الخميس 2024/10/31 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 17.95 مئويـة
فلسفة الرسم .. من عشوائية الكهوف الى عصر الثقافة الرقمية
فلسفة الرسم .. من عشوائية الكهوف الى عصر الثقافة الرقمية
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الباحثة بشرى داود

 

منذ ان اهتدى الانسان الى معرفة جوهر العلاقة بين الاشياء في الطبيعة حينما خبر  تمايز الالوان وحجم الكتل والمساحات ونوع الخطوط  وطبيعة الاشكال وملمس الخامات ومساقط الضوء والظل وما تشكله من خلال التركيز والتنوع والتكرار  والاختزال والتوازن من رموز ومعاني ودلالات  بحكم غريزته في محاكاة الطبيعة دخل عالم الفن و بعد ان تطورت ذائقته  الفنية واتسع خياله راح يشكل من عناصر الطبيعة  وما يتصوره ذاتيا ليصنع من ذلك  عوالم  جديدة تعكس منظوره الخاص. وما يرغب ان يكون  عليه الواقع ومع كل فترة زمنية من عمر الانسان نجد  اثرا اعمق لعلاقة الفنون التشكيلية بحياة الانسان وفلسفته فمنذ تلك الرسوم التي ابتكرها على جدران الكهوف ومرورا بمراحل تطور التعبير لديه انتقالا من المراحل الواقعية والانطباعية والسريالية والى اخر صرعات اللوحات التجريدية والالكترونية التي يبدعها الذكاء الاصطناعي كلها تعكس حالة الوعي وما تفيض به مخيلة الفنان ليقوم باعادة تركيب عناصر الرسم خالقا منها لحظات أنية وصورا من الواقع احيانا. او مما يتصوره في عالم الميتافيزيقا ولكن في كل الاحوال حين نتأمل ذلك سنجد ان الرسم التشكيلي قد تجاوز حالة التقليد ومحاولة استنساخ الواقع الذي ساد طويلا في الاعمال الواقعية والكلاسيكية التي اتخذت من الطبيعة مادة لها بل تحول الى تأمل  وافكار  منتجة من خلال تطور وعي الفنان الذي مازال يبحث عن تجسيد  الحلم والصورة الافضل للواقع  ليصنع منها حقيقة  مجسدة على اللوحة وفق رؤاه الذاتية  ، ولهذا تعددت مدارس الفن التشكيلي وتنوعت الاساليب  والمذاهب والتيارات من واقعية ورمزية وتعبيرية وسريالية وتكعبية وغرائبية وصولا لمرحلة ما بعد الحداثة ودخول الفن عالم الثورة التقنية  والمعلوماتية التي يشهدها عالمنا اليوم وهنا اصبح الفنان التشكيلي اكثر انفتاحا  في التعبير عما يحيط به بعد ان انتقل بمفهوم الفن من الوظيفة النفعية الى الوظيفة الجمالية ، ومن هنا اضحى العمل الفني التشكيلي محملا بالفلسفة التي يعتنقها الفنان كونها خلاصة وعي وتأمل وفكر  يحمل رموزا ومعاني ودلالات تتجاوز الرؤية المباشرة للواقع بل تغوص بعيدا في كنه الاشياء  وتبتكر من خلال تشكيلها لعلاقات جديدة تجعل المتلقي  يعيد انتاجها  بعد القراءة والتأويل وفقا لكفائته وفلسفته محققا نصا جديدا له ،وقد مر هذا التطور عبر مراحل عديدة ابتدأت منذ عصر الكهوف حيث كان الانسان يحاول ان يقلد ما يراه بطرق عشوائية تخلو من الابداع الفني والجمال  الى ان توصل الى مرخلة اكثر وعيا بما يحيطه  فتجاوز ذلك الى ابتكار الادوات والتعرف على  الاسس الاولية للرسم الواقعي ويمكن ان نطلق على هذه الفترة  بالمرحلة الكلاسيكية