النـص : القراءة المتأنية لما ورد في كتب التأريخ , يكشف عن إقترابين واضحين أحدهما يدوّن بمنطق الدولة والآخر بمنطق الدين , ولا توجد دولة إنطلقت بعد وفاة النبي الكريم إتخذت منطق الدين أولا , وإنما كان منطق الدولة هو الفاعل ومنذ الوهلة الأولى.ففي أول إجتماع للمسلمين في سقيفة بني ساعدة كان صوت الدولة أعلى من صوت الدين.ولا توجد دولة لصقت إسم الدين بها , فالدول هي : دولة الخلفاء الراشدين , الدولة الأموية , الدولة العباسية , الدولة العثمانية , وما بينهما وفيهما من الدول العديدة ذات المسميات المتنوعة , وجميعها إتخذت من الدين وسيلة للحكم.فعلى سبيل المثال , حروب الردة كانت محكومة بمنطق الدولة ووسيلتها الدين , وقس على ذلك العديد من الأحداث المتراكمة , التي لو قرأناها بمنطق الدين لأخرجنا القائمين بها من الدين.وهذا يفسر التناقضات التي نضعها أمامنا على طاولة العصر , ونتعامل معها بمنطق الدين , ونتناسى منطق الدولة وإرادتها ومقتضيات كرسي الحكم.فمعاوية بن أبي سفيان بمنطق الدولة غيره بمنطق الدين , وكذلك عبد الملك بن مروان والحجاج , وغيرهم , وحتى المأمون الذي أضاف منطق العقل إلى المنطقين الآخرين , فقراءته أصبحت ذات أبعاد ثلاثة , وفي سلوكه تغلب الدين والعلم على الدولة , التي أحياها شقيقه المعتصم فهو رجل دولة , وبذلك إستطاع القضاء على الحركات المناوئة , التي عجز المأمون عن إخمادها.ولانزال نتحرك في ميادين الغفلة والتضليل , ونقرن كل شي بدين , وكأن الكراسي لا وجود لها , ولا تقرر وتصول وتجول في بلداننا.فلماذا نتجاهل منطق الكراسي وتطلعاتها؟لماذا نغلف السلوك بالدين؟وما تساءلنا ما هو الدين الذي نتقنع به؟علينا أن نقترب من الواقع بعقلانية وموضوعية , لكي نتوصل إلى جوهر حقائق ما يحصل ويؤثر في مسيرة وجودنا.إن منطق الكرسي الفاعل فينا , يمتطي الدين لترويض الناس وتخنيعهم , وإستعبادهم والتحكم بمصيرهم بحرمانهم من الحاجات الأساسية ومن حقوقهم الإنسانية.ولا بد من القول أن تأريخنا يمكن تلخيصه بكرسي معمم , ولهذا لكل كرسي أبواق مؤدينة تسوّغ المظالم وتحسبها من طقوس وواجبات الدين.وعلى هذا المنوال تتواصل دولنا في أنظمة حكمها الفتاكة إلا ما ندر.فهل لنا أن نستوعب سلوك الكراسي ونحترم الدين؟
|