الإثنين 2024/4/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
فيلم الوقاد / جمالية الذوق والتذوق
فيلم الوقاد / جمالية الذوق والتذوق
سينما
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د . سالم شدهان

1 - لنص المكتوب  :

مرً  اكثر من عشرين عاما على انجاز هذا النص من قبل المرحوم سعد هدابي لذا فانني ارى انه اساسا فقد جذوته وقوة تأثيره على المتلقي الذي شبع ومل من البكاء على الاطلال من خلال مفردة الشهيد الذي غيب في زمن النظام السابق، وهذه الثيمة  تم تناولها في عشرات الافلام القصيرة والطويلة لذا فان النص وكاتبه حينما كتب النص كانت هذه الثيمة شغله الشاغل لانها كانت تتسيد الجو السياسي والثقافي والمجتمعي، وارى ان جملة قصة حقيقية لا تظيف للموضوع قيمة فنية بل انها هنا كانت علة على الفيلم اذ لم يأخذ الفيلم من الموضوع الحقيقي مايدعو للترقب والاثارة واكتشاف الجمال المبني من بناءان الخيال للحقيقة، كما اني اقول ان القصص الحقيقية لوحدها لا تكفي لبناء خطاب سينمائي بليغ ان لم يتسيد الخيال ليصيغ تلك اللعنة التي اسمها حقيقة الى حقيقة وواقع جديد دون ان ينسى الثيمة والرسالة التي يبغي الفيلم طرحها، ثم ان الحقيقة تخفي بين ثناياها على الكثير من الاشكال والزوايا المثيرة جدا والتي يمكننا ان نصل من خلالها على الرسالة باجمل واقصر وأبلغ الطرق، وفي فيلم الوقاد هناك زاوية مهمة تركها هدابي وراح وراء المكرر والجو السوداوي البحت، والزاوية او الثيمة التي كان عليه ان يستغلها وتكون محور سمعناها على لسان شقيقة الشهيد بعد نهاية الاحداث التي لم تنتهي الا بنهاية هذا الجزء المهم جدا لانه كشف لنا اجمل ما في الموضوع..تقول شقيقة الشهيد انهم بحثوا عن جثة ابنهم وسرقوها من المقبرة الجماعية ودفنوها في حديقة بيتهم الى ان سقط النظام اخرجوها ..وانا اتساءل هل يوجد اجمل من هذا كي يكون محور وموضوع الفيلم،واغلب الظن ان المخرج فارس طعمة شعر بذلك اذا انه افرد لها مشهد قبل نهاية الفيلم للتحدث بالمفيد والمثير والجميل..

2 – الاداء  :

حكيم جاسم ممثل ينتمي الى نفسه كثيرا ولا يترك تفصيلا دون ان تشتغل عليه حواسه النفسية التي تدغدغ الموقف الدرامي قبل ان يدغدغها هو ويعيد صياغتها وفق ما وصل اليها شعوريا، وحينها يقوم بصناعة شخصية تنتمي للموضوع المطلوب منه فيتحول من حكيم الى الجديد، وفي الوقاد لم نجد حكيم بل وجدنا الوقاد المحروم المعزول نفسيا عن العالم، الوقاد الذي نسي كل اعماله ومهنته لمجرد انه عثر على امرأة حقيقية  من لحم ودم بدل من  انه كان ينحتها على التراب وفق ما يمليه عليه خياله المبني غريزيا، وهي فرصة لا تعوض لذا انه جاهد كي يحقق ماافتقده طوال الفترة الماضية، وجاء اداء حكيم واعيا جدا بتفاصيل تنتمي لروحه التي تغوص في الشخصية دائما، ولم يكن يتحدث بشفاهه بل كان يمضغ الكلمة ويتذوقها ويسبغ عليها كل مشاعر وعمق الحدث ويخرجها من القلب ثم يطلقها لنا بطريقة تحاكي الحدث والفعل واللحظة المطلوبة والموضوع. كل شيء تغير في حكيم فهو هنا يعيش بين الطابوق والنار والحمير، والحمير هنا  تحيلني الى تساؤل اراه مهما جدا الا وهو: لماذا لم يلجأالوقاد الى الحمير كي يلبي رغبته الجنسية الجامحة بدل من مضاجعة التراب.علما ان هذا الفعل موجود وبكثرة.

