
![]() |
الزمان / المكان / الشخصية في مجموعة القاص هيثم الطيب باب المنفى الكبير |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : الجزء الأول ايمان عبدالحسين
في البدء لا بد أن نشير بوجود علاقة متضافرة ما بين الامكنة والازمنة، فهما ثنائية يمثلان معا جوهراي نص ادبي سواء كان قصة او رواية، وهما أداوات يكملان الواحدة منهما الأخر، وان التضافر ما بينهما هو الميدان الذي تبرز فيه خصوصية الشخصية،التي تتغير طبقاً لتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية للامكنة التي تتبع واقع زمني معين يسعى بسط نفوذه على الامكنة بكل ما ينطوي عليه من السلبيات والايجابيات ، وان اي تحولات في مسارهما ينسحب انسحاباً تاماً على الشخصية التي من ابرزخصائصها انها لا تقدر الاستقلال عن الزمكانية، فهي لا بد لها من مكان تجسد حركاتها وافعالها فيه، اذن فان مستلزمات الكتابة القصصية تقتضي ان يدورالحدث في فضاءات متنوعة سواء كانت مغلقة اومفتوحة يتم الكشف من خلالها عن البنية الاجتماعية للشخصيات، الذي يحتويها المكان ويحدد لها صفاتها وبعبارة اخرى فمادامت هذه الشخصيات تعيش على الارض ضمن شبكة من العلائق فلا بد ان يمثل كل شخص فيها شريحة اجتماعية معينة تختلف من حيث صفاتها وبنيتها الأساسية المرتبطة بمكان معين عن النماذج المرتبطة بمكان اخر، فحتما ان الامكنة التي تتعلّق بصفات محدّدة من الجمال والفرح تنتج منها شخصيات جميلة ومتفائلة واي تغيرات سلبية تطرأ على الامكنة تؤدي إلى ضغوط وعقبات داخل الشخصية تفرض عليها نمطاً يتصف بالتشظي والحزن ، وتبعا لهذا ان كل ما تحمله الشخصيات من الصفات لا بد ردها الى خلفيات انتجتها، ويصبح الزمان والمكان كل منهما مصدر لنفيها تارة والى استعادة بنائها تارة اخرى، واننا نرى ان من يتابع قراءة مجموعة القاص هيثم الطيب المعنونة باب المنفى الكبير الصادرة عن منشورات اتحاد الادباء، التي نحن بصدد تناول قراءتها هنا، يلحظ ان تلك المعادلة قائمة بشكل أو بآخر في اغلب القصص، حيث ابرز ما تتوافر فيها من مقومات اولاها قيامها على بنية مكانية واضحة، فالقاص يولي المكان اهمية خاصة، وثانيهما تقديمة الشخصيات جوهرا متاثرا في الامكنة، التي تحضى باهتمام لدى القاص متسمة بالاضافة الى وجودها الجغرافي بسمة الرمز حين تكون لصيقة بالشخصيات الموجودة داخلها، فالامكنة لا تخلوهنا من اسقاط على ازمنة يحاول القاص الكشف عن ما يريد طرحه فيها، وهذا ما يسمى نقد الواقع بصورة غير مباشرة من خلال ابراز الصورة المشوهة لواقع زمن من أخص خصائصه ان ضعف امكنته تنسحب على شخصياته، فاختيار القاص فصل الخريف في قصة النهارالاخير كفصل مسيطرعلى اجواء القصة ليس عشوائيا، فان الحضور الطاغي لهذا الفصل هو من اجل انتاج شخصيات يطرح القاص من خلاله ما تعانيه من توترورتابة وخيبة تحت وقوعها في ظل امكنة لا تحمل سوى الكابة والكوابيس (ليس لدي متسع من الوقت لكي اتحدث الان فمنذ بداية الخريف ونحن لم نغير شيئا في سلوكنا ولا نمط حياتنا ولا طريقة جلوسنا في غرفة الاستقبال ربما نسينا هذه الامور ولم نعد نشعر بالرائحة ولا بالمكان )،( اصبحت الكوابيس تلاحقني في غرفتي الكئيبة )(عندما ينتهي الخريف يبدا خريف اخر ممتلا بالخيبات والرغبات المكبوتة في حياة لم تكن جميلة كما ينبغي في تلك الاثناء كنا نعيش انتظارا مقلقا ربما يستغرق بضعة ايام)، كما ان القاص اولى بنية المكان في قصة باب المنفى اهمية كبيرة ليطرح من خلاله ثيمة تكررت مرات عديدة على امتداد القصص وهي ثيمة الموت وعلاقتها بالامكنة والشخصيات، وبهذا لا يمكن الزعم بأن اي من التحولات البيئية يمكن ان تحدث في القصة دون أن يرافقها تبدل مماثل في الشخصيات، فالحديث عن موت الامكنة المتهالكة القديمة يغدو وارداً ومقنعا هنا، وحقيقة مجدولة من واقع الشخصيات وسماتها اذ يجد القارىء نفسه في مواجهة امكنة متهدمة منهكة تترك أثرها في الشخصيات التي تتبع ثوابتها ومتغيراتها حسب متغيرات الامكنة وثوابتها ( اودت بحياة عباس العلي اثناء مرروره من تحت شرفة منزله المتهالك في هذه