الأربعاء 2024/4/24 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 31.95 مئويـة
العراق ومنظمة التجارة العالمية.. بين مسار الانضمام والواقع الزراعي
العراق ومنظمة التجارة العالمية.. بين مسار الانضمام والواقع الزراعي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د.حيدر عبدالامير الغريباوي
النـص :

منظمة التجارة العالمية واحدة من أصغر المنظمات العالمية عمراً حيث نشأت 1995على خليفة الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) العالمية في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وتتألف المنظمة من أعضاء أصليين، وهم الأطراف المتعاقدة التي وقّعت على ميثاق مراكش والاتفاقات التجارية الملحقة به عام 1994، وقامت بالتصديق عليها وهي أكثر من 140 عضوا يمثلون أكثر من 90% من التجارة العالمية ، بينها حوالي (85) دولة نامية.ومنظمة التجارة العالمية هي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة بين الأمم، ومهمتها الأساسية هي ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية، وبكميات محددة ومعروفة، والسيطرة على المنازعات المتعلقة بالتجارة، ومراجعة السياسيات القومية المتعلقة بالتجارة، ومساعدة الدول النامية في المواضيع المتعلقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب، والتعاون مع المنظمات الدولية الأخرى. وبهذا السياق، فقد تضمنت الاتفاقية العامة للتعريفات الكمركية أحكاما خاصة تأخذ بعين الاعتبار توازنا ضروريا بين حماية الإنتاج المحلي وزيادة معدلات التجارة الدولية. وتضمنت اتفاقيات منظمة التجارة العالمية حول تحرير التجارة الدولية للسلع الزراعية مجموعة من الأحكام نوجزها فيما يلي:

* تخفيض القيود الجمركية. 

* فتح الأسواق أمام الواردات، تخفيض دعم الإنتاج.

* التزام الدول المتقدمة بتخفيض قيمة الدعم الكلي بمقدار معين خلال فترة محددة.

