الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
وراء القصد الإعتذار في حضرة أحمد الجنديل
وراء القصد الإعتذار في حضرة أحمد الجنديل
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب محمد السيد محسن
النـص :

في أحد المساءات كان الى جانبي الصديق حميد عبد الله وكان سارحا وتفضح عيناه الما ويكشف صمته عن حسرة لوفاة الكاتب والروائي "أحمد الجنديل" , قلت: لا أعرفه , فارسل لي مقالا كتبه الراحل قبل وفاته وتركه مثل وصية ميت , حيث كتب فيه ما لا يتحمله قارئ محب أو حامل لقليل من الوعي.

اعاد مقال أحمد الجنديل ترتيب اوراقي بشكل مذهل , حيث بدأت بملامة قاسية , كيف لي وأنا من المتابعين والشغوفين لقراءة ما يكتب أن لا أعرف ولا أكتشف أحمد الجنديل إلا بعد وفاته؟

كيف لي وأنا مثل أحمد الجنديل ما زلت أحشو رأسي بالقراءة , وأشغل اصابعي بالكتابة , بيد اني لم أصل لما وصل اليه هو حيث لم تحن مرحلة الفهم بعد.

أزعم أني لأول مرة أكتشف مثقفا عالي الجناب بعد وفاته رغم انه كان يعيش معي طيلة نصف قرن من الاهتمام والاكتشاف والقراءة , فاكتشفت ايضا فشلي في احتواء بعض الاشياء حيث أن لي سعيا لمعرفة كل شيء , بيد أني عرفت شيئا من كل شيء , ومع كل ذلك فشلت في التعرف على أحمد الجنديل المبدع من خلال كتاباته ورواياته , ونثره الذي يبدو انه عالي جناب كما هو في مقاله الاخير.

مقاله "الوصية" كان بمثابة جرس مرعب لي حدد أولويات حياتي بشكل غريب , فعل بي ما فعل بدكتور حميد عبد الله , حين قرر المغادرة على غير العادة , ليتوحد مع ذاته , مفكرا بما كتبه الجنديل.

ارعبتني جملة في مقال الحنديل الاخير , حيث يقول : حين استعلمت عما جرى بعد الرحيل قيل لي انه كان مأتما يليق بفارس. 

ثم يعتذر من أحبته حيث انه افجعهم برحيله , ويصف حاله بأنه لم يعد قادرا على قراءة ردود افعالهم ولمس تعابير وجوههم ولا مكان الا للحقائق المطلقة.

الأغرب من كل ذلك أني رغم عدم لقائي والتعرف على ابداع ويوميات هذا الراحل الجميل , إلا اني أحسست أنه يكتب عني وعن حياتي , ولحظات سخيفة تحاصرني مرات , حيث اتخيل موقف ابنتي شمس وابني علي , وأنا مسجى أمامهما , فاحاول أن اعتذر اليهما لأني ساكون في تلك اللحظة مصدر الم وفجيعة لهما , وأنا ابحث عن اية لحظة ازيد فيها من رصيد سعادتهما.

هل تصدقون أني بعد هذه الجملة اغرورقت عيناي بدمعهما , لأنها لحظة كانت تحاصر أحمد الجنديل , وباح بها بعد موته , وأنا ما زلت لم ابح بها , الا بعد قراءة مقاله الوصية.

كتب الجنديل عن رأسه المحشو بورق الجرائد , والمنقوع برائحة التبغ والمتخم بعنفوان الروايات والمنحوت بوهج الوحي والمسقى برذاذ الأشعار والضاج بصخب الأحاديث والامسيات والمثقل بأعباء الحياة , هكذا وصف المشهد الذي فارقه وتنحى عن قيادة جسده بعد 75 عاما وصفها بأنها مرت كومضة برق.

وفي نهاية مقاله نكتشف اننا فقدنا مفكرا يحمل الكثير من تجارب الحياة والثقافة والفكر , فأوصانا جميعا بثنائيات تتعلق بالحياة والموت والولادة والوعي والموت والانطفاء , فكتب : الحياة لا تبدأ بالولادة بل بالوعي ولا تنتهي بالموت بل بإنطفاء الروح.

كبيرة هذه الفكرة إذا توهجت في دواخلنا فنسعى في مناكب الحياة ونحن لا نتقن النهاية.

شكرا يا أحمد الجنديل , وداعا لك وانت تنعم بالهدوء والعزلة , دعك من صخبنا وسعينا , فنحن جميعا سننعم بالهدوء والسكينة في لحظة ما.

المشـاهدات 312   تاريخ الإضافـة 23/05/2023   رقم المحتوى 21742
أضف تقييـم