والكلاسيكية، وشلّ التفاعل بين أجهزة الدولة المختلفة، حيث تزداد عزلة العديد من الوزارات والدوائر عن بعضها ، حتى وصل الامر ببعضها الى تبادل الاتهامات فيما بينها، لتبرير ضعف او قصور في توفير خدمة ما في مرفق معين.وفي ظل العجز عن مواكبة التطورات الإدارية والمؤسساتية في العالم، وتفشي الروتين والانظمة الورقية في معالجة قضايا المواطن وشؤونه لدى دوائر الدولة، نمت ظاهرة تعقيب المعاملات ، واستفحلت مع ترهّل الدولة، وانشغالها بالمحاصصة وتقاسم السلطة، ولأجل كسب الوقت، وإنجاز حاجته، غالباً ما يلجأ المواطن الى المعقب لتجاوز الروتين، حيث يرتبط المعقبون بعلاقات وثيقة بالموظفين في الدوائر المعينة، وطفح هذه الظاهرة مرتبط بالأساليب البالية في الإدارة.اننا مطالبون بايجاد باعتماد وسائل الترويج الالكتروني للمعاملات لما في ذلك من اهمية في توفير الجهد والمال وسد ثغرات مهمة للفساد المالي بشتى انواعه، لان الطرق البالية لم تعد تتناسب والتطور الكبير الذي شهده العالم ، فضلاً عن دورها في اضاعة الجهد والوقت والمال.ويبقى السؤال: متى يتم التخلص من هذا الروتين القاتل في دوائرنا ؟،ومتى تدخل الاليات الحديثة في انجاز المعاملات الرسمية؟ واين نحن من الحوكمة؟  ومتى يؤهل الموظف لتحسين أدائه وطرق معاملته للمواطن، نحن بحاجة الى تأهيل الموظف الحكومي، فنادراً ما نسمع عن موظف التحق بدورة تدريبية، وان التحق فلا تعدو كونها دورة شكلية لا تؤتي اكلها ، فقد يكون الجهل سببا في تعقيد سبيل المراجعة ، لذا يتوجب على كثير من الموظفين المشاركة بدورات تأهيلية تمكنهم من أداء واجبهم الوظيفي على أحسن وجه وتعلمهم طريقة التعامل مع المواطن بموضوعية وحيادية وبأخلاق دمثة، فالوظيفة هي امتياز اجتماعي واقطاعية دائمة لبعض الموظفين يجد فيها فرصة لفرض سطوته وسلبياته وحتى أزماته الشخصية والعائلية، والمواطن هو الضحية، ومن الضروري اتباع الطرق الحديثة في ادخال البيانات واستخدام الحاسوب واختصار المنعطفات غير اللازمة التي تجري فيها معاملة المواطن فهو يبدأ بورقة طلب بسيطة ، تتكاثر لتصبح عدة ملفات تحوي اوراقا وكتبا رسمية مختومة وملونة ومرفقة بأوليات لا حصر لها ناهيك عن مستمسكاته الاربع، وهذا يتطلب عدة مراجعات وانتظار وتأخير وصحة صدور ومالى ذلك.ان الروتين الممل والمعقّد ليس من الضروري ان يرتبط  بالموظف فبعض النظم الادارية بحاجة الى اعادة نظر بالشكل الذي يقلل من التعقيد والروتين، وهذا ما يشكو منه المراجعون عند إجراء معاملاتهم الرسميّة في الدوائر الحكومية، على الرغم من إدخال النظام الإلكتروني إلى عدد كبير منها.ان من حق المواطن ان يعامل بأسلوب حضاري وتحترم طلباته القانونية ويعمل على إنجاز معاملته بدقةٍ  وباسرع وقت ، فالمواطن ليس ملزماً أن يتحمل الانتظار حتى ينتهي الموظف من فطوره وليس ملزماً أن يتحمل مرارة الانتظار والمدير (لديه اجتماع) بانتظار توقيع بسيط أو عبارةٍ صغيرة يكتبها ليس فيها غير (حسب الأصول)، كما ان الظاهرة تحتاج إلى تنفيذ اجراءات صارمة بحق كل من يثبت تورطه في تأخير معاملة المواطنين وبكافة دوائر الدولة.

المشـاهدات 969   تاريخ الإضافـة 18/01/2022   رقم المحتوى 13322
أضف تقييـم