أضيف بواسـطة addustor

اسماعيل ابراهيم عبد

الكاتب جمال جاسم أمين معروف بين المثقفين العراقيين باتساع نتاجه وتنوعه كمّاً وجودة , فضلاً عن حضوره الفاعل في أغلب المؤتمرات واللقاءات الثقافية والمعرفية العامة , وبكتابه (الحرب تكره الجسور)( ) يقدم لنا فناً يتراوح بين القصة والشعر والمذكرات , بزعمه ان تلك شهادات , وهي كذلك لكنها أدبية من جانبيها الثقافي والجمالي . هي كتابة عن الوسيط الفني بين الجمال والفكر , عبر التجارب الشخصية وتجارب من أحاطوا بالكاتب مكاناً وزماناً وروحاً..

في الكتاب متجهات عديدة , لعل أبرزها يحتفي ـ غرضاً ونموذجاً ـ بالآتي :

1 ـ تغليب النموذج الكتابي العاطفي المقنع على الانفعال العذب غير المنتج .

2 ـ تحييد النظرة الى حياة وفكر ونماذج معلميه من الشعراء والمفكرين , من الرواد والمحدثين.

3 ـ عدم تقيده بنموذج ايديولوجي (ما) , ولا بمنهج بعينه تماشياً مع التفكير العالمي للكُتَاب الأحرار.

4 ـ لم يتقيد بنموذج فلسفي أُحادي , ضماناً لحرية الكتابة وانصافاُ للرؤى الجمالية الخاصة بجودة الاسلوب , على الرغم من انه اسلوب فلسفي مخفف البلاغة .

5 ـ جمع بنموذجه الكتابي ـ هنا ـ بين لهفة الشعر , وصدق التاريخ , وروحية المكان , وتصاعد زمن الكفاف والحرمان والاضطهاد , بخليط نثري يشبه الرؤى المنفتحة على ترحيل الماضي الى المستقبل بلحظة الحاضر , وسحب المستقبل نحو لحظة حاضر شكوكي الوجود.

6 ـ استحكم بثقافة المكان ليستجلي حكمة انزال الثقافة والفكر والشعر الى الذائقة والثقافة والروح الشعبية.

في النماذج القادمة منتقيات من كتابه , يتجلى عبرها نحته (الأُسلوبي ـ الثقافي) , الذي يأخذ بالتساوق الآتي :

أولاً : الشعر والشهادة

لنقرأ :

[إن الشعراء - عموماً – يُضمّنون جزءاً من تحولاتهم الذاتية في قصائدهم فتغدو شهادات شعرية بعد ان تذوب في مصهر الشعر و لكن يبقى جزء آخر من هذه التحولات / الأحداث الفاصلة لا يريد ان يعانق مثل هذا الذوبان بل يتماسك بصلابة وقائعه و أمكنته خارج الشعر و لذا فأن الكتابة الأخرى / الشهادة / الكتابة المفتوحة تشكل ميداناً لاستدراج ذلك العصيّ أو المهمل في أغلب الأحيان . هكذا أجدني كتبتُ عدداً من الشهادات والرؤى و وجدت انها تتضمن شيئاً بدرجة الشعر و لا أقول الشعر ذاته ] ـ الكتاب , نسخة الكترونية.

ـ انه بهذه القطعة يطرح ثلاث مسائل أساسية , شعرية الشعر , وفكرية النثر , ومعرفية الفهم .

ـ يحاول اثبات ان لا قوانين صلدة ولا شروط حديّة في الكتابة.

ـ الشروط الأساسية في العمل الفني شروطاً معنوية , تخص الشغف والاقناع والسيطرة على التعبير.

ـ هدفه الحقيقي يتضمنه قوله : الكتابة تتضمن شيئاً بدرجة الشعر ولا أقول الشعر ذاته.

ثانياً : زوايا الصورة

لنقرأ :

[أن الصورة لحظةٌ واقفة في زمن يجري وأن المصورين يستطيعون اقتناص برهة من الزمن أو إيقافها عندما يضغطون على أزرار كاميراتهم .. يفعلون ذلك لتخليد شيء ما في هذه اللقطة أو تلك] ـ الكتاب , نسخة الكترونية .

ـ في هذا المقطع يوجه اهتمامه الى قضيتين , هما المصور والصورة , وهو (برؤيته) يجعل الصورة تقود المصور .

