الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين:  الحداثة ، صفة كل بيت كتبته في حياتي
الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين:  الحداثة ، صفة كل بيت كتبته في حياتي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

اللغة العربية.. لغة شاعرة تفيض بالرموز والالوان والاشارات والدفق الانفعالي

اللغة وعاء الفكر ، فاذا انكسر الفكر ، جرحت شظاياه اللغة

حاوره : علاء الماجد

برز صوت آل ياسين شاعرا واديبا ومثقفا منذ مايزيد على اربعين سنة ، واصبح صوتا مؤثرا منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين ، مثلما يشيراغلب من كتب عنه من الباحثين والادباء

والنقاد ،وهو يعد الان واحدا من ابرز اقطاب الحركة الشعرية في العراق المعاصر على حد وصف الناقد صاحب رشيد موسى في مؤلفه “شعر محمد حسين آل ياسين – دراسة موضوعية فنية ” والذي تناول الشعر السياسي والديني والانساني والاجتماعي للشاعر آل ياسين . ويتميز شعر آل ياسين بأنه ثر، متنوع ، وهاد ف ، وتمتاز لغة قصائده بالفخامة ، الامر الذي يجعله مختلفا عن معاصريه ،تعرض للمضايقات والضغوط في زمن النظام المباد بحكم مكانته الاسرية وشهرته الادبية ، وقرابته القريبة من شهداء آل ياسين وآل الصدر التي ظل يتكتم عليها والناس تظن انه في بحبوحة من العيش ، لقد كتب ونشرعشرات القصائد التي تنال من النظام الفاسد المباد ، واحيل مرات عديدة الى لجان تحقيقية متعسفة في جامعة بغداد بحجة التمرد ، توج آل ياسين رائدا للثقافة العراقية وحصد الكثير من الاوسمة والجوائزمن مؤسسا ت ثقافية وجامعية والف الكثير من الكتب التي تتناول القضايا اللغوية والادبية واصدردواوينا شعرية متعدده ، ولد شاعرنا الكبير في بغداد عام 1948 ونال بكالوريوس الآداب عام 1969 وماجستير فقه اللغة عام 1973 ودكتوراه الفقه عام 1978 ، تدرج في وظائف هيئة التدريس بجامعة بغداد حتى وصل الى الاستاذية ، نعيش لحظات وجيزة مع قارئ ” البينة ” في هذا اللقاء مع رؤية الشاعر وافكاره الغنية :

*متى كانت لحظتكم الاولى في فضاء الشعر ؟

– من الناحية التأريخية ” التوثيقية ” فأني كتبت اول بيتين سليمين من الخطأ العروضي واللغوي وحازا اعجاب من سمعهما وانا ابن عشر سنين واشهر، وكانا في موضوع ديني ، في اواخر عام 1958 اي مر عليهما الان اكثر من خمسين سنة من الاحتراق بنار الشعر ، اما من الناحية الشعرية فيبدو ان هذه اللحظة كانت جزءا من فضاء الرحم الذي احتضن موهبتي ، اذ احسست منذ ان صرت أعي الاشياء حولي في الطفولة اني خلقت كائنا متخيلا متصورا ، حالما غارقا في تشكيل الحياة والموجودات بروح مجبولة على ” الفنتازيا ” الشديدة ، وان لم يظهر ذلك على سلوكي .

* ماذا تقول في شاعرية اللغة ؟

– للعربية من الغنى اللغوي المتمثل بثرائها الصوتي واللفظي والدلالي ، وبخصائصها في الاشتقاق والنحت وبما تنطوي عليه من قواعد في النحو والصرف وما تمتاز به من سمات في التعبير والاساليب ، ما جعل منها لغة شاعرة تفيض بالرموز والالوان والاشارات ، والدفق الانفعالي العالي ، وقد افصح نتاجها الادبي وبخاصة الشعر منه عن هذا اوضح افصاح ، كما كان القرآن في القمة من هذه الخصائص والسمات حتى وصف على لسان المشركين ب ” الشعر ” وهو ليس كذلك من حيث انه غير موزون وغير مقفى ، غير ان هذا السحر الآخاذ والآسرالفني الراقي جعل منه في مسامع المتلقين شعرا مرة وسحرا اخرى ، وهذه هي شاعرية اللغة المعجزة .

* ما أقصر وصف لفقه اللغة ؟

– يمكن ان تحدد المصطلح بدراسة العربية من نواح : الاصوات والابنية والدلالة عند علماء اللغة القدامى ، فالمصطلح كما ترى خاص بالدرس اللغوي القديم ، وبالعربية وحدها .

