الجمعة 2024/5/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 20.95 مئويـة
قراءة في رواية الانوناكي للروائية العراقية ميادة سامي
قراءة في رواية الانوناكي للروائية العراقية ميادة سامي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ايثار محسن

تاريخ الأصدر:  ٢٠١٩ عدد الصفحات:  ٤٤٢ عن دار نشر الورشة الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع.

ما كان يجب أن أمتلك كل هذا الوعي طالما أنني اعيش في عالم مبني على سلام مهترىء. # كافكا

عنوان الرواية(الانوناكي): مفردة سومرية حيكت حولها أسطورة مفادها أن الانوناكي هم مخلوقات فضائية جاءوا من كوكب نيبيروا أو ما يسمى كوكب X   في الاوساط البحثية فهو غير حقيقي ولا يوجد ما يثبت وجوده، حسب الأسطورة هذه المخلوقات كان لها دورا في تطوير الجنس البشري لتسخيرهم للعمل في مناجم الذهب، المعدن الذي يحتاجونه لرتق غلاف كوكبهم الجوي نتيجة  تلوث بيئي فأصبح كوكب نبيروا عرضة للاشعاعات الكونية.

كل ما ذكر انفا جاء به (زكريا ستيشن) وهو كاتب أمريكي من أصل روسي متوفى سنة ٢٠١٠.

ليأتي العالم العراقي (خزعل الماجدي) المتخصص في علوم الحضارات والأديان ليدحض كل ما اشاع له زكريا استيشن  ،حيث تطرق لمعنى كلمة الانوناكي في القاموس السومري، وهي أن الانوناكي تعني عند السومريين  مجموعة الالهة التي تظهر في أساطير السومريين والأكديين والآشوريين والبابليين، وتلفظ هكذا آ- نو- نا - كي

وتعني الذين هيطوا من السماء إلى الأرض وقد يعني الاسم(ذرية الأمير) لأن الإله آن كان أكبر الهة الانوناكي هو سيد وأمير الالهة، فهم آن وابناءه، وهم الالهة المتحكمون بمصائر البشر والكون، إذن هي معتقدات دينية في ميثولوجيا(علم الأساطير) السومرية.

والانوناكي سبعة الهة:

آن إله السماء- إنليل إله الهواء- إنكي إله الماء- ننخوساج آلهة الأرض أو التراب، وهم العناصر الأربعة الماء والهواء والنار والتراب.

أما بقية الالهة هم كواكب:

إله نانا القمر، إله أوتو الشمس، آلهة إنانا الزُهرة، ولا يجوز إضافة اي إله آخر غير هؤلاء السبعة للانوناكي.

بهذا تكون الكاتبة ميادة سامي اتخذت عنوانها مثيرا للجدل ليكون عنوان لروايتها وهذا يحسب لها، فقد أطلقت اسم الانوناكي على ابطال الرواية السبع لما لهم من دور في إعادة الحياة للأرض بعد دمارها كليا بسبب اقتراب كوكب نبيروا من الأرض ليتسبب بكل هذا الدمار الشامل.

صورة الغلاف: هي صورة للملكلة الآشوربة سميرة ميس (سمورامات) إشارة أخرى بأن الرواية تاريخية بملامح أسطورية، فهي اي سميرة ميس شخصية تاريخية حيكت حولها الأساطير.

تستهل الكاتبة روايتها بمشهد غرائبي يستدرك القاريء للدخول إلى عالم مثير بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، هذا المشهد  مع الإهداء يفصح عن مكونات مشاعر الحب للوطن الذي يعمر به قلب الكاتبة وقلوب أمثالها من العراقيين الشرفاء المحبين لوطنهم.

تبدأ الكاتبة بسرد أحداث روايتها بقصة حب بالرغم من أن الرواية لا تُعد من القصص الرومانسية بل تتعدد تصنيفاتها بين التاريخية والأسطورية والملحمية والخيال العلمي، مع هذا نرى الحب قد تسرب كالماء من بين سطور الرواية ليحيق بكل أبطالها.

كسّرت الروائية ميادة سامي أصفاد الزمن بحجارة الجرأة والاقدام مما منحها مرونة التلاعب بالأحداث والسيطرة التامة على مجرياتها، خيالها الخصب صور مشاهد مكثفة ليتلقاها القاريء بكل سلاسة وشغف وبلغة سردية بليغة.

كما أن الأدب وعاء الفكر فأن حبكة الرواية وعاء لرسالتها، تضمت الرواية عدة رسائل فهي من خلال السرد التاريخي عمدت لتصحيح كثير من المعلومات التاريخية الخاطئة والشائعة بين الناس والحقائق المغلوطة التي اصبحت من الأمور المسلم بها، كما أن أسهابها بالأمور التاريخية رسالة واضحة للأجيال لدراسة التاريخ وعدم اهماله لما له من فوائد باكتشاف الأخطاء التي تتسبب بسقوط الحضارات.

 كما وثقت الروائية ميادة سامي ما يدور من أحداث في عصر كتابة الرواية وبينت ما طرحه التقدم العلمي والتكنولوجي من افرازات سلبية، كذلك لم يفلت المستقبل من بين يديها لتطاله وتضع خطة لحلمها بإعادة أمجاد العراق وعاصمته بغداد ليُنفذ ابطال الرواية حلمها بإعادة الآثار وبناء دولة فتية تستقطب كل من حولها من مدن العالم كما هو ماضيه.

