الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
مجالس عاشوراء .. وحركة الوعي!
مجالس عاشوراء .. وحركة الوعي!
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حميد رياح
النـص :

ما يقدمه خطباء المنبر الحسيني خلال مواسم عاشوراء وشهر رمضان هو امتزاج  بين العاطفة والوعي و ربط بخيط رفيع بين  ماضٍ له ما له و عليه ما عليه وبين حاضر ينوء بمعضلات النهوض و هذا المنهج يهدف للوصول الى غايات وأهداف ذات بُعّد معرفي يكون في الغالب انعكاسا لنشاط الحوزة وحركتها الفكرية إزاء ما يفرزه  الواقع من تحديات. يعدّ الشيخ الوائلي ( رحمه الله) نقلة معرفية نوعية للمنبر الحسيني في مواضيعه وآلياته حيث تتكامل في شخصيته جوانب متعددة من الأدب والفكر والشاعرية والذوق الرفيع. وقد أخذ صوته وفكره المنبري حيزا زمنيا واسعاً أبعد من حياة الجسد. الشيخ الوائلي كان نقلة أفرزتها حركة الوعي لمعالجة أزمات الواقع وكان خير ممثل للنشاط الفكري للحوزة. بكل تأكيد للمنبر دور رسالي مهم في بناء ثقافة ووعي المجتمع وهذا الدور يعتريه بعض الخلل لأسباب كثيرة لا يسعها هذا المقال الا مرورا سريعا. ان الغالبية من الخطباء والعلماء يبذلون كل ما بوسعهم للتبليغ ومواجهة التحديات ولهم ظروفهم ومعوقات مسيرتهم، لكن يبقى الإبداع والابتكار والتجديد في الطرح وابتكار آليات وأساليب حديثة هو الذي تحتاجه حركة الوعي لمواكبة روح العصر .. مع المراجعة الدائمة لمخرجات المنبر ومتابعة جمهوره وتقيمه المستمر وتشخيص حاجاته وطرحها على المنبر من قبل الحوزة او جهة تكون مسؤولة عن إدارة هذه المؤسسة ولا تترك للاجتهاد الشخصي وبدون ضوابط. فحركة المنبر تحتاج الى ترشيد في النظر إلى القضايا الكبرى والخروج من ضيق الخطاب الشعبوي العاطفي وسيطرة العقل الطقوسي. حتى لايصبح الصوت هو المعيار في اختيار الخطيب لا ثقافته وفكره. لذلك لابد من تحديد بوصلة المنبر بإتجاه الوعي وبحث قضايا الأمة الكبرى التي يتفق عليها ويكون عليها شبه اجماع.ربما تتوافر الساحة التبليغية المنبرية اليوم على  أسماء وخطباء مهمين لم أطلع على نشاطهم، لكن أرى السيد منير الخباز أكثر الأصوات تعبيرا عن صدى الحوزة العلمية ونشاطها الفكري في مواجهة التحديات الفكرية الوافدة. السيد الخباز لديه القدرة على الإجابة عن الأسئلة المسكوت عنها والتي هي محل إهتمام شريحة الوعي من المثقفين والشباب. وأيضا السيد الخباز له أسلوب شيق وجميل في طرح المواضيع المعقدة وجعلها بسيطة ملائمة للثقافة العامة. اخر ما سمعت له محاضرة قيمة عن تعدد القراءات في الليلة الثالثة من المحرم ناقش فيها الهرمونيطيقا الفلسفية ورد على هايدغر وغادامير من خلال رده على محمد مجتهد شبسترى وسيد عبد الكريم سروش. رغم ان وقت المحاضرة والمكان لايتسع لطرح فكرة تعدد القراءات بابعادها الواسعة لكنه استطاع ان يلم أطراف الموضوع وركز على نسبية المعرفة وفتح بابا للحوار في مواضيع مهمة في منهجيات الحداثة وفلسفة اللغة التي نبتعد عنها كثيرا.لم يتطور الغرب الا بعد ثورة فلسفية معرفية وبعد ان فتحت دفاتر الدرس الفلسفي ونزلت الفلسفة إلى الواقع واخذ الفكر دوره في إعطاء معنى للحياة. لذلك كان ديكارت وجون لوك وبيكون ومالبرانش واسبينوزا وعشرات الفلاسفة في سلسلة متصلة غير منقطعة وبافكار ونظريات متنوعة ومتعددة الاتجاهات،كانت محاولاتهم هي عبارة عن الإجابة عن سؤال البحث والتفكير بمنهج جديد يعطي معنى جديدا للحياة والى النظرة الى العالم. المنهج الذي يعالج الازمات التي تواجه الواقع المتجدد واقع كل عصر يعيشون فيه. اما في مركز الوعي واعني به مايسمى الشرق  - عالمنا العربي والاسلامي -  فقد انقطع الدرس الفلسفي منذ أمد طويل. فمنذ الملا صدرا الشيرازي الذي كان معاصرا لديكارت الى محمد باقر الصدر لم يكن هنالك الكثير من التجديد وانتاج مناهج جديدة بل كان في معظمه ترديد وتقليد لما قيل فلا ابداع ولا ابتكار لمناهج جديدة ولا حلول للواقع. فعندما نواجه أفكارا جديدة مثل البنيوية او التفكيكية او الحفرية والتداولية او الفينومينولوجيا او الهورمنيطيقا لا يمكننا ان نستحضر ابن رشد او ابن خلدون او الفارابي ولا ابن سينا ولا صدر المتألهين فالمدارس الفلسفية كانت اكثر ملائمة لعصرها وتحدياته ولا يمكن نسخها من دون تحديثها او تبييئتها  ، فتحدي المناهج الحديثة فيه تكامل وتراكم لكل تجارب الانسان المعرفية والمناهج الحديثة تحتاج الى فكر ينطلق من الحاضر ليقدم فهما جديدا للمستقبل يحمل روح العصر وتحدياته بعد المعرفة الدقيقة لتلك المناهج. ربما ساعود في مقال قادم لاناقش سماحة السيد منير الخباز فيما طرحه بنظرة نقدية تتناول ما طرحه من ردود مع الاجابة عن تساؤلات حول ثقافة المنبر وهل يمكن للمنبر وجمهوره ان يفتح الدفاتر لحوار فلسفي بين الشرق والغرب؟

 

 

المشـاهدات 126   تاريخ الإضافـة 01/08/2023   رقم المحتوى 26703
أضف تقييـم