* وعلم اللغة ؟

– هو الدرس الحديث لمستويات لغة معينة او مجموعة لغات ، اي يتناول الاصوات والابنية ، والدلالة نفسها غير مختصة بلغة واحدة في الغالب ، وان جاز ان يقتصر على لغة واحدة ، غير انه يعنى بالظواهر العامة الشاملة لاكثر من لغة بالوسائل والطرائق الحديثة .

* هل العربية فقط تمتاز من سواها بالفقه ؟ ام اللغات الاخرى لها فقهها ايضا ؟

– اذا كان المقصود هنا مصطلح “فقه اللغة ” فهو خاص بالعربية كما ذكرت لك وهو الذي درجنا على انه يقابل مصطلح ” الفيلولوجيا ” الذي يريد به علماء اللغات الاخرى تناول هذه اللغات من النواحي نفسها ، اما اذا قصدت ان اللغات الاخرى فيها من الغنى الصوتي والبنيوي والدلالي ماهو جدير بالبحث والكشف فذلك صحيح ، وقد وضع المعنيون دراساتهم المبكرة في هذه الحقول التي تختلف بطبيعة الحال في مناهجها عن مناهج علم “اللغة” الذي يقابل عند الاجانب linguistics

*ماذا تقول بتدني العربية في بعض مؤسسات الثقافة ، المسرح مثلا ؟

– تدني العربية جزء من التدني العام ، لان اللغة ، اي لغة ، صورة اهلها في الحياة ، فتهافت الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي ينعكس على اللغة لانها وعاء الفكر ، فاذا انكسر الفكر ، جرحت شظاياه اللغة ، فتدنيها اليوم في البلاد العربية عامة امر حتمي ، غير ان تدنيها في مؤسسات الثقافة مؤلم ، لانها الحصون المنيعة التي يفترض ان تكون آخر قلاع اللغة . ومهما يكن من امرفأن ذلك راجع الى عدة اسباب تتعلق بالتعليم ومناهجه الدراسية وكفاية المعلمين ، ورصانة الدرس الجامعي ، وتوفر المكتبات ، واساليب التلقي ، واهم وسائل التدارك ان يشدد في محاسبة المخطئين ، ولابد من التخطيط والحرص والمتابعة . والمسرح على سبيل المثال كان موضع خلاف بين المحافظين المتشددين والمتسامحين المتساهلين في جواز استخدام العامية وعدم جواز ذلك ، والحق انه من اخطر ميادين اشاعة اللحن والخطأ لاتصاله المباشر بالناس ، ولامفر من المراقبة الخاصة باجازة النصوص والزام الممثلين به .

* ماهي نظرتكم للقصيدة العمودية،ولمن سيكون الغلب،لها ام لقصيدة الشعر الحر (التفعيلة)، ام لقصيدة (النثر) ؟

– لاينبغي لنا ان ننظر الى القصيدة على انها شكل محض ، فيكون شكلها معيار نجاحها وفنها ، ففي ذلك تطرف ونزوع الى التعصب اللذين لايليقان بالشعر ، وانما يفترض بنا ان نبحث عن الشعر في كل نص منسوب اليه ، ليكون الشعر هو المعيار الحقيقي لارتفاع القصيدة او هبوطها ، ذلك اننا اتخمنا عموديات مترهلة بالمباشر التقريري ، الخالية من كل شئ الا الوزن والقافية ، ومثل ذلك يقال عن قصائد نثر وتفعيلة هائلة الكم ، فاشلة فنيا ، فالغلب دائما وابدا للشعر ، والشعر وحده .

* بالرغم من بعدنا عن زمن المتنبي ، ولكنا نجده معاصرا ، ماسر ذلك ؟

– السر يكمن في عظمة الروح والطاقة الفنية ، فهما جمرتان متقدتان عجيبتان ، لو اجتمعتا لشاعر تفجر شعره بالخالد الباقي لانهما تتيحان له من التجارب الزاخرة بالصور والمعاني والمشحونة بالنبوءة التي يجد الجيل تلو الجيل فيها كل جديد ، فبعد زمن من المتنبي بما قال وابدع اوصله الينا ، او عاد بنا اليه ، وهذا معنى المعاصرة التي نلمسها متجددة في شعره .

* اين نجد نزعة الحداثة في شعركم ؟

– ان كانت الحداثة بمعناها العام مرتبطة بالزمان والمكان ‘ فهي صفة كل بيت كتبته في حياتي ‘ فمن دواعي فخري اني في كل ماقلت كنت ابن “هنا” و”الان” وهو مايطمح ان يصل اليه الحداثويون ويحرصون على تمثيله ولايصلون ابدا ، لان الحداثة في نتاجهم ادعاء محض .

