
![]() |
الميثولوجيا في قصص تعويذة نيرغال الفلسفية الرمزية, نهر أكمل عدته نموذجا للكاتب مهند الكوفي دراسة ذرائعية استراتيجية مستقطعة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : بقلم : الناقد الذرائعي هيثم محسن الجاسم الجزء الثاني
المستوى الدلالي والايحائي : استعان الكاتب بتقنية اللوحات في رسم احداثه الفلسفية الرمزية ,وجدت بعد قراءات عدة ان الكاتب وزع النص الأول( نهر اكمل عدته )على 7 لوحات اللوحة الأولى , ولخص القصة في لوحة مرسومة بدقة ،و هذه دلالة زمكانية: "يقال ثمة قرية بعيدة يمر فيها نهر يسقي ارضها " احتمالية وليس توكيدا ولكنها حدثت فعلا حسب قانون بروب الروسي اللغوي .وفي هذه الدلالة يتقدم الحدث بشكل غير مؤكد متأرجح بين الواقع والخيال: "ذات ليلة ,جف النهر" يبدا الصراع الفلسفي برمزية عن واقعنا العربي بهذه الجملة الانجازية الرمزية لنضوب الخير او فقده او نهبه من قوى خارجية إن كان النهر تحت الصحراء العربية نفطا او أي موارد أخرى للامة .ثم أردف الحدث بالدلالة التالية : "مات الجميع وهم يتقاتلون" (ألموت ) نتيجة الصراع ان مات الجميع وهم يتقاتلون بينهم وهذا مصيرنا إن استمر الجهل فينا. واشترك في الصراع كل أنواع الكائنات بما فيها الناس حتى ارتووا بدمائهم واوغلوا في القتل ببعضهم بالرغم من وجود خيرات تكفيهم . كما في الدلالة اردف الحدث بدلالة ارتكازية أخرى ليثير أوار نار الاستمرارية للصراع المشتعل في الساحة العربية والعالمية باقتضاب فلسفي: "نزلت الحيوانات والطيور والناس الى النهر ......تقاتلت فيما بينها ......تروي عطشهم ....مات الجميع وسط النهر ." وهذه اللوحة التي اطلق عليها الكاتب بالرسمة كانت مؤلمة من الخراب الذي حل بالقرية (ألوطن) بعدما كانت عامرة وباذخة في الماضي وهي عبارة عن تحذير للمدركين لو استمر الوضع المترع بالتخلف ستكون نتيجتنا الخراب في كل شيء.
وفي اللوحة الثانية كما في الدلالة التالية: "قررت الأشجار والنخيل والاعشاب النهوض, صار النهر يفيض على القرية ..." لما عادت الحياة الى الاستقرار والامن نهضت الأشجار والنخيل والاعشاب ونمت ولكن الناس عاودوا الكسل والسبات والوقت لا قيمة له عندهم بينما الأمم الأخرى تسابق الزمن بالنهوض والتطور كما في الدلالة: " اصابت قرية لامعنى للوقت فيها " . كانت استراتيجية الكاتب كأسلوب مميز استخدم عوالم الوجود الثلاث ( العالم البشري والعالم الحيواني والعالم النباتي) مع رمز الانسان (سيد العوالم الثلاث) الذي اخذ اشكال مختلفة في الخراب وهو مخلوق واحد حيث ربط بين الميثولوجيا ورسماته ولكن بطريقة عجولة لا يفهمها الا متخصص بالتاريخ والميثولوجيا كما في اللوحات التالية في النص . اللوحة الثالثة كما في الدلالة : "في احدى المساءات اطل رجل القرية محاولا ان يستشف الرؤى ...واحرقها في ستة أيام" استعان بصور وامثله ميثولوجيه من التاريخ والاساطير لإعطاء صورة مركزة للدمار السابق لهذا العصر وكأنه يقول لا حضارة تبقى ألا بإنسانها الواعي فالأنسان الغير واعي هو من يحطم نفسه بنفسه....