الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
عواصف رعدية
بغداد 29.95 مئويـة
وداعا يا نبض الكلمة واحساسها يا كريم العراقي
وداعا يا نبض الكلمة واحساسها يا كريم العراقي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

احمد جبار غرب

 

بعد وفاة الوالد عام ٧٤ امضيت عاما بطيئا مكسوا بالالام والحزن الشديد ثم قررت الانتقال من ثانوية بورسعيد الى ثانوية المصطفى او كما تسمى الكرامة المسائية  لاجل التفرغ للعمل  وفي بور سعيد عرفت اسماء ادباء وكتاب كبار طالما منحونا الثقة والارادة في تحدي الصعاب رغم  طيشنا وعبثنا في تلك السنوات الصبيانية  .انتقلت الى ثانوية المصطفى المسائية لكي اعمل نهاراواعيل عائلتي الصغيرة المكونة من اربعة افراد . كنت في الصف الثاني متوسط وفي هذه الاوقات مررت باطوار انتقالية في التفكير والانتقاء والرؤيا انعكس ذلك على نمط تفكيري وسلوكي في الحياة  وفي الصف حيث كان امامي الطالب المشاكس رحيم العراقي الذي ينتقد المواقف والظواهر  بسخرية لاذعة تثير الضحك في النفوس مهما عظم حزنها اضافة الى انني احببت هذا الشاب لانه قريب من نمط تفكيري وقناعاتي فكانت صداقة واعية تنهل من الافكار الحرة وحب الناس و الحياة كل معانيها وفي حينها كشف رحيم عن ان خاله هو الشاعر كريم العراقي وقتها لم يكن مشهورا جدا لكن الاوساط الشعرية والنخب تعرفه جيدا كشاعر له مجاميع شعريةوينشر في الصحف والمجلات العراقية  وقد اهداني رحيم احدى هذه المجاميع عندما كان الشاعر كريم العراقي معجون بحب الكادحين والعمال ويحنو على ابناء طبقته من الفقراء ويعبر عنها في قوافيه واشعاره الشعبيةولازلت احفظ جزء من قصيدة  من تلك المجموعة  لازال عالقا في الذاكرة (قصيدة الحلم ..كتبت في٣/٧/ ١٩٧١

إتحلمت... والحلم طال

جن كمر بيد الأطفال

والشوارع من حرير

والنخل علوالجبال

كل محب عنده حبيبه

وكل وجه بعيونه طيبه

واحد يصافح الثاني

والخبز لون الأغاني

والبيوت معرسه كلها

وماكو للدمعه مجال )

 وكانت بدايات كريم العراقي  تلوح بانبثاق شاعر كبير سيكون له اعظم الاثر في ثقافتنا حيث البساطة في المفردات والاحساس بالجملة الشعرية واعظم شيء هو اننا نصدق هذا الشاعر عندما يلقي قصائده بشكل مؤثراضافة الى رصانة موضوعاته وجدليتها   وكان رحيم يتحدث بفخر واعتزاز عن ابداع ومواقف كريم حيث كانت العائلة تسكن قطاع(٣١)اي مجاور قطاعنا( ٣٠) ويفصل بيننا شارع الجوادر او شارع مريدي في ايام ازدهاره ومجده ..كان كريم العراقي ينشر قصائده في جريدة طريق الشعب وكانت وقتها صلبة وقوية لها حيز واسع الانتشار يتلقفها الشباب والطلبة  ويكتب فيها كبار الكتاب اليساريين والديمقراطيين من امثال فالح حسون الدراجي وجمعة الحلفي وصادق الصائغ وغيرهم الكثير .كانت جريدة طريق الشعب  تشكل غذاءا روحيا للشباب التواقين للمعرفة والتغيير والحالمين بالعدالة الاجتماعية  ..كنت اشتريها يوميا بعد انتهاء عملي واطبقها على شكل مستطيل واضعها في جيب البنطال الخلفي لاخفائها عن عيون الفضوليين والمتربصين وافتحها بالصف ليتداولها  معي من يحيطون بي ومنهم رحيم العراقي لنتابع ونقرا مامنشور بداخلها اذا كانت في حينها الجبهة الوطنية قائمة مما سمح لنا باالقراءة والتداول دون اكتراث لتداعيات مانفعل ..كان رحيم يتوجس دوما وكثير التكتم على خاله او حسب ما ادعى في وقتها خوفاعليه من اجهزة الاستخبارات والامن التي كان على رئسها ناظم كزار وهو جزار اشر طالما فتك بالوطنيين الشرفاء نتيجة مواقف سياسية حيث كانت الاجهزة المخابراتية والامنية تجير لصالح السلطة والنظام السياسي وليس من اجل حماية الوطن والناس ناهيك عن قيام بعض من ينتمون للاتحاد الطلابي (الوطني) بالاستفزاز والتلفيق ضد الطلبة لاجل ثنبهم عن قراءة الجريدة في الصف والخوف من ان تتحول الجريدة الى مادة دراسية تشغل الطلبة عن اجوائهم الدراسية حسب مايدعون ..وتمضي الايام وتتحرك السنون وتدور على العراق الدوائر وعانى شعبه من كوارث متتالية..حروب تتوالد وحصارقاسي لم يمر على اي شعب على وجه البسيطة ولازال يعاني من مشكلات تترسخ يوما بعد يوم فمع تباشير الديمقراطية والمرحلة الانتقالية وحكم المؤسسات كان ثمة نهج اسود مدمر خيم على البلاد وادخلها في متاهات مدمرة  وبعد ان من علينا الله بالديمقراطية وانتشار وسائل الاتصال اكتشفت ان الدكتور رحيم العراقي الكاتب المسرحي والشاعر هو شقيق الشاعر كريم العراقي لكنه كان يداري على اسم اخيه خوفا عليه و ظل صوت الشاعر الكبير كريم العراقي قويا ووفيا لافكاره وناسه ومجتمعه فقد ابدع كثيرا في الشعر الشعبي والشعر النثر والقوافي صادق في احاسيسه مؤثر في القاءه يسعد المتلقي والسامع القريب والبعيد وغنى له العديد من الاصوات العراقية و العربية الشهيرة وحظي بحب القادة والزعماء والنخب المتقدمة كون مفرداته ذات نسق موسيقي عذب ترصف بدقة ووعي تحافظ على جمال المعنى ووحدة الفكرة وتعتبر قصيدته (تذكر) والتي نال على اثرها جائزة اليونسيف كاحسن قصيدة للاطفال بعد القسوة التي عانى منها الاطفال العراقيبن جراء الحصار الاقتصادي الجائر وايضا قصائده الشعبية التي تحولت الى اغاني يرددها العراقيين مثل جنة جنة والله  ياوطنه  و الشمسي شمسي والعراق عراقي ودار الزمان ودارة لكن هذا الفارس العملاق ترجل عن جواده مبكرا اذا لازال في   الابداع  والتالق متسع لكن المرض اللعين لم يمهله طويلا  رحل الفارس مصابا بالاشعاعات التي تلوثت بها اجوائنا باليوراتيوم المشع بعد حربين ضروس عانى منها شعبنا العراقي الامرين ..رحم الله الشاعر  الكبير كريم العراقي وهو بالتاكيد رحل جسدا لكن روحه ستبقى ترفرف في انفاس كل عاشق للوطن والحب والحرية وسننهل من ارثه الشعري المكتنز لاجيال بعيدة

 

المشـاهدات 193   تاريخ الإضافـة 10/09/2023   رقم المحتوى 28707
أضف تقييـم