* ماهو رأيك بالقصيدة الشبابية التي ظهرت منافسا قويا لقصيدة الشعراء الرواد ، وهل ستحافظ على ديمومتها وتجددها ، ام انها لاتلبث ان تزول ؟

– لايزول الا الضعيف الميت ، ولايبقى الا القادر على التطور والتجديد ومقارعة عوامل التعرية ، اما ان يشهد درب الشعر طاقات جديدة فأمر طبيعي دائم ، فقد شهدت مسيرة الشعر العربي عبر التاريخ ظهورجيل موهوب يحمل الراية المقدسة بعد الموهوبين الذين سبقوه ، والعبرة بالموهبة الحقيقية التي تستطيع ان تجيْ بما لايستطيعه الاخرون ، وفي الشعراء الشباب اليوم انفارٌ المس فيهم القدرة على ذلك ، ضائعون في خضم بحر من الرداءة والركة التي ستخسر لامحالة بعد حين ‘ ولايستمر الا الذي يستحق الاستمرار.

* هل يحس آل ياسين نفسه مظلوما شعريا ولم يأخذ فرصته الكافية ؟

– كلا ، لاأحس بذلك ابدا ، عندما أفحص فرصي فحصا موضوعيا . على الرغم من ورود مثل هذا الهاجس احيانا في لحظات الانكسار ، او لحظات التطلع المشوب بالامل . والا فقد احيطت تجربتي الشعرية منذ ما يقرب من خمسين عاما الى الان ، باحتفاء الاوساط الادبية والثقافية في العراق وخارجه ، يتمثل بكتابات النقاد ودراسات الادباء ، ورسائل الماجستيروأطاريح الدكتوراه ، وبخلع الالقاب الخاصة ومنح الاوسمة والدروع والجوائز محليا وعربيا ودوليا ، وأماسي التكريم والحلقات الدراسية ، والمشاركات في المؤتمرات العربية والعالمية سوى العراقية ، من عام 1962 حتى الان .

* ماهي القصيدة التي لم يكتبها آل ياسين ، وتمنى ان يكون هو كاتبها ؟

– لايمكن للشاعر ان يتمنى قصيدة كتبها غيره مهما كان سموها الفني ، لانها ليست معطفا تلبسه ، ولاسيارة تركبها ، لان القصيدة شحنة من عواطف وانفعال وتجربة ذاتية ، لاتعار ولاتستنسخ ولاتباع ولاتشترى ولاتورث ، فكيف يمكن ان تكون عواطف غيري وانفعاله وذاته ولغته وروحه ، منسوبة لي ، والصحيح ان نعجب بانجاز الاخرين ونتعلم من هذا الانجاز لا ان نتمناه مكتوبا لنا وباسمنا ، فمثل هذا التمني جدير بالعاجزين الناضبين ، الذين تيقنوا من خورهم وضعف مواهبهم ، فالقصائد العظيمة تحرك طاقات الابداع عند متلقيها من الشعراء .

* اين يضع آل ياسين ، السياب ، نزار قباني ، محمود درويش ، عبد الوهاب البياتي ، نازك الملائكة ، مصطفى جمال الدين ؟

– هذه الاسماء الكبيرة وسواها من الشعراء العراقيين والعرب ، تمثل مجموعة غالية من احبتي واصدقائي الذين ارتبطت بهم بأعز وأمتن انواع الروابط على مدى عمر كامل ، فماذا تريد مني ان اقول – وهم القامات الشامخة – غير عبارات الود والحب والاخلاص والاعتزازبشخصياتهم وانجازهم ، وفيهم الرواد ، وغير الحزن العميق لافتقادي لهم وخلو الساحة العريضة منهم ، والتي لم تستطع ان تعوض عنهم بغيرهم ، ولن تستطع ، لان كلا منهم ” بصمة ” متفردة لايسد فراغها بسهولة ، والا فالحكم النقدي على ابداعهم لاأملكه ، لاني لست ناقدا بالمعنى الاختصاصي الاكاديمي ، ولا بمعنى الخبرة والمزاولة العملية والحرفة ، ولا أريد ان اتكئ على مجرد النظرة الانطباعية فأظلمهم وأفوت حلاوة الحكم لهم ، لقد تولى شعرهم هذه المهمة فقد وضعت قصائد كل منهم صاحبها في مكانه الذي يستحق وهم متفاوتون في كبر الموهبة ، وأهمية المنجز الفني ، وتفرد التجربة ، ولكني استطيع ان اكتب في كل واحد منهم كتابا اتحدث فيه عن زمان جميل مر ، ملئ بالحب والذكريات الحلوة المفعمة بالمتعة .

المشـاهدات 1669   تاريخ الإضافـة 23/09/2019   رقم المحتوى 1754
أضف تقييـم