ـ ان لحظة الصورة هي اقتناص الشكل (الغافل والغامض والبعيد) , الذي  يومئ بالسرد دون الشكل والماهية .

ـ زوايا الصورة لا تتجاوز تخليد اللحظة , وعمقها تشكيك بالبصيرة , دون الوثوق بأركانها المادية.

ـ لن يتغذى المصورون الا بفضيلة صنع حيرة عجائبية لخلود الزمن .

 

 

 

ثالثاً : كتابة الحلم

لنقرأ :

[أصبح الآن واضحاً أنَّ المسافة بين المسميات تضيق وأنّ العلاقة بين أن نكتب أو نحلم علاقة أكيدة , بل إن كبار الكتاب يمارسون عملاً ملتبساً : الكتابة بقصد الحلم أو الحلم بقصد الكتابة] ـ الكتاب , نسخة الكترونية.

ـ المقطع يصيّر جدوى جمال الكتابة بُعداُ عيانياً بين حدي المسافة بطرفيها الحلم والحلم . ـ ولأجل زيادة الالتباس ـ ولو انه يدعي التوضيح ـ يجد ان التفريق الحاد بين الحقول المعرفية والفنية تكاد تلغى تماشياً مع التنافذ الاجناسي على ما نفهمه!.                       ـ المشكلة التي تعترضنا ـ كمتابعين ـ هو الفرق الكبير عملياً بين الحلم والكتابة كونهما ليسا مادة واحدة , فهما مادة لا متجانسة ولا متقاربة إلَا في تفكير الأديب ..                    وماذا عن الشعب ومدى ادراكه المعرفي؟                                  

ـ ثمة شك كبير بالمتلازمة (الكبار والكتابة) , من هم الكبار , واي كتابه تلك التي تخصهم دون غيرهم؟. 

رابعاً : توثيق المكان

لنقرأ :

[المكان ليس فراغاً صامتاً كما كنا نتوهم .. ربما يرجع الفضل إلى (باشلار) الألماني الذي نبهنا جميعا عبر كتابه (جماليات المكان) إلى ضرورة تصحيح معتقداتنا حول الأتربة والغرف الطينية التي مكثنا فيها ردحاً من الزمن دون أن نأبه بأشباح المعنى , التي تطوف حولنا دون أن نراها] ـ الكتاب , نسخة الكترونية.

ـ المكان ليس فراغاً صامتاً كما كنا نتوهم : ان التوهم مزدوجاً من وهم المكان كونه فراغاً , ووهم المكان ككائن صامت.. ولوكان الوهم صادقاً فان المكان حال مصنوع           لا غير.

ـ  (باشلار) نبهنا جميعاً عبر ضرورة تصحيح معتقداتنا حول الأتربة والغرف الطينية. هل حقاً هو من نبه الى ذلك , وهل هو ظل مصدراً صادق الرؤية حتى الآن؟                أشك بذلك . وهل ان باشلار أخذ عيّنة المكان بمثل ما افترضها الكاتب كأتربة وغرف طينية؟ ربما نعم وربما لا!

ـ (الأماكن) التي مكثنا فيها ردحاً من الزمن دون أن نأبه بأشباح المعنى , تطوف حولنا دون أن نراها. أليس هذا أدباً لا يخضع للسؤال المعرفي؟ أليس هذا عاطفة ذاتية مطلية بمقولات تهيم بحب تلك الأماكن الطاردة؟

خامساً : لصوص جدد

لنتبصر بالآتي :

[يوم احتدم الضجيج في الساحات العامة خرج الناس بأثوابٍ شتى .. الأموات من مقابرهم الجماعية يطالبون بأخذ الثأر والمفصولون من الوظيفة يسألون عن المصائر وهنالك من يزعق بلا رحمة لا يريد سوى أن يطرد الشعراء من هذه المدينة] ـ الكتاب , نسخة الكترونية

* نرى ان الكاتب قد استجمع شجاعته وحكمته ليقرر ان لا شيء يحدث لا أحد يُجدد , ترى لماذا؟ ..

* بظننا ان الكلام يفتح الفهم الشعبي والسياسي على ظرف البلاد بُعَيْدَ 2003 , وربما لو كتب كتابه بعد 2023 لكان خطابه :

سيتمر الضجيج حتى هروب لصوص الماشية الحكام . وسيكون للشعراء مكان يتجاوز مكانهم في جمهورية افلاطون!.