لا يمكن أغفال دور المرأة الذي استحوذ دور البطولة المطلقة للرواية من خلال شخصية (هيفاته) الملكة سميرة ميس الابنة، وهي إشارة واضحة أن المرأة ومنذ اقدم العصور كانت محل احترام واجلال وانها شغلت أخطر المناصب في السياسة والحرب.

نظرة عامة على الرواية...

رواية الانوناكي تحاكي أسطورة الانوناكي في بنيتها الحكائية، من خلال مخلوقات فضائية متطورة تختطف سبع أشخاص من سكان الأرض يشتركون بصفات تؤهلهم للقيام بمهمة على كوكب آخر، هؤلاء الأشخاص لا يتم اختيارهم من حقبة تاريخية  واحدة بل من حقب متعددة من تاريخ العراق.

الأشخاص هم هيفاته ابنة الملكة سميرة ميس والحكيم اوميا وهم من الإمبراطورية الآشوربة

محمد بن يحيى وعبد الرحمن من عصر الخلافة العباسية

جلال وكمال وسامر من العصر الحديث والمعاصر، اطلق الخاطفون مفردة الانوناكي على كل فرد منهم وبتسلسل رقمي من ١- ٧.

تنتهي مهمة هؤلاء الانوناكي بينما يكتشفون أن سكان هذا الكوكب من المخلوقات الغريبة قد اختفوا ولم يبق أحد في الكوكب غيرهم، لتبدأ رحلة البحث عن كيفية العودة إلى الأرض ،فيكتشفوا أن المخلوقات تركتهم بسبب قدوم كوكب نيبيروا نحو كوكبهم لكنهم لم يتركوهم بلا وسيلة للعودة إلى الأرض، فيهتدوا لمركبة فضائية عُدت لأجلهم.

كان هبوطهم في زمن مستقبل الأرض، وقد وجدوا الأرض دمرت بشكل كامل بلا عمران ولا تكنولوجيا فقط قرى متفرقة هنا وهناك وقد سيطر الخوف والبؤس بسبب العصابات التي ظهرت نتيجة المجاعات المنتشرة بعد الدمار الذي تسببه اقتراب كوكب نبيروا من الأرض.

وبما أن الانوناكي السبعة جميعهم من بلاد الرافدين كان اختيارهم لبغداد مدينة لهم لتبدأ إعادة اعمار بغداد، لكن أمرا غريبا قد حدث للانوناكي السبع وهم يشرعون في مهتهم الشبه مستحيلة، وهو أن حلما غرائبيا راودهم  فأثار استغرابهم،  مما اضطرهم لتفسير هذا الحلم المشترك باعترافات كل منهم عن تاريخ حياته ليسترسل كل منهم للحقبة التاريخية التي عاشها وتأثيرها النفسي والإجتماعي عليه.

لنتأمل هذا الحلم فنراه يعبر عن اللاوعي الجمعي للإنسان، إن مفهوم اللاوعي ( العقل الباطن) الذي تضمنه نظرية للتحليل النفسي لسيغموند فرويد لم يقف على الوعي الفردي بل تجاوزه إلى اللاوعي الجمعي الذي تناوله السويسري كارول يونج حيث قال ان الشخصية الإنسانية لا يقتصر حدودها على الخبرة الفردية بل تتعداه لتستوعب التجربة الإنسانية كلها  ومنذ القدم، حيث  يقول فرويد ان الانسان يحتفظ في اللاوعي بتجاربه الذاتية فقط بينما يذهب كارول إلى أن اللاوعي  تخزن فيها أنواع وإنماط الثقافة الإنسانية عبر الأجيال  وتخزن بشكل غير واع في إنتاجه الأدبي، فكان فصل الإعترافات للانوناكي السبع بمثابة تنضيف لهالتهم الطاقية المحملة باللاوعي الجمعي لتأتي بعدها مرحلة بناء بغداد وإعادة آثارها وامجادها كما كانت عليه في فترات  ماضية من التاريخ.

كانت أدوات الملكة سميرة ميس الابنة (هيفاته) لبناء بغداد هو العلم والمعرفة والتقدم التكنولوجيا من خلال جعلها المركبة الفضائية المتطورة قاعدة لبناء قصرها وهي رمزية استخدمتها الكاتبة، كذلك العدالة والرحمة والقانون الذي اعادته بالشكل الذي يتلائم مع المرحلة.

لنصل إلى حقيقة ناتجة من اللاوعي الجمعي وهو يوتوبيا (جنة عدن) التي تمثلت في جمهورية افلاطون واشتراكية ماركس أو الفردوس المفقود لملتون، كلها صور نمطية تكرر النمط الأول أو النموذج البدائي لجنة عدن.

هذه الهواجس الثقافية  منذ بداية الخلق يكون  لها أثر في أعمال المبدعين والادباء.

كلمة اخيرة ....

ان ما يفصلنا عن التاريخ ليس بعدا زمنيا وإنما بعدا ثقافيا، إن هذه الأرض اتسعت لكل من سبقنا ولكل من سيأتي بعدنا، اننا حاضرون بكل الأزمنة بما نترك من أثر على وجه البسيطة وليس بما نتنفس من أوكسجين الحياة.

المشـاهدات 415   تاريخ الإضافـة 20/06/2023   رقم المحتوى 23989
أضف تقييـم