الأحد 2025/5/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 38.95 مئويـة
نيوز بار
دراسة نقدية عندما نكون داخل النص الشعري في... ما لا يراه الآخرون
دراسة نقدية عندما نكون داخل النص الشعري في... ما لا يراه الآخرون
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

                    يوسف عبود جويعد

بدت لي بنية العنونة، للقصائد الشعرية، التي ضمتها المجموعة الشعرية (ما لا يراه الآخرون) للشاعر محمد السيد جاسم، بأنها تختزل بشكل مكثف، محتوى ومضمون وشكل وثيمات ووحدة موضوعها، الا أنها تحتاج الى متممات حتى تتضح وتظهر رؤيتها الفنية التي ابتغاها الشاعر، كما نجد ذلك النضوج الفني في انتقاء المفردة الشعرية الانزياحية، التي تحمل عمقاً من المعنى والبلاغة والحس الشعري، الذي يعمل كالصوت الذي ينبعث من هوة بعيدة، يدخل الى الوجدان وشغاف القلب، فيثير المزيد من الأحاسيس لدى القارئ، كما عمد الشاعر في معظم قصائده، أن يجعل صديقه جزءاً من النص الشعري، فيضمه الى عملية البناء الفني لمتن النص، وكذلك وفي بعض القصائد يكون هذا الصديق أو الصاحب، عنواناً لها، وهو في ذلك يشبه الى حد بعيد، من يريد لصديقه أن يكون حاضراً ليستمع ومن خلال ذلك الصوت، ما تضمه القصائد من لواعج ومناجاة وتداعيات، وكأنه في ذلك يضع الصديق في المكانة السامية التي يجب أن يكون فيها الصديق، لأنه قريب منه، ويحتاجه أن يساهم في عملية البناء، كما جاء في القصيدة الشعرية "مصابرة" :

عليك فقط

أن تمسك روحك،

ما استطعت

يا صديقي

في المعابر الحادة،

أن تستمتع بكل هذا العناء،

تحمل وطأة العالم

تستنفر كل خيالاتك

في المصائد القاتلة

وتحول الفراغ الى رؤيا.....

وقد يكون في الوجه الآخر من التفسير هو القارئ، لأهميته ولضرورة وجوده ومرافقته رحلته الشعرية الرائقة، وهي أشبه بسحبه بشكل تدريجي وئيداً خطوة خطوة نحو عمق المعاني، كما نجد ذلك في القصيدة الشعرية (رقصة عابرة):

ليست ثمة حياة ناعمة،

يا صديقي

هي رقصة

نقايض فيها

أوهامنا الجميلة،

نتلفع احلامنا،

في الأيام،

الايام التي تقتلع بعضها،

في الزمان

عبثاً أن نمسك

بأغصانها الجافة،

عبثاً يا صديقي

وهكذا هو حال أغلب هذه النصوص الشعرية، والتي أضفت الى تلك النصوص، نوعاً من البهجة والاستمتاع، وكأن من يتابعها يكون قد أنضم مع هذا الصديق. ليرحل معه ومع الشاعر بزهو واهتمام، ليدخل عالم من الشعر مكتمل النضوج، بحكم تجربة الشاعر في مجال صناعة القصيدة الشعرية، التي ابتدأ كتابتها منذ أكثر من اربعة عقود.

أما القصيدة الشعرية (على مشارف الشتاء) فهي رؤية حسية شعرية، لما خلفه فصل الشتاء في عقل ووجدان الشاعر، هناك في الارياف، في جنوب البلد حيث مرتع طفولة الشاعر وصباه، حيث مسقط رأسه:

سأمكث في الريف

هذا الشتاء،

أعود لفطرتي الأولى،

وأركض تحت المطر

واقرأ ما تيسر

من سورة السماء

والشجر

واكتب القصيدة

وأصحب الليل، والنجوم،

والتخوم البعيدة

لموقد الضفاف، والصحاب،

والقمر...

