في العاصمة الاردنية "عمان" هناك مجلس يحتضن طاولة خاصة بالسيد "أمين البكاء" , وهو من الوجهاء العراقيين الذين هاجروا ذي قار مدينته الأم , الى بغداد ومنها الى جوار بلاده حيث انه لم يستطع ان يبتعد كثيرا عن هواء دجلة وعذوبة الفرات فبقي بالقرب منهما حيث الاردن.

يستضيف السيد أمين وعلى شكل دائم ودؤوب , أغلب العراقيين القادمين من العراق أو من كل أصقاع الدنيا , وتزخر طاولته وبشكل متواصل باسماء مبدعين عراقيين وطاقات عراقية تستحق الاصغاء والاحترام معا .

في اخر جلسة كان السيد أمين البكاء يستضيف الدكتور "حميد مجول" مدير جامعة الشارقة , ورئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك ، انه عالم الفضاء العراقي الذي اهتمت به حكومة الامارات العربية المتحدة , واصغت لما يقول وانبهرت بما يبدع فامنته بمنحه الجنسية الاماراتية , كما اعتمدت عليه بتسلميه ملف الفضاء الذي تهتم به دولة الامارات بشكل ملفت للنظر في هذه الايام.

سؤالي الاول الى الدكتور حميد مجول كان عن جدوى الفائدة من علوم الفضاء , في خضم تحديات الانسان للأرض التي لم يكتشف اكثر من نصفها بعد , فجاء الجواب من الدكتور حميد , أن كل ما يفيد الأرض هو من معرفة السماء , وكان جوابه فاتحة لحديث اشبه بالسحر , حيث ان اعناق الحالمين التي ترتفع للسماء , تبحث دائما عن اكتشاف تلك الفسحة الهائلة التي لا تنتهي نظرا ولا حلما .

كان حديث الدكتور حميد عن الفضاء واجاباته عن تساؤلاتنا الاولية قياسا لمدى معرفته وغوصه باعماق المعلومات المتحصلة لديه عن الفضاء , كانت اجاباته وسطية المستوى كي لا يصنع مسافة بيننا وبينه , الامر الذي احس به احد المتخصصين بعلم الفيزياء , فكانت بعض الاسئلة جديرة بالاهتمام , الامر الذي دفعه للتفاعل معنا , منطلقا من اجاباته التي تتعلق بالغيب والواقع معا.

لفت انتباهي ان الدكتور حميد مجول يعتمد العلوم المقارنة في اجاباته , حيث يربط العلوم الفضائية والاكتشافات التي استحصل عليها الانسان نتيجة مثابرة جادة من كل البلدان التي تهتم بالعلوم , كان يربطها مع القران الكريم وما جاء به , متميزا عنا جميعا بتجذير العلم والدين في اطار واحد , وهذا ما لم اكتشفه في كثير ممن يدخلون دهاليز العلوم, بيد انه الفضاء , الذي يجعل السحر واقعا.

كان حميد مجول ساحرا في حديثه , وممتعا في قدرته على اقناع فضول جهلنا للتزود بمعلومات عن كل ما هو فوقنا.

وخلال حديث الدكتور حميد مجول تعرضت الى حيف سريع مر كما تمر حسرة الأمس حين تلفت انتباهنا لحظة خلق اضعناها في بلادنا التي نكصت فيها العلوم , وشاعها الغيب, فتألمت كثيرا لتضييع جهد بشري يسير على قدميه مثل هذا الرجل الذي افنى حياته في علوم الفيزياء , وتوًجها بالبحث عن الفضاء , ألمني وهو يتحدث عن التسهيلات التي يستحصلها من اصحاب القرار في الدولة التي ترعى علمه , وابداعه , ومثابرته نحو الوصول الى الجديد , تألمت حين تذكرت ما تفرزه ماكنات الاعلام العراقي خلال هذه الفترة التي نعود فيها الى غيبيات الجهل , ونترك التقدم العلمي وراءنا , كأننا في سباق عكسي مع الزمن , نجتهد لنعود الى الوراء لنصنع بيننا وبين الاخرين فجوة زمنية لن نستطيع ان نردمها الا بفترة زمنية كبيرة ربما , مع شرط العودة للإهتمام بالعلوم ورجالها , وتنمية العقول نحو البناء , والكف عن تنمية الجهل , واشاعة التبعية الى الماورائيات التي لم نحصد منها الا التشظي والشقاق .