الجمعة 2024/3/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
الفساد المنظم
الفساد المنظم
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

يبدو واضحا ان الفساد المستشري في مفاصل الدولة على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والمؤسساتية يتأكد للمتابع انه فساد منظم ومخطط له بطريقة يصعب كشفها. المفارقة ان هذا التنظيم المبرمج للفساد لا يقابله تنظيم في الحياة العادية والتي هي عبارة عن فوضى في كل شي ‘ في الشارع وفي الادارة وفي العقل وفي المنهاج وفي الانحرافات وفي الاخلاق والذوق والمال والعلاقات وتشويش في الاعلام ومواقع التواصل واستهتار في النهب وشعارات التباهي وتداخل المعايير والانحرافات وتشوهات في الكثير من المظاهر العامة وسيطرة القيم المشوهة على المشهد العام. نتصارع على مفهوم الحزب والقبيلة والانتماء والعرق والاصل والفصل ونتدافع سلبيا في الحصول او الوصول للمواقع او المناصب حتى من دون كفاءة حقيقية.

هذا الانشطار والتناقض في معايير المجتمع بين كونه مجتمع منظم في الفساد ولكنه مفرط في الفوضى ‘ عندما يتعلق الامر بالحياة العامة ودوره في الشارع والمدرسة والعمل والحي ‘ وعدم الانضباط في قيادة السيارة واحترام الطريق. الاغرب من ذلك ان يرتفع منسوب الذكاء في دوائر الفساد وينخفض الضمير وتطفح السلوكيات والعاهات المرضية في ذات الدوائر. حتى تصبح النظافة الاخلاقية والنزاهة كما لو انها عاهة على صاحبها ويتحول الانحراف الى ظاهرة طبيعية ( عادية ). ويبدو النزيه على انه ظاهرة غريبة ونادرة. من هنا فقدنا بوصلة الطريق والاتجاه ‘ فأصبح الكاتب والصحفي والسياسي ومقدم البرامج والواعظ يميل ( حيثما تميل مصالحه وجيبه تارة هنا وتارة هناك ).  ومن خلال ذلك تكثر الايدي الطويلة والاعين القصيرة .لا يحصل الفساد بطريقة مفاجئة لان الفساد قبل كل شي هو اخلاقي وعقلي وثقافي  وبذوره  كامنة في انتظار اي فرصة . حتى تحول مع الوقت الى مفهوم اجتماعي وسياسي لذلك عندما لا توجد سكة نظيفة ولا قطار ولا بوصلة يتيه المجتمع. المجتمعات الحية تتغير وتكبر بوعيها وطموحها. لكن ما حصل لدينا هو وجود فراغ معرفي وثقافي وهذا الفراغ شكل محورا اساسيا من محاور الفساد الاخلاقي. كيف يمكن قيادة مجتمع من دون وعي وثقافة ورصيد معرفي كحماية ومصد من الفساد العقلي الذي هو باب لكل انواع الفساد الاخرى. دائما البدايات الخاطئة تقود الى نتائج خاطئة ‘ لم يعد الفساد قضية اشخاص بل تحول الى مؤسسات ومراكز ثقل وقوى حتى تغول وتوغل في شرايين المجتمع واستفحل على كل مرافق الحياة الاقتصادية والاعلامية والثقافية. اللصوص يسرقون الناس مرتين مرة عندما تشاهدهم يتحدثون عن الاخلاق والنزاهة والدعوة الى العدالة وانصاف الفقراء ومرة عندما يسرقون مال الدولة وحق الضعفاء.بعض الشرائح المستفيدة من الفساد تريد تعميق وتوسيع دائرة التطبيع مع الفساد من خلال الترويج لفكرة ان الفساد لا يمكن القضاء عليه وغير ذلك من هذا الهراء والدعوات الكاذبة التي غايتها ليس نهب الدولة فحسب وانما تخريب وتشويه كل قيم المجتمع.

المشـاهدات 301   تاريخ الإضافـة 29/11/2022   رقم المحتوى 16255
أضف تقييـم