ونجد في القصيدة الشعرية (كما أرى) ذلك التيه والضياع والهيام والابحار والخيال المحلق الذي يطوف، مع الصوت الشعري الذي يبلغ صداه الفضاءات حيث لا منتهى:

أحدقُ في الأفق ملياً،

فأراني بمرايا الرب،

سعيداً،

سعيداً محظوظاً

وبهياً

لا أشبه أحداً

الا روحي

مغتبطاً بالخلق، وبالنور

وفي القصيدة الشعرية (استغراق) يكون فيها الصديق مضمراً بين أنساقها، والقارئ، موجهاً لهما الخطاب الشعري، الذي يبدو فيه ناصحاً وواعظاً:

قد تستغرقُ في الرؤيا،

أو قد تهرب

صوب المستقبل،

فتراه قريباً،

قريباً جداً،

ذاك لأنك في أرجوحة،

قد تصدمكَ البهجة يوماً،

فترخي ستائر النافذة،

وقد تقترحُ الحرية،

والحرية منفى...

كما نلاحظ أن أغلب تلك النصوص الشعرية، تنتهي بنص مفتوح وغير مغلق، لكي يمنح للقارئ فسحة من حالة التأمل، واكمال ما تبقى من النص.

وكما هو حال الشاعر، عندما يتأمل الغد، وعنده مجهول، وقد يكون مخيفاً قلقاً، وقد يكون وسط عالم مجهول لا يعرفه، فيه الضياع والتيه، وغياب كل شيء، حياة مقفرة يابسة قاحلة، هكذا نجد الشاعر ينقلنا ال الغد من خلال القصيدة الشعرية (أراني غداً):

غدا...اذا ذوت السواسن

تموت القصيدة

ويربك اليباس

القمر،

ومحض يباب

ستغدو الحياة

بلا مطر

وتغدو الليالي قبوراً

بلا نجوم

وتغدو الليالي قبوراً

بلا نجوم

غدا... أراني وحيداً

بلا ذاكرة

غريباً

أجوب التخوم...

كما حفلت المجموعة الشعرية بالعديد من القصائد الشعرية الجزيلة المختصرة المكثفة التي قد تصل حد الومضة الشعرية.

ونجد ذلك في القصيدة الشعرية (تداعيات شاعر) التي تضعنا وبرؤية فنية بحياة الشاعر، وكيف يعيش هواجسه وافكاره مع شعره:

يرتق

افكاره

بقارورة الليل،

يوهم الفجر

بحلم قديم

بالناي

يكسر رغباته

يعض على ايامه السالفة.....

كما نجد مكاناً للام والاب في هذه المجموعة، حيث خصهما بالقصيدة الشعرية (والداي):

توحدا معاً،

عبرا المفازة معاً

عاشا معا تحت ظل السماء،

مثل اسطورة

هو رجل بلا اطر اخرى

سواه،

ذلك هو ابي،

وهي امرأة،

خارج زيف الهندسة

امرأة

من حرير،

تلك هي أمي.....

أما القصيدة الشعرية (كما العصافير) فإن الشاعر يقدم لنا رؤيته، لأيامه الخوالي

كنا نطير، كما العصافير،

ونغفو بلا ارتياب بظل الشجر،

تسابقُ أحلامنا الأمهات،

ويغسل ريشنا، في الصباح المطر

وهكذا نمضي بهذا العالم الشعري مع بقية النصوص الشعرية، والتي نخلص من خلالها، اننا حقاً راينا ما  لا يراه الآخرون، وقد تبين لنا هذا النضوج الشعري والفكري، الناتج عن عمق تجربة الشاعر وممارسته المستمرة لصناعة القصيدة التي بدت لنا تستحق هذا اهتمام.

من اصدارات دار العراب- سوريا- ودار الصحيفة العربية –بغداد لعام 2023

المشـاهدات 335   تاريخ الإضافـة 19/09/2023   رقم المحتوى 29367
أضف تقييـم