الأربعاء 2024/4/24 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
نافذة من المهجر الكرم لا يعني الاسراف والتبذير
نافذة من المهجر الكرم لا يعني الاسراف والتبذير
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منال الحسن
النـص :

الكرم سمة محببة من السمات التي يعتز بها العرب وهي تميزهم عن غيرهم من الاقوام، وهذه السمة ضربت عليها أمثال، ووردت عنها حكايات في تاريخنا القديم، وظلت حاضرة في مجتمعنا متوارثة، حتى انها صارت مثار دهشة وعجب لبعض الذين توقعوا أن هذه السمات صارت من الماضي وأنها لم تعد كما هي، وخصوصاً بعد تعرض دول العالم ومنها وطننا الحبيب إلى متغيرات أدت إلى زوال بعض العادات والتقاليد والصفات التي كان لها ظرفها الذي يسمح بأدائها، لكن العراقيين أثبتوا انهم مازالوا يتحلون بسماتهم وقيمهم التي لن تزيلها عنهم مؤثرات الأحداث والازمات، وكانت البصرة في خليجي ٢٥ خير شاهد على هذه الأصالة وعلى الكرم المتجذر في نفوس أبنائها وهم يقدمون كل ما يستطيعون من أجل أن ينعم ضيوفهم بالراحة وان يشعروا حقا بأنهم بين أهلهم الكرماء.

وهذا الكرم نتلمسه في كل مدن العراق وقراه، وهو بطبيعته خصلة طيبة من الخصال التي نعتز بها، لأنها تمثل منطلقاً لسمات نبيلة أخرى ,  تتمثل في الشجاعة والثبات والوفاء وكل القيم الأثيرة  التي يحقُّ لنا أن نفخر بها , وأن تكون العلامة الفارقة لنا – كعرب – أينما حللنا ..

طبعاً أنا ذهبتُ في حديثي عن الخصال المعروفة , مستندة إلى القواعد الثابتة في التشخيص , ولا أنكر أن هناك شواذاً عنها , تغلب على طباعهم سمات معكوسة أولها البخل , الذي يفضي إلى صفات سيئة لستُ هنا بصدد مناقشتها أو الحديث المستفيض عنها , لأنني بصدد الحديث عن ظاهرة في حياتنا , تتمثل بالمغالاة والإسراف التي تُمارسُ في مجتمعنا , وهي في ظاهرها نوعٌ من الكرم , ولكنها في عمقها , عبارة عن مظاهر شكلية وتبذير كريه , وخصوصاً في تلك الولائم الكبيرة من قبل بعض الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية أو العشائرية , التي تتنافس على تقديم المزيد من الأطعمة المتنوعة تكفي لأعداد كبيرة جدا من الناس , في حين أن الحاضرين على المائدة أقل بكثير مما يقدّم , أما المتبقي فسيكون حتما مصيره القمامة , وهو أمر غير مقبول تماماً  , هذا الأمر يحدث حتى في مجالس العزاء , التي يتم فيها تقديم كميات هائلة من ا٣لأطعمة الغرض منها الاستعراض والمباهاة لا أكثر ..

إن مفهوم الكرم , لا يعني التبذير والاسراف , وإن السخاء لا يتعلق بكميات الأطعمة التي يتم تقديمها , وحول هذا الأمر وردت أحاديث عديدة وآيات قرآنية كلها تشير إلى الالتزام وعدم الاسراف , وتفضيل تقديم الطعام للفقير والمحتاج وعدم  المبالغة في عرضه بشكل غير مقبول ....

هناك عائلات فقيرة تحتاج إلى ما يسد رمقها , يعاني أفرادها الجوع والحرمان , و لا يحصلون على قوت يومهم إلا بشقّ الأنفس , حياتهم عسيرة , وأيامهم ثقيلة وهي تمرّ عليهم وهم يتعرضون لسياط الحرمان ومعاناة العوز , والكثير منهم متعفف لا يمد يده مهما بلغ من ضيق , ولا يشكو إلا لله عز وجل وهو الكريم اللطيف , هؤلاء الفقراء , هم أجدر بالحصول على ما يكفي حاجتهم البسيطة , وفي تقديم المعونة  لهم أجر وثواب , ومقربة من الله تعالى بعمل يحبه الله ورسوله الكريم وأهل بيته , وكلنا يعرف عمق كرم النبي وأهله الطيبين الطاهرين , حيث يقدمون كل ما لديهم من أجل سائل بسيط أو فقير محتاج وهم زاهدون في حياتهم كرماء مع قومهم , لا يسرفون , ولا يبذرون ( فالمبذرون إخوان الشياطين) ...

أريد هنا أن أذكر أصحاب الولائم الكبيرة , والمشاهد الاستعراضية التي يدّعي أصحابها الكرم , فيما هم يبخلون بالقليل على يدٍ تمتد إليهم بحاجة , مع جلّ احترامي لشيوخنا الأفاضل ووجهاء قومنا , الذين يمتازون بالكرم بكل معانيه , لكنني هنا أدعو لتقنين بعض الولائم المبالغ في كميات أطعمتها , وأن أوازن فيها كي أقدّم للمحتاجين بشكل حقيقي ما يكفيهم , كي نرضي ضمائرنا كما نرضي الله عز وجل , والله الموفق للجميع.

المشـاهدات 206   تاريخ الإضافـة 02/06/2023   رقم المحتوى 22584
أضف تقييـم