والتي تمتد الى حوالي خمسة الاف سنه شهدت تحولات عديدة وانتحت اساليب اساسية في المنظور الفني  كما نجد ذلك متجسدا في الفن اليوناني ومنحوتاته وكذلك في العهد الروماني  وما ابدعه في العمارة ، اما المرحلة اللاحقة والمتميزة ثقافيا فهي مرحلة عصر النهضة التي بدأت منذ القرن الرابع عشر في ايطاليا واستمرت حتى القرن السابع عشر والتي جاءت على انقاض العصور الوسطى حيث استطاع فنانوا هذه الفترة امثال ليونارد دافنشي ومايكل انجلو وتيتيان وروبنز  وغيرهم من تطوير تقنيات جديدة في  الرسم والنحت والمرحلة الثالثة هي مرحلة الحداثة التي يمكن تحديد انطلاقتها مع دخول القرن التاسع عشر ومحاولة الفنانين تجاوز التقاليد الكلاسيكية وابتكار طرق تعبير جديدة كاستخدام التكعيبية واللجوء الى التجريد والسريالية ولعل من بين اشهر فناني هذه المرحلة بيكاسو وبراك وسلفادور دالي وفان كوخ واخرين اما مرحلة ما بعد الحداثة فتمثل واقعنا المعاصر وما يميز هذه المرحلة هو نظرة اصحاب هذا التيار باعتبار الفن نشاط خاص بل نخبوي ولذاك فهو يجرد الجمهور العادي والذوق الشعبي ولجأ فن ما بعد الحداثة الى توظيف تقنيات  ووسائط جديدة ابتعدت نوعا ما عن الجماليات واهتمت بالجانب المفاهيمي والتفكيك والاسقاط، وتوافق هذا العصر مع ثورة التقنيات الحديثة التي تعتمد على الصور كالتلفزيون والفديو وطباعة الشاشة واجهزة الحاسوب وصولا الى عصر الانترنت وهيمنة الشبكة العالمية وما جاءت به الثورة الرقمية من برمجيات ومعطيات اخرى غيرت  الرؤى الفنية وقد ابتدأت هذه الحركة مع تجارب  اندي وارهول (1928-1987) الذي افاد من الامكانات التقنية في جهاز الحاسوب وانتاج اعمال مثيرة اعتمدت المزج ما بين الجانب البصري والتقني وقد تبع وارهول مجموعة من الفنانين  امثال جون كيج وروبرت راوشينبيرغ وروبرت ويتمان وإيفون راينر وغيرهم ، إن عالم الفن يشهد اليوم وبفعل الامكانات التي اتاحتها التقنيات والبرامج وتطبيقات الخوارزميات في الذكاء الاصطناعي تحولا هائلا  سواء في بناء اللوحة والادوات وكذلك مع المتلقي ، وفي الوقت. الذي نحيا فيه وسط افاق الثقافة الرقمية لا يمكن ان نتغاضى عن تأثيراتها الشاملة ومنها في مجال الفن حيث اصبح امام الفنان خيارات عديدة وادوات يمكن من خلالها تحقيق رؤاه الفكرية والفلسفية والفنية بعيدا عن الطرق التقليدية ولكن يبقى وعي الفنان هو المحرك الاساس في ابداع العمل الفني ودون ان يتغافل عن العناصر الاساسية التي تشكل القيمة الابداعية وتحقق الرؤية الفلسفية للمبدع ، فالفن الرقمي والذكاء الاصطناعي منحا الفنان طاقات مضافة وجعلته يحلق في عوالم الخيال محققا احلامه ومعتمدا على تلك القدرات البشرية التي رسمت تلك العوالم الافتراضية وحولتها الى ابتكار خلاق يخييب افاق التلقي ويلغي كل الافكار والتصورات الجاهزة والانماط التقليدية ليشتركا معا في مغامرة غرائبية تأخذهما الى عوالم الخيال والابداع.

 

 

 

 

المشـاهدات 834   تاريخ الإضافـة 05/06/2023   رقم المحتوى 22842
أضف تقييـم