سادساً : نهاية الحزن كتابة

لننظر في :

[إذا كانت الحياة بالنسبة للشاعر تمثل عطلاً مزمناً .. فالشاعر يكتب فقط إلى درجة أن كتابته تصبح تعويضاً عن حياة مفقودة , بل تصبح حزناً في النهاية : لماذا نحزن كلما  نكتب؟] ـ الكتاب , نسخة الكترونية.

ـ واحدة من الظنون الساخرة ان تكون القصيدة دمعة , والشاعر عيناً .

ـ حقاً .. من النادر ان نجد شاعراً في البلدان جميعاً لا يبكي . أيريدنا الكاتب ان نتحرر من البكاء .

كيف؟

ـ يبدو ان الكتابة حزن مادي على فقدان الجمال في الحياة! , أأن لنا حياة في غير الكتابة؟

ـ لعل سؤال الشاعر (لماذا نحزن كلما نكتب؟) فيه سخرية مبطنة بتراجيديا لحضارتنا  المعاصرة الشوهاء!.

سابعاً : كزار حنتوش

لنطلع على القصة الآتية :

[في صباح بطيء / صباح أقرب إلى العتمة كنا نتطلع من خلال شرفات ونوافذ الفندق إلى قوة الضباب الذي يلف المكان.. الصالة تحتشد بالوجوه والحقائب مرصوفة على عتبات الغرف.. كل شيء يتهيأ للرحيل بعد أن انتهى المهرجان وانتهت معه فترة نقاهتنا في الفندق .. علينا الآن أن نغادر قبل الساعة الثانية عشر..

كانت (رسمية محيبس) تفتش عن شيء / ليس عن (كزار) هذه المرة بل عمّن يعينها على كزار ، قالت : أريد أن أستأجر سيارة صغيرة أدفع كلفتها كاملة من بغداد إلى الديوانية لأن (كزار) لفرط المرارة لا يستطيع مغادرة الغرفة إلا محمولاً على أكتاف الأصدقاء و(مشحونا) إلى مدينته الجنوبية (الديوانية) كما (تُشحن) البضائع في وسائط النقل العام ، وبالفعل تم لها من خلال الأصدقاء ما أرادت له أن يكون .لا شك أن الضباب كان سيد الموقف و (رسمية محيبس زاير) تنظر من خلال زجاج السيارة بعينين أرملتين رغم أنها لم تصبح أرملة بعد حيث أن زوجها الميت / الحي ما يزال ينبض ويطلق أصواته المتعبة (الشخير) من فمه الذي طالما أطلق القصائد .

كانت الواقعة واقعة موت .. الشاعر هو الميت والضباب الكفن غير أن شيئاً واحداً أفسد هذه الرحلة الجنائزية ومنعها من أن تكتمل ، ذلك أن السيارة قصدت الديوانية ولم تقصد مقبرة النجف !! ترى هل كان الشاعر يتهيأ لموته؟ بل هل أراد (كزار) أن يسبق خطواته وهل ذهب إلى الموت قصداً؟!] ـ الكتاب , نسخة الكترونية.

* أهذه قصة فعلاً؟

ـ هذه قصة مثيرة , مشوقة , مؤسفة , محاكة بكلمات ليس فيها أي قصد إزاحي .

ـ هذه قصيدة فيها عاطفة ونبوءة وعمق وجداني ومشاعر طيبة مموهة ..                                      هل هي قصيدة في أصلها , قبل البرمجة القصدية؟

ـ تلك خاطرة  , فيها لحظة حقيقية من لحظات العيش , فيها تسجيل دقيق لبصر وبصيرة كاتب .

ـ هي خاطرة من يوميات , لأخطر المواقف الاخلاقية , هو الشاهد واصدقائه عليه , يرويها كما حدثت تماماً بعاطفة المواساة.

* ترى أيوجد أدب أصدق من هذا الحدث الملموس الموثق؟!

 

 

المشـاهدات 473   تاريخ الإضافـة 20/03/2023 - 00:10   آخـر تحديـث 29/03/2024 - 05:31   رقم المحتوى 17033
جميـع الحقوق محفوظـة
© www.Addustor.com 2016