ويستمر الصراع قديما وحديثاً يقابله (الوعي والتخلف) حين دخل رجل القرية وكان خاوية على عروشها لم يجبه غير صدى صوته ووجد كل شيء مكانه واستعان الكاتب بنماذج من الصراع القديم للإنسان وهنا استخدم دلالات ميثولوجيه ليبرهم إن الأنسان هو نفسه في كل العصور وكان قديما هو إساس لعصرنا هذا فالتخلف هو التخلف في كل العصور: "هيكل عظمي لطفل في المهد" و"راى جثة عجوز قد بيض الشيب مفرقها ويدها في بطن حمار" و "رأى فيه ثلاث جثث لأسرة شنق افرادها بذيول الحمير". واللوحة الرابعة عبارة عن حلم ميثولوجي وهو تقنية جديدة للكاتب ابدع فيها وتميز "وضعوا حبلا في رجله اليمنى ......استيقظ وهو يصرخ لا لا لا . " . ويبقى الانسان محور النص الأول والأخير عبر العصور يخرجه الكاتب من حالة الى أخرى بصور متعددة ،ولكن يبقى الأنسان هو الأنسان في كل الحضارات والحقب وفي كل الأمم واللغات يحمل ضميرا يتأثر بالميزان الانفعالي لكينونة الأنسان نفسه كما يصفه الكاتب في خاتمة العمل . وفي اللوحة الخامسة استمر الكاتب في رمزيته الفلسفية بسرد أحلام ميثولوجيه أخرى منها قصة الحوت وهي تناص ورمز تقني لابتلاع نبي الله يونس وبقائه سنوات في بطن الحوت حياً ،وهذا فكر ورائي لا يصدقه العقل الوجودي فيبث صراعاً بين العقل والمقدس او التفكير بتراب الجثث في محاولة تميز الحيوانات عن البشر ،في ذلك مقارنة بين قصة الخلق كما في الكتب السماوية ونظرية دارون (لأصل الأنواع) المعروفة وحين ينحصر في زاوية التناقض يهرب قلمه من بركة النقيض بين العلم والمقدس ، قلم ذكي يتفحص الأشياء والأنواع بذكاء وحنكة ويتملص من حبال التورط المدودة في كل عصر وحضارة لنتفحص الدلالات التالية : "رأى في منامه حوتا يبلعه ثم تقياه في الوقت ذاته " , "حاول مليا تمييز الحيوانات عن البشر", "يحاول وضع نظرية موازية لأصل الأنواع" . أما في اللوحة السادسة يبرز حلم (الوطن) الذي يعبث فيه الفوضويين القادمون من الخارج وكأنهم يحيون حفلا كبيرا للضحك وقد شوه عبثهم كل شيء ، وبان التخريب بوضوح في الدلالة التالية " احتل الفوضويون القرية صارت الناس تعبث فيها .....انه حفلا كبير نظمه الغرباء ...." . ويلتفت الكاتب نحو صيرورة الأنسان في نظر المجتمع، يرى العاقل مجنوناً بنظر المجتمع الغارق بالجهل لمساكينه نظرة اللامبالاة كما في اللوحة السابعة وهو بدوره تأكد ان الانسان في هذا العالم كله يكمن في خصية او وعاء ،وايقن ان الجميع قد جنوا سوى الذي ينعتونه بالمجنون فيبتسم لكونه يعلم إنهم المجانين وهو العاقل وتلك النظرة تسكن المثقف الواعي حين ينظر للأشياء بنظرة الجمع الواعي لتفحص الدلالة القادمة: "لم يكن مجنونا قد ....يكمن العالم كله في خصية او وعاء ....كانوا ينعتونه بالمجنون فيبتسم ....على اثرها جن جميعهم سوى الرجل المجنون ". كانت خاتمة قصة (نهر اكمل عدته) مدهشة ومفاجئة لما تحول الراوي من ضمير الغائب في سرد قصة الانسان ميثولوجيا الى ضمير المتكلم انيا كما هي الحياة الواقعية التافهة الان ليتذكر الانسان ببساطة هو مستهلك لأمور خالية من العمل والانجاز أي حياة روتينية عقيمة . كما في الدلالات التالية ( عودة الكاتب من حلم الميثولوجيا الى الواقع): "جلست في احدى مقاهي المدينة وجلس داوود جانبي الرجل المجنون كما تنعته الناس". "ربما العقل الجمعي يقود الجالسين للضحك ....هل ينتمي المجانين لنظرية العقل الجمعي ؟ ". وختم الكاتب قصته بتصرف سلبي أهوج نحو التصرف الواقعي الذي يعيشه إنسان واقعي حقيقي فاختار الكاتب تصرف سلبي من تصرفات الجمع مع الأنسان الحقيقي بالدلالة التالية: "اتصلت أحلام على هاتفي وبصقت عليً. انا ذاهب لاغتسل" .
