السبت 2025/12/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 9.95 مئويـة
نيوز بار
الشاعر بد المنعم حمندي في الإدريس والهدهد
الشاعر بد المنعم حمندي في الإدريس والهدهد
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

فيليب أبو فاضل

 جبيل لبنان

الشعر إن لم يكن تعبيراً عن حالات فيها الواقع والحسن والشعور والخيال لا يكون شعرا، بل نظماً يجوز أمثلة لتعليم التلاميذ.

 والتعبير الشعري ليس فرضاً بقصيدة عمودية أو بقصيدة التفعيلة وبما أطلقوا عليه قصيدة النثر" أو القصيدة الحرة، متناسين عناصر الشعور والتعبير واعلان الحالات النفسية أو حق الخيال في الإبداع.

ولعل من أهم مرتكزات النقد السابق، هو اننا لم نعتد الغناء الأوبرالي، الذي أكد تلحين الكلام المنثور وغناءه.

وطالما ان الشعر تعبير عن واقع واحساس وشعور وخيال، فلا بد من أن نحاسب الشاعر على سرده الواقعي وبيانه الخيالي وجودة صوره ونقائها وحسن مزج الوان صور قصائده.

وعبد المنعم حمندي استحق صفة الشاعر في ديوانه "الإدريس والهدهد"، فقد أحسن إدخال القص أو السرد الى قصائده، فتعلم إيماء إلى ماذا يرمز، وقد أكثر الإشارات الى الرسالات الإيمانية، ولم ينس اننا نعيش في مكان وزمان وبقي هو نفسه الراوي والمحاور والواصف، والمتنقل بسهولة بين المتكلم والمخاطب والغائب، كما أنسن الحيوان وحرك الجماد ومارس الرمزية والإستعارة والتشبيه.

وله القدرة على الإنتقال في القصيدة الواحدة بين الماضي والمستقبل، ولا اقول الحاضر، لأن الحاضر افتراض كإفتراض النقطة ملتقى خطين، والحاضر يصبح من الماضي ما ان تخط حرفاً في كلمة لتنتقل الى الحرف اللاحق به.

في ديوان الإدريس والهدهد نقرأ شعراً، وذكريات خلقها الخيال وصاغتها الأحلام واعطت آدم الكثير وفيه الذكر والتامل وروح بغداد التي مجّت الغزاة، وروح مذبوح وليل طويل لا يأتي فجره وللون المشرد سر غامض وفيه تشاؤم ويأس فيرسم الموت ملاذاً والأوضاع شكوى والأفاعي تفخ في التوابيت الكثيرة والعبثية تعشعش والثور يدور والدبابير تهاجم ويتعاظم الخوف على بغداد وفواجع التحقيق فلا ترى غير الفجائع في المدائن والقرى والنار تزفر والألم يتعاظم والوطن يؤلم والشمس في حيرة وإغتراب والضياع يعم ونحن في احتراب عقيم والخداعون يتخفون بحمل وديع والخوف من المخفي يسيطر ، وهم العراق الجريح والعراقيون في فرقة وهل من موت وديع؟ سؤال يقلق طارحه ولا يحار جواباً فيقرر "فلا  شيء يبقى وفلك الزوال يدور" أثمة موت وديع والغدر يدعو الى تهيئة الرأس للقطع، ويبقى الدجلة أحلامها فتصحو نصف صحوة، عين تراقب وعين تنام وهي كئيبة تسأل وتتساءل: "لماذا أضعتم بلاداً"؟ ولا تغيب ذكرى طارق الفاتح رافع الرايات فاتحاً الأندلس، ويبدي الحنين الى أيام العز والفتح، بينما اليوم للمرابطة في وطن مثقل بالجراح مصلوب

على جذع قرن، والذكريات تصطدم بالعبثية "فما في المدى غير عفن وريح سموم"

 والى العبثية تنضم السلبية : "ليس في الشمس ما يرتجى"، "ليس في الريح من أمنيات"، "ليس من أمل بحذف الراء من لعبة الحرب، أو يحذف الباء منها

يسوع"

جميلة هذه اللعبة اللغوية.

وفي "باب الرجاء" دعاء جعله المدعو مستجاباً فيه تورية مستحبة ، فلم يذكر اسم من يقدم له الطلب ويدعوه ولكنه ينهي بثقة تامة

"فدعوت الذي لا يخيب الرجاء

إذا ما دعوت استجاب"

والشاعر لا ينسى ألم الوطن المدمى، ويشتد شوقاً للعودة اليه بعدما تعب من البعاد إلى وطن تأبى الشمس أن يؤاخيها سواه.