٢-صبا ابراهيم تمتلك بديهية مدروسة تماما فهي تقترح وتظيف للشخصية، وتشتغل على جميع تفاصيل الوجه بطريقة متزنة، ولا تنسى يديها ابدا اذ تساهم جميع تفاصيل جسدها في اداء الشخصية، كذلك فانها تمتلك صوتا مطاوعا تتحكم فيه كيفما تريد، وفوق هذا فانها تمتلك حضورا اخاذا وتعيش اللقطة والمشهد واللحظة باستمرارية مخزونة في ذاكرتها دون ان تنسى راكور الشخصية ابدا.

الاشتغال الاخراجي: فارس طعمة مخرج له تجربة كبيرة في التلفزيون وهذه تجربته الاولى في السينما، لجأ فارس الى التصوير الليلي على طوال الفيلم وهذا جعله يقع في محاذير كثيرة منها انه لجأ الى المشاعل كي تكون مصدر ضوء وهذا غير مبرر ابدا ولا اظن ان هناك جواب مقنع حول ذلك، كما اننا يمكن ان نستعيض عن المشاعل بضوء من طبيعة المكان وهو ضوء معمل الطابوق الذي لم نراه الا نادرا، لذا فاننا سألنا كثيرا هل هذا الرجال وقادا للقدور الكبيرة التي تشتعل النار تحتها او انه صباغا وكأن المخرج ومدير التصوير اراد م المشاعل ان تكون مصدر ضوئي اخر. كان المخرج شغوفا بالضوء واللون، وشغوفا بالممثل الذي جاهد كثيرا كي يكون معبرا عن الحدث وسط نص يقترب كثيرا من المسرح، وارى ان لو كانت  هناك حرية لفارس طعمة ان يشتغل على النص اكثر مما اشتغل لغير الكثير ورفع المشهد الاول للبكاء والعويل على النهر، كذلك فانه سيجيب حتما على تساؤلات كثيرة منها:

كيف تخرج هذه الفتاة في الليل وتأتي الى المكان الموحش وهي بحجة انها تجمع الحطب؟

لماذا كان الوقاد يجمع الساعات والمحابس ويلبسها في يديه ورقبته وهو رجل يتنقل في المدينة لانها يتناول الخمر دائما؟

كيف بقيت في ذاكرته صورة هذا الشهيد فذهب واستخرج الجثة دون عناء وكأن هناك علامة بارزة لهذا الشهيد الذي لم يطرأ اي تغيير على جثته  وكأنه نائم ؟

تساؤلات كثيرة ارجعها انا شخصيا الى النص المكتوب للمسرح وبطله الحوار،  والحدث الذي تناولته السينما في العراق واشبعته كثيرا، لكنني هنا اريد ان لا ابخس حق المخرج لانه قاد فريق العمل قيادة المخرج المتمرس اذ لم يخرج عن طوعه لا ممثل ولا ضوء ولا لون وعمل ضمن الممكن ففيلم  مثل الوقاد يحتاج الى مبالغ كبيرة كي تتنقل في المكان والزمان وتصنع خطابا بليغا ..عموما الفيلم فيه متعة كبيرة ومصنوع اخراجيا وفق الممكن بطريقة باهرة،  تحركت فية الكاميرا وصنعت لنا لوحات تشكيلية جميلة بتكوينات باهرة ..شكرا لفريق عمل الوقاد ومبارك لهم وانا اجزم ان الفيلم كان ناجحا ويستحق المشاهدة والتصفيق.

المشـاهدات 339   تاريخ الإضافـة 22/06/2023   رقم المحتوى 24085
أضف تقييـم