انسجاماً مع مقتضيات المرحلة الآنية ضمن التحول التدريجي الذي يشهده العراق في سياسته الاقتصادية والانتقال من الاقتصاد المركزي الموجه إلى اقتصاد السوق، قرر الانضمام الى منظمة التجارة العالمية  ففي 11 شباط /عام 2004 قدم العراق طلب الانضمام بصفة مراقب في منظمة التجارة العالمية وحصلت موافقة المجلس العام على قبوله.وبالنسبة للعراق فقد حاول إصلاح هذا القطاع عن طريق إدخال تعديلات عديدة على السياسة الزا رعية، إلا أنها لازالت تعاني من التبعية الغذائية بالرغم من الإمكانيات التي تمتلكها، ويعد العراق مستوردا صافيا للمنتوجات الزراعية.يعد قطاع الزراعة في العراق رهين الظروف المناخية، كمأ أن قيمة الدعم الحكومي له لايتجاوز 1.1 %، وبالتالي أي اتفاق إلغاء الدعم ستترتب عنه أثار سلبية وخيمة خاصة على المدى القصير، حيث يترتب على انضمام العراق إلى المنظمة العالمية للتجارة، دخول منتوجات زراعية أجنبية  للحبوب إلى السوق العراقي، بسبب عدم قدرة المنتجين المحليين على تغطية الطلب المحلي، وتجعل المنتوج المحلي غير قادر على المنافسة.وفيما يخص القيود الجمركية تشترط المنظمة العالمية للتجارة على الدول الأعضاء الغاء كل القيود على وارداتها الزراعية واستبدالها برسوم كمركية ، وعليه فان انضمام العراق إلى المنظمة يترتب عنه انعكاسات سلبية مباشرة على القطاع الزراعي نظراً لإلغاء الدعم على السلع الزراعية، اذ يؤدي الغاء سياسة دعم المنتجات الزراعية المتبعة في الدول المتقدمة المصدرة للمنتجات الغذائية إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي زيادة المبالغ المخصصة لاستيراد تلك المنتجات ، وهو ما يشكل عبأ على ميزان المدفوعات.القطاع الزراعي الذي يضم ثلث سكان العراق وحوالي 22% من قوة العمل الفعلية يسهم في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة لا تتعدى 5-7% في احسن الاحوال، مما جعل البلاد شبه مستورد ولا تمتلك المقومات الكافية لتوفير الامن الغذائي من الحبوب او مستلزمات الانتاج الزراعية بعد تقلص المساحات الزراعية المنتجة بفعل التصحر والتملح والبنية التحتية الضعيفة فيه التي تغلب على تعطيل اكثر من 80% من الاراضي القابلة للزراعة.ان العالم يعيش في احتكارات زراعية، مما يشكل تهديدا حقيقيا للأمن الغذائي، ما لم يسبقه برنامج زراعي للاكتفاء الذاتي والعراق سيكون بحاجة الى ثورة خضراء على غرار ما قامت به المكسيك والكثير من بلدان اميركا اللاتينية، خصوصا ان هنالك ما بين 3 الى 6 شركات احتكارية كبرى في العالم تسيطر على 80 – 90% من تجارة المحاصيل الزراعية والتحكم بالأسعار والكميات مثل الحنطة والسكر والشاي والقهوة والقطن والجوت وغيرها من المنتجات، في وقت مازالت تهيمن عشر شركات متعددة الجنسيات على ثلث انتاج البذور والمبيدات وتجارتها في العالم.فضلاً عن اعتماد العراق على الأسواق الخارجية في توريد معظم مدخلات الإنتاج من مكننة زراعية ومبيدات وأسمدة وبذور محسنة ويتعذر الحصول عليها لاعتبارات مالية وفنية وارتفاع أسعارها، فضلاً عن إحجام الشركات العالمية على تصديرها للعراق تحت مبدأ حماية حقوق الملكية الفكرية فضلاً عن ضعف القدرات التنافسية للمحاصيل الزراعية في الأسواق المحلية مقابل السلع الزراعية المستوردة، إذ تمتاز اغلب السلع الزراعية الوطنية بارتفاع أسعارها نتيجة لارتفاع تكاليف إنتاجها ورداءة الجودة.في حالة انضمام العراق إلى منظمة التجارة العالمیة وما یترتب على ذلك من الالتزام بمبادئ وأحكام اتفاقیة السلع الزراعیة التي تتضمن الغاء الدعم للمنتجين الزراعيين والمصدرين فضلاً عن تحویل جمیع القیود وغیر الكمیة إلى قیود كمیة، ومن ثم الإلغاء التدریجي للرسوم الكمركية، كل ذلك سیترك آثارا سلبية في الاقتصاد على مدى قدرة الحكومة العراقية في تأهيل وتطوير هذا القطاع، وزيادة القدرة التنافسية في السوق الدولية. ويمكن حصر أهم التحديات في النقاط الآتیة:

تحديات في مجال تجارة الحبوب والامن الغذائي

في ظل تراجع أداء القطاع الزراعي بعد عام 2003 تراجعت صادرات السلع الزراعية وارتفعت الواردات منها، وبخاصة الحبوب. ومع ارتفاع معدلات النمو السكاني الذي يقدر بحوالي % 3 حاليا، والانخفاض في النمو الزراعي فقد بقيت معدلات استهلاك الغذاء مرتفعة وفي ظل الانفتاح الاقتصادي غير المنضبط بعد احتلال العراق عام 2003 غزت السوق المحلية أنواع مختلفة من المنتجات الغذائية وبات السوق العراقي يستقبل أغلب احتياجاته الغذائية من دول الجوار، حيث يعتمد العراق بشكل متزايد على الصادرات النفطية في ميزان المدفوعات، فضلاً عن أنه المصدر الوحيد للعملة الأجنبية الداخلة للبلد، وتمويل الموازنة العامة للدولة .وعليه يعتمد البلد في تمويل وارداته الغذائية على الصادرات النفطية .لذا يقف العراق بين أكثر البلدان اعتمادا على استيراد الغذاء وأدى تبدل أنماط الاستهلاك ورفع العقوبات الاقتصادية إلىزيادة الطلب على الواردات إذ زاد الطلب على عدد كبير من الأغذية والمنتجات الزراعية التي لا تتوافر لها بدائل محلية أو أن الظروف الطبيعية لا تسمح بإنتاجها، أو بسبب الاثنين معًا، وهذا ما قد يؤدي الى تحقق الحرمان الغذائي للعديد من المواطنين.