صور نقية تحكي حنين من اضطر ان يبعد عن وطنه وتصور شوقه وتصميمه على العودة، الوطن الذي آخى الشمس الطريق اليه صعب لأن "الطريق الى الشمس ضيقة". ويحسن الشاعر صوغ المتناقضات، فمناديل الدموع تستهل بالغناء والزنبق يزرع في الشوك، وفي الشوك الحياة، وفي نظرة عبقت بالحزن صار يرى الوطن يتلون بجلد افعوان ويتقيء الخراب والمحن والجثث تطفو على الماء والسؤال المر: جثث النهر أراها أم أرى الموت وقد صار "وطن"

العراق وبغداده" قاعدة العلم والأدب والشعر أمسى محتلاً مصلوباً لا على ثابت بل على متحرك: " على جذع قرن"، برع الشاعر في تصوير الألم والأسى، وقارب الأمثال المعروفة سابقاً، كمثل المستجير من الرمضاء بالنار فأورد كالمستجير من الغيظ بالنار"، واستذكر يوما الحشر والنشور والسماء والندور بإبداع لا يعرف التصنع شاكياً صالبي الهواء والرؤى المعتمات والعبثية " فما في المدى غير عفن وريح سموم وليل على شكل يوم، فاستجمع في قصيدة: "الصلب"، كل الام العراق، جراء الظلم والحرب اللذين لحقا به غير انه بقي مصراً على اثبات موقفه القائل: "وأرابط في وطن مثقل بالجراح قسم الوحش اعضاءه" في إعطاء صفة للمحتل، فاستبدل اسمه باسم "الوحش" ويتابع رسم السلبية إذ ليس في الشمس ما يرتجى" ليس في الريح من أمنيات ليس من أمل، ويكرّر "ليس" حتى أنه جعل من الكلمة عنوان القصيدة ويتألم الشاعر ويثور لألم وطن مجروح رافضاً ما هو فيه راسما آلامه "وما من صباح يطل" غير أنه من " باب الرجاء" عائد الى الدعاء: فدعوت الذي لا يخيب الرجاء. إذا ما دعوت استجاب"، وطن رغم آلامه ينشر أشرعة الحنين ويؤاخى الشمس فالشمس تأبى أن يؤاخيها سواك".

عبد المنعم حمندي يمنهج القص أو السرد مازجاً الواقع المرئي بالعاطفة ملتفتاً الى السماء ليقول: إن هذي السماء تضلل وجهتي يلتقيان

وراء انتباهة فجر

يماهي الصليب بظل الصباح فكيف يشبه فيه يسوع

ويجمع في البيت الواحد المتناقض: "الدموع والغناء"،

"الشوك والحياة"

 ومناديل دموع تستهل بالغناء

بزرع الزنبق في الشوك

وفي الشوك الحياة

ويبقى ألم الوطن حافراً عميقاً في نفس الشاعر :

جثث تطفو على الماء

 وفي القاع الفتن

جنة النهر أراها أم أرى الموت

وقد صار وطن

ومع ألم الوطن أهو هروب من الحياة أم وجع متملك ويتابع الشاعر طرح الأسئلة مستهلأ بها القصيدة ما يربك القارئ حيرة في الجواب، ويرسم القمر المذبوح والشمس السائلة وكأنه يسأل عن جثث النهر التي رآها:

أرايتم نهرا يأكل لحم بنيه

وتسيل الشمس على الضفتين وتأويه؟ ارايتم أشجاراً تسقى بدماء الزراع

وإذا تابعناه في" ما لم تقله الرؤيا" وجدناه يتابع تساؤله معطياً صفات جديدة غير مألوفة، فالنهارات ثكلى، والنار سماء وسحباً تغسل ذنوب النار وزوابع خرساء.

ومن قصائد الشاعر حمندي ما يستهل باستغراب إخباري او يختم بس

يختم بسؤال تعجبي أو بحكم يصدره على من لا يرى ما هو يرى:

فمن مثلي

وهذي الريح

عزف الناي، أغنيتي

واحزان الهوى سلمى

فمن يرتاب في شمس غراب جاحد أعمى

وخلاصة القول أن عبد المنعم حمندي يعيش في واقع يصوره واقعا اليماً بعيداً عن الماضي الجميل ما يجعله كثير الأسئلة في سرد جيد للواقع وشعور عميق ناتج عنه وأسف على حالة الوطن مستمد من المواقع ما يجعل شعره متحركاً ومكابدته عميقة ويبقى هو  هو رساماً لواقع ممزوج بالعاطفة والحس الشعري التصويري والحداثة في التوصيف والرؤية الإنسانية للمآسي الحالّة بأوطاننا العربية ولا سيما العراق ونهره وهو متشبث بالأصول ما يجعلنا نتذوق هذا المزيج المصهور بانسجام ما يجعل القارئ يقر بعبقرية شعرية وتجربة انسانية حسنة التصوير وبواقع ممقوت جراء ما لحق بأوطاننا من ظلم وعدوان فنقول ان تجربة حمندي الشعرية تستحق التقدير.

.......................................

أرجو الاهتمام بتصميمها كمادة رئيسية

المشـاهدات 830   تاريخ الإضافـة 19/03/2023   رقم المحتوى 16953
أضف تقييـم