المستوى النفسي: الأدب سلوك حركي داخلي كحركات الأنسان الأخرى يحكمها العقل وضمن هذا التصرف ترى الذرائعية أن الأدب هو تصرف داخلي يحيكه الكاتب سيكولوجيا بدقة متناهية وحكم هذه الدقة الاختيار و لكون الادب هو سلوك انساني واخلاقي وثقافي وحسب المفهوم السلوكي النفسي وتطبيق النظرية في التحليل النقدي بعناصرها الاساسية بالبحث عن جميع التساؤلات والاشكاليات والجدليات الاستفزازية التي يرفعها الكاتب في عمله الادبي وتحتاج الى اجابات او ردود افعال فلسفية او سياسية كما فعلنا في جميع التحليلات أعلاه عن تقييم كل الأمور والرؤى التي وضعها الكاتب أمامنا قمنا بتقييمها ثم تقويمها بتحليلات مختلفة..... وتأتي دراستنا للنص المعروض امامنا من خلال العناصر التالية: "المحفز: وهو العامل النفسي السلوكي الداخلي الذي يمتلكه الناقد الاديب حين يجتذبه النص والاستجابة: حين يقبل الناقد الاستفزاز والتحدي ثم يشرع بالخوض في تفاصيل النص الرصين وحل جميع التساؤلات والاشكالات التي رفعها الكاتب" 4. كانت تساؤلات الكاتب فلسفية استخدم رمز الانسان كرمز تقني عام أدخله في دوامة من الحالات المتشابكة، فاخذ اشكالا مختلفة وهو مخلوق واحد . كتب بأسلوب الرسمات و ربط الميثولوجيا بالواقع مستعينا بالتاريخ والاساطير ولكن لا يفك طلاسهما لفهمها الا من متخصص لكون القاص استخدم رموزا قريبة من تخصصه في علوم الاثار . وعمل الناقد ان يكتب نصا موازيا يساعد المتلقي القارئ خاصة على فهم ما أفاض به القاص من تساؤلات حول المتناقضات المعرفية التي تمر علينا بتعويذات اسطورية وخيالية مبهمة .
المستوى الأخلاقي : "واجب الادب والاديب ان يلتزم بقوائم الاخلاق والمثل الانسانية العليا ولا يحق له ان يتعرض لمنظومة الاخلاق العامة والاديان والاعراف والقوانين بشكل هدام" 5 . ويشترط ان ينضوي تحت خيمة الالتزام الاخلاقي ويخضع لمقومات مذهب التعويض الادبي وهذا المبدأ يفرض على الاديب الالتزام بالقواعد الاخلاقية المنظمة في المنظومة الاخلاقية العالمية مثال ذلك ان لا يتعرض باي نص لحقوق مجموعة صغيرة من الناس تسكن في اقصى الغرب او اقصى الشرق من المعمورة ولا يعد اديبا من يخترق منظومة الاخلاق والاجناس والطائفية وينشر العداء والتفرقة ،وهنا وجدنا القاص قد نجح في تثبيت المظاهر الاخلاقية للمجتمع وان نصوصه الفلسفية تعبر عن افكاره ومعتقداته و قدمها بمقبولية بما لا يمس او يجرح الاخلاق الانسانية .
مراجع البحث النقدي: 1- عبد الرزاق الغالبي ,الذرائعية والعقل – ج 4, ص244 2-عبد الرزاق الغالبي ,الذرائعية في التطبيق ,ص127 3- عبد الرزاق الغالبي ,الذرائعية في التطبيق ,ص128 4- عبد الرزاق الغالبي – الذرائعية في التطبيق ,ص104 5- عبد الرزاق الغالبي – الذرائعية في التطبيق , ص199 |
المشـاهدات 565 تاريخ الإضافـة 16/07/2023 رقم المحتوى 25638 |