تحديات في مجال التجارة الخارجية

يلحظ ان العراق يعد من الدول المستوردة الصافية لمعظم السلع الزراعية والعراق غیر قادر على تلبیة الاحتیاجات المحلیة و تحقیق الاكتفاء الذاتي على الآقل في الآمد القصير بسبب تدهور القطاع الزراعي، وبالتالي فأن من المتوقع أن تستمر الاستيرادات من السلع الزراعية نتيجة لتخفیض الدعم المحلي للمنتجین الزراعيين والصادرات في الدول المتقدمة، فضلاً عن الانخفاض المتوقع في إنتاج السلع الرئیسة في الدول الصناعية المتقدمة بسبب انخفاض معدلات الحماية، فمن المتوقع أن ترتقع الاسعار العالمية للمنتجات الزراعية مما يلحق أضراراً كبيرة بالمستهلك الحلي في العراق، ان الغاء الدعم الزراعي في الدول المتقدمة وما يترتب على ذلك من ارتفاع في الاسعار العالمية للمنتجات الزراعية يؤدي بالنتيجة الى زيادة في النفقات على استيرادات السلع الزراعية مما يحمل الميزانية عبئاً اضافياً خاصة وان الطلب على هذه السلع غير مرن في ظل محدودیة الإنتاج المحلي من السلع الزراعية، وينعكس هذا الوضع بالدرجة بالأساس على القدرة الشرائية لمحدودي الدخل.تحديات في القدرة التنافسية للمصنوعات من خلال مقارنة السلع المحلية لمثيلاتها الدولية : اذ ما تزال المنتجات العراقية تتميز بانخفاض كفاءتها وارتفاع اسعارها وبعيدة عن تطبيق انظمة ادارة الجودة ما يعرف(ISO)، فضلاً عن مدى عمق تحرير التجارة واهمية الصناعة بالنسبة الى الاقتصاد العراقين، فالعراق يعاني من تخلف كبير في قطاعاته الاقتصادية وبشكل خاص في القطاعين الصناعي والزراعي، فضلاً عن نمط التصنيع المعتمد (احلال واردات– تصنيع للتصدير) حيث اعتمد العراق في فترة ما قبل عام2003 على ستراتيجية تعويض الواردات وراء حماية كمركية عالية وسيطرة للدولة على قطاع التجارة الخارجية .أن لتحرير التجارة الزراعية في ظل منظمة التجارة العالمية اثار أكثر سلبية وتعقيداً خلال الأمد القصير والمتوسط على الاقتصاديات الزراعية للدول النامية بشكل عام والعراق بشكل خاص بسبب جمود الانتاج الزراعي فيها من جهة وعدم القابلية على المنافسة الدولية من جهة أخرى اذ ان الغاء أو تخفيض الدعم والحماية وتحرير الأسعار يتطلب شروطا أساسية هو وفرة الانتاج وجودته ووجود فوائض تصديرية مناسبة وهذا ما لا تتمتع به أغلب الدول النامية ولا سيما الدول العربية ومنها العراق.مسألة الانضمام من المسائل الهامة ذات الآثار المحتملة على كافة القطاعات دون استثناء، ومن ثم يجب أن لا تكون حبيسة أروقة الحكومة أو الرئاسة، فالأمر يتعلق بمستقبل البلاد بل أكثر من ذلك بسيادتها، وعليه فإن انضمام العراق إلى منظمة التجارة العالمية لن يتحقق دون مراجعة عميقة وجذرية للسياسية الاقتصادية المتبعة للخروج بخلاصة حول ما قد يتقرر في هذه المسألة فالانضمام عملية ليست باليسيرة، بل تتمخض عنها تنازلات والتزامات تغير النظام التجاري  للبلد المرشح للعضوية. 

المشـاهدات 779   تاريخ الإضافـة 04/06/2022   رقم المحتوى 14536
أضف تقييـم