الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
عجلة الألوان من "شرفة حب" علي الخفاجي
عجلة الألوان من "شرفة حب" علي الخفاجي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 ناصر أبوعون

مغرمٌ أنا بالبحثِ وراء المعاني التي ترعى في بيادر النجوم، والسياحةِ خلف تخوم الكلمات التي تتساقط من الشّفاه المتشوّقة للقُبَل، والتلصصِ على الأفكار المتصاعدة من تنانير العقول التي يخاصمها الكرى، وتجتاحني رغبة محمومة في استكناه النُّعاس المستلقي تحت الجفون المسهّدة، والتنّصت للآهات الحرّى المنبعثة من سويداء القلوب المثخنة بجراح الهجر. ومازالت تلك الرؤى النقدية قيد الدرس على أمل إدخالها إلى مُختبَر عَلْمَنَةِ الأدب بمحاولة تأطيرها داخل سياق قوانين العلم؛ إيمانا بالمذهب السلوكيّ.

وفي محاولة جريئة لتطبيق نظريّة (عجلة الحب) للعالم الكَنَدَيّ«جون آلان لي»، على قصيدة (شُرفة الحب) للشاعر العراقيّ علي الخفاجي نكتشف أنّ شبكة العشق التي طوّحتها الحبيبةُ من شُرفة مُشرعة على المدى؛ لاصطياد شاعرٍ مترعٌ قلمه بالأحلام المؤجلة تتعثر ويسقط قلبُها أسيرا في الفِخاخ المنصوبة سلفًا من الشاعر؛ الذي أنشأ يقول:[(بانت من الشباكِ  تنظرُ خِلسَةً//وتُراقبُ الحركاتِ داخلَ غرفتي)،(كالظبيِ ترقبُ تارةً  في طرفها// مستورةَ العينينِ خَلفَ السُترَةِ)،(ظَنَّت بأنِّي غافلٌ بهوايتي// ككِـتابةٍ أوبينَ طـُرفةِ قِصَّةِ)،(لاتعلمُ المكرَ الذي أخفيتهُ//ذئبٌ يُمَنِّي قلبـهُ في ظبيَةِ)].

عبر هذه القصيدة تظهر (الألوان الستة للحب)؛ فحيثما يلمع (الأحمر)، تتفجّر براكين الإيروسية، وتقذف بحمم العاطفة ورغبات الجسد، وتتصاعد أدخنة القلوب المحترقة في سماء الغرفتين، وتسرح الغيوم الحبلى في مراعي اللهفة، لتقتات على أعشاب نرجس الأرواح المفطورة على الحنين، ويستعر جحيم الغواية، وتشبُّ نيران شوقٍ تلظى وقودها الجسد والإثارة، وتمتد ألسنة من لُهوب الهوى ما بين الشرفة والشرفة؛ حيث يتأمل الشاعر بضاضة جسدها، ويستجلي أضواء ملاحتها، وتتلاحق صفات المحبوبة كسياط تتلوّى على جسده، لترسم على صفحة جلده بضربات متلاحقة من الرغبة لوحة (ولادة فينوس) للإيطالى ساندرو بوتيتشيلى؛ لنحتفي مع الشاعر بالجمال الأنثوى، والخصوبة، الذي يجد سلواه في أن يغمس سن قلمه في محبرة القلب ويكتب مفتونا:[(إنِّي لأعرفها وأعرفُ وصفها// بيضاءُ صهباءٌ بِشربِ الحُمـرَةِ)، (كحلاءُ مقلتها كفُصِّ عقيقةٍ// معسولةُ العينينِ لونُ المقلةِ)، (والشَعرُ مالَ سُدولهُ في صِبغَةٍ// كالبُنِّ مَفتوحاً لِميلِ الحِنَّةِ)، (والوجهُ كُلثومٌ كما تفاحةٍ// ممهورةِ الخدينِ ختمَ الرصعةِ)]، ومع كل دفقة شعورية، تنزّ من سويداء قلبه قطرة لتشعل نيران الوصل ما بين جسدين كان البريد بينهما نظرة، - وأيُّ نظرة - عبرت كسهم أفلت من عقال قوسه مشتعلا فـ[(مازالَ قلبُ الـذئبِ يرقبُ نصفهُ//حتى ينالَ الظفرَ عندَ الخلوةِ)].

ثم تأتي الانتقالة المباغتة من (الأحمر) إلى (الأزرق)، بعد أن تفتح غيوم عقل الشاعر أوكية قرابها فيسَّاقط ماءها ويطفيء نيران الشوق؛ فتخمد براكين الجسد، ويصبح أمام ضرورة الالتزام الأخلاقي الذي "تقتضيه العلاقة الطبيعية" فأنشأ يقول: [(ما جلَّ بالموصوفِ قصدَ وصيفهِ//أو زادَ حتى أن تُرى  بالمقلةِ).

ثم يعاود الشاعر علي الخفاجي الكرّة بفعل الحنين في ضوء اللون (الأصفر)، والذي يُسمى اصطلاحا «ستورج»، ويعني «المودة الطبيعية»، وهو "الحب" القائم على الاستقرار والاحتواء والصداقة وتكوين عائلة والالتزام بها، إذ [(إنَّ الغرامَ إذا ترامت روحهُ// بينَ الوحوشِ تمايلت للصُحبةِ)]، ثم تتفجّر طاقات الشاعر وينتقل بنفسه وبنا إلى (المرحلة البنفسجية) والتي يُطلق عليها مصطلح «مانيا»، وتعني الهوس النفسيّ لا الجسديّ والشغف الشديد واللاعقلانية والوساوس القهرية، لتصبح العلاقة أشبه بـ«دراما عاطفية». [(فالعينُ أمضى من قصيدةِ مغرمٍ//تغنيهِ عن أبياتهِ في نظرة)]

ثم تهدأ ثورة العاشق، فيضيء اللون (الأخضر) في بؤرة عقله، وصفحة الوعي الملتزم، ويُطلق على هذه المرحلة مصطلح الـ«براغما»، حيث تتحوّل اللهفة المحمومة إلى حالة حب واقعية ونمط، «تقليدي» يُلبي الاحتياجات، ويهذب الرغبات؛ فنقرأ له: [(أحسَستُ في قلبٍ يميلُ بلهفةٍ// فينا بحبٍّ من مرامي الشرفةِ)، (لاتعجبنَّ  غزالةً قد رامها// سهمٌ  لذئبٍ في نهودٍ طـُرَّةِ)ٍ].

وفي الأخير ينتهي المطاف بالشاعر هادئا تحت ظلال اللون (البرتقالي) والتي يُطلق عليها مصطلح الـ«آغاب»، وتعني (الحب غير الأنانيّ)، والذي يتسم بصفة العطاء اللا محدود، والتحوّل بالشاعر إلى النمط المثالي، فيكتب لنا منهيا دفقته الشعرية: [(كيف الحبيبُ إذا أطلَّ  بروحهِ//عَرِفَ المتيَّمُ نصفهُ بالفطرةِ)].

المشـاهدات 301   تاريخ الإضافـة 27/05/2023   رقم المحتوى 22091
أضف تقييـم