السبت 2025/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
نيوز بار
تربية الأبناء في الشعر العربي
تربية الأبناء في الشعر العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

             سامي ندا جاسم الدوري

 ورد في المعاجم العربية: الابناء جمع لكلمة ابن، والاسم البنوة، وأصله من البناء؛ لأن الأب أصل والولد فرع. ويولد الأبناء كصفحة بيضاء لم يمسها قلم قط، فيأخذون كل ما لهم من صفات وطبائع عن أهلهم ، فالأهل هم أصحاب النبتة الأساسية التي تزرع في نفوس الأطفال لتمنحهم كل ما هو طيب وقويم من الأخلاق ، قال المؤمن الكوفي /

يَنْشا الصغيرُ على ما كانَ والدُهُ

إنّ العُرُوقَ عليها يَنْبُتُ الشجرُ

فتربية الأطفال لا تعني فقط أن ينفق الأهل على أبناءهم ويلبون لهم متطلبات الحياة، بل أن التربية هي مفهوم أشمل من ذلك، فتشمل الجانب النفسي والأخلاقي للطفل قبل الجانب المادي، وكلما كان الأهل اتقياء وبارين بآهلهم، كلما رد الله سبحانه وتعالى لهم جزاء برهم ببر أبنائهم لهم وطاعتهم في شئون التنشئة والتربية . قال الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه/

حرّض بنيك على الآداب في الصغر

كيما تقرَّ بهم عيناك في الكبر

و إنما مثل الآداب تجمعها في

عنفوان الصبا كالنقش في الحجر

هي الكنوز التي تنمو ذخائرها

وَلاَ يُخافُ عليها حَادِثُ الغِيَرِ

ولا بد ان  يتعلم الأبناء أن العلم شرف والجهل قبح، وأن العالم يعيش عزيزا كريما ولو كان فقيرا ، قال الشاعر معروف الرصافي في تربية الأبناء/

هي الاخلاقُ تنبتُ كالنبات             

        إذا سقيت بماء المكرماتِ

تقوم إذا تعهدها المُربي               

          على ساق الفضيلة مُثمِرات

وتسمو للمكارم باتساقٍ            

            كما اتسقت أنابيبُ القناة

وتنعش من صميم المجد             

           رُوحا بأزهارٍ لها متضوعات

أولادنا هم تلك السنابل الخضراء في صحراء حياتنا، هم فلذات أكبادنا هم قطعة من قلوبنا، هم زينة الحياة الدنيا، قد لا يطلب الإنسان السعادة لنفسه لكنه يرجوها لأولاده، وقد لا يتمنى الإنسان الحياة لنفسه لكنه يطلبها لأولاده، هم قرة أعيننا، ومهج أرواحنا، إذا حللنا كانت سعادتنا في أن تمتع أعيننا كل لحظة برؤيتهم، لا ننام إلا إذا ناموا، ولا نشبع إلا إذا شبعوا، لا تحلوا الحياة إلا بهم، وبوجودهم يستجلب الرزق وتتنزل البركات والرحمات

وتربية الأطفال هي واحدة من أكثر المهام مشقة وصعوبة على الإطلاق، وهي في نفس الوقت إحدى أكثر الوظائف متعة وإثارة، وكلنا نريد تربية أطفالنا كي يكونوا سعداء وناجحين في الحياة، سواء كان في الدراسة أو في مسيرتهم المهنية بعد التخرج . قال الشاعر الميداني /

فيا عَجباً لمن ربيتُ طِفْلاً

            أُلَقِّمُه بأطرافِ البَنَانِ

أُعَلِّمُه الرمايةَ كُلَّ يومٍ

        فلما اشْتَدَّ ساعدُه رَمَاني

أُعَلِّمُه الفتوةَ كل وقتٍ

          فلما طَرَّ شَاربُه جَفَاني

وكم عَلَّمْتُهُ نَظْمَ القَوافِي

       فلمَّا قَالَ قَافِيةً هَجَاني

ومن الأساليب الصحيحة في تربية الأبناء يتبع الوالدان أساليب تربوية بغية تهذيب سلوك الأبناء ومساعدتهم في تكوين شخصية قوية مستقلة، منها التوجيه حيث يُساعد التوجيه على تكوين سُبل حوارية جيدة بين الطفل ووالديه، فيُمكنهم فهم ما يدور في ذهنه بصورة أكثر وضوحًا، وتوجيهه لما فيه خير له بناءً على هذا الفهم. وكذلك القدوة فقد يتطبّع الابن بسلوك والديه، فيسهل عليه التحلّي بمكارم الأخلاق إن لاحظها في تصرفات والديه، والتمس فيهم المثل الأعلى الذي يُحتذى به في كافة الأمور. وقد تستوجب التربية السوية للأبناء أحيانًا معاقبتهم على ما يبدر عنهم من أخطاء، شريطة ألّا يُفضي العقاب إلى أذى بالغ الضرر  ، قال الشاعر /

العلم يرفع بيتاً لا عماد له

   والجهل يهدم بيت العز الشرف

لا شكّ أنّ للأبناء في قلب الأبِ مَنْزلة لا تضاهيها أية منزلة لمخلوقٍ آخر من مخلوقات الله، فهُم فلذاتُ الأكبادِ، وجواهرُ الأرواحِ، وزِينَة الدّنيا، فقد ذُكرت لفظة الأولاد في كتاب الله في أربعة وعشرين موضعاً مقرونة بالأموال.

وقال أبو العلاء المعري /

قد ينجب الولد النامي ووالده

       فسل ويفسل والاباء أنجاب

دنا رجل إلى عرس لأمر

       وذاك لثالث خلق اكتساب

فما زالت تعاني الثقل حتى

     أتاها الوضع واتصل الحساب

نرد إلى الأصول وكل حي

      له في الأربع القدم انتساب

وقد احتل الأبناء مكانة كبيرة في الأدب العربي منذ العصر الجاهلي حتی وقتنا الحاضر، فقد حملت الكثير من القصائد شوقاً للأبناء، وتبرماً من البُعد والاغتراب، كما حملت قصائد أخری الرثاء بالأسى، وبعضها جاء محملاً بالعتاب . وقال الشاعر /

ما إن تأوهت في شيء رزئت به

       كما تأوهت للأطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم

  في النائبات وفي الأسفار والحضر

وقد شاعت في الأدب العربي قديماً وحديثاً قصائد في رثاء الأبناء، عبّر بها الشّعراء عن عاطفة أبوية صادقة؛ كون الشاعر يرثي جزءاً منه، فليس هناك حاجة لمصلحةٍ تزرع الريب في تلك العاطفة، قال الحارث ابن عباد في رثاء ابنه بُجيراً  /

قُل لِأُمِّ الأَغَرِّ تَبكي بُجَيراً

حيلَ بَينَ الرِجالِ وَالأَموالِ

وَلَعَمري لَأَبكِيَنَّ بُجَيراً

ما أَتى الماءُ مِن رُؤوسِ الجِبالِ

ولأبي ذؤيبٍ الهذلي مرثية رائعة في أبنائه الخمسة، الذي فارقهم في زمانٍ واحد إثر وباء اصابهم ، منها /

قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِباً

     مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ

أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعاً

     إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ

فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُ

     أَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ فَوَدَّعوا

أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني غُصَّةً

         بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ

من المعروف أن للشوقِ الى الأبناء نيران تكوي القلوب، إلا أن الشعراء زينوا في بعض الأحيان قصائد الشوق تلك بالوعود وقرب اللقاء .قال أبو الطيب المتنبي /

هل الولد المحبوب إلا تعلة

 وهل خلوة الحسناء إلا أذى البعل

وما الدهر أهل أن يؤمل عنده

  حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل

وكذلك العتب علی الأبناءحيث رسم بعض الشعراء صوراً في قصائدهم تحمل معاني عتب علی الابناء، الذين اختاروا البعد بلا مبرر، قال معتوق الموسوي عندما قرر ابنه الاارتحال الى بلدٍ آخر /

هويتك واصطفيتك دون رهطي

         وأولادي وكنت من الأعادي

جهلت ابوتي وجحدت حقي

              وقابلت المودة بالعنادِ

أتنسی حسن تربيتي ولطفي

     وما سَبَقتْ إليك من الأيادي

رجوتك كالعصی لأوان شيبي

       ومعتمدي إذا سالت عمادي

عساك عليّ تعطف يا حبيبي

         وتهجر ما تروم من البعادِ

توهجت الكثير من القصائد العربية في الأبناء بمعان صادقة، تجلت بها العاطفة الأبوية بأبهی صورها، وتجسدت فيها المحبة أجمل تجسيد، فقد نظر الشعراء الی الأبناء نظرة تفاؤل، فالأبناء سند الحياة، وفرحة العمر، وملح الوجود

قال احمد شوقي /

رب طفل برح البؤس به

  شب بين العز فيها والخطر

ورفيع لم يسوده أب

 من أبو الشمس ومن جد القمر       

فلك جار ودنيا لم يدم

 عندها السعد ولا النحس استمر

 نعم إنّ تربية الأطفال مسألة مهمّة، فالأطفال شباب المستقبل، وعلى عاتقهم يُلقى إدارة الأمّة.

فإن تربّوا على نهج سليم كسبتهم الأمّة في شبابهم، وإلّا ورثنا شباباً فاسداً خانعاً لا إرادة له ولا قيم. فالأطفال كالبذرة إن اعتنينا بها من البداية أثمرت شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإلّا كانت شجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار . فعلى الآباء أن يتحمّلوا مسؤوليّتهم في تربية أطفالهم تربية إسلامية سليمة، حتّى لا يخسروهم في الدنيا والآخرة . قال الشاعر /

وإنّما أولادنا أكبادنا

             تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم

    لامتنعت عيني عن الغمضِ

وأخيرا فالأبناء نعمة الله التي أنعم بها على البشر في هذه الحياة، فهم امتداد لأرواح والديهم الذين يلمحون فيهم ذواتهم منذ الولادة، ويشعرون عند النظر إليهم بالفخر ،وبعد سنين يُصبح الولد سرّ أبيه، وتغدو البنت صديقة أمّها التي تسري عنها همومها، وليس أجمل من أن يكون الأبناء بذرة صالحة تعطي أينع النَبتِ، وأزكى الثمر عندما تكبر

المشـاهدات 9821   تاريخ الإضافـة 29/08/2023   رقم المحتوى 28147
أضف تقييـم