المحلة القديمة جدا ) ، (ثم بعد ذلك تزوجت من الرجل الاخرس صاحب الطاقة الجسدية العجيبة والذي مات بعد خمسة اعوام وثلاثة عشر يوما بحادث مروري واعقبه الرجل الذي تزوج من ثلاث نسوة والتي كانت حصته منه يوما من كل اربعة ايام ياتيها فيه متعبا منهكا)(فما حصل كان ايذانا بانتهاء تاريخ هذه المحلة المتهالكة الكائنة في قلب المدينة) لتنتهي القصة بالموت ايضا (عندما ارادت استخدام مجفف الشعر بعد خروجها من الحمام لم تكن تعرف انه كان يسرب الكهرباء لم يستغرق الامر سوى دقائق قليلة قبل ان تفارق الحياة الى الابد) . بناء على هذا التصور نجد ان القاص الذي يدور في فلك احالة كل ما في الشخصية مرهونا بالزمكانية ويصعب الفصل بينهما،ولغرض اثبات حقيقة الموت بصورة مباشرة وغير مباشرة كما في سياق معضم القصص فلا بد ان تكون هناك كم من الخصال والعلامات التي يستوجب توفرها في الاماكن والشخصيات التي يخص القاص بهذا قصة ليلة اختفاء فطيم لتبرير نهاية موت البطلة من ابرزها العلامات التي تدل على المرض والتشوه (في صبيحة اليوم التالي وجدت الشرطة النهرية جثة امراة طافية في النهر ودونت في العلامات الفارقة ان لديها ست اصابع كاملة في يدها اليسرى) ( انها حياة كاذبة وقاسية ومريرة ولونها اسود مزرق لاضرورة قطعا في التفكير بمستقبل الاشياء قالت بسخرية ممزوجة بالالم هي تعتقد انها كانت ستكون اجمل لم لم يكن لديها هذا التشوه في يدها اليسرى فهي تمتلك ستة اصابع في يدها ) وكما خص القاص الشخصيات باشارات الموت فحتما هي تابعة للفضاءات المحيطة بها والمتمثلة هنا بكونها اماكن للكوارث والظلمة (في الليلة التي تحدثت فيها عن المستقبل المظلم للبلاد والكوارث التي ستحل بهذا الكوكب استعادت بعض اللحظات المؤلمة التي مرت عليها ومنها وفاة ابيها واخيها وبكت ثم قالت لزوجها لم اعد اطيق البقاء ثم انخرطت في بكاء شديد سمعته المدينة). ونتيجة لزمن الحروب التي يحاول القاص ابرازها في اكثر من موقع على امتداد المجموعة فارضا فيها تبعيته على الامكنة التي تاخذ نصيبها من الدمار والتشظي كما يكون لهذه التبعية اثرها في محمول رئيسي هو الانسان الذي يكون حتما ضحية الواقع والفترة الزمنية بكل ما تحملها من ماسي، فهو يستقى من افرازات الواقع ميزاته ، فالانسان على اختلاف مستوياته يكون عرضة لهذا الواقع المزري الذي تعاني منه الازمنة والامكنة، وان الشخصيات نتيجة لما تقاسيه تتولد لديها نزعات نحو الموت والمرض، وفي اعتقادي ان المقصد من التركيز على ابراز فضاعة الحروب هو في سبيل نقد القاص للحروب التي تسهم في تكوين خلفية تساعدعلى فهم كنة التحولات التي تحدث في الشخصيات التي ابرزما تعانيه هنا اصابتها بالتشظي والمرض والموت التي تمثل ثيمة من الثيمات الاساسية التي تسيطر على اغلب النصوص القصصية في المجموعة، وهذا ما يبدو عليه من هيمنة الموت في قصة ذكرى حزينة ايضا اذ ان خطابها القصصي يعتمد على التكثيف الدلالي للموت ويظهرهذا واضحاً منذ الاسطرالأولى التي تبدا بالموت وتنتهي به، فالزمن في القصة مادام هو الزمن الواقع في ظل الحروب فحتما سوف لا يخرج عن نطاق فرض سلطة الموت المؤلم القاسي لها، الحرب التي راحت تثقل كاهل الشخصيات بجملة من الصفات السلبية وهو ما اسهم في ظهورها برفقة الموت دائما (لم يكن موت سوادي كاظم فاجعا فقط بل يمكن وصفه بصورة اشد فنقول انه كان مؤلما وقاسيا ايضا ولعل حياته لم تكن مثيرة باستثناء انه عاش مصاحبا لحروب كونية ثلاث) وان القاص استمر في تبني مفهوم ادانته للحرب عندما جعلها تصب في نهاية المطاف لموت كل ما في القصة بدأ من الامكنة التي تتمثل هنا بالاماكنة المغلقة فهي مدافن بلا ابواب ولا نوافذ وتعمل الشيء نفسه مع الشخصيات التي هي اسيرة الموت وان هذا يبدو إقرار من القاص بدورالحرب التي هي المحرّض الاساسي للموت (دفن هناك بعيدا حيث لا ابواب ولا نوافذ ولا فتحات تطل عليه ولا ضوء كنت قد توقفت عن البكاء وكانني غريق افتح فمي مندهشا باتساع عمق الوادي في هذا الليل الصامت) . |
المشـاهدات 442 تاريخ الإضافـة 26/09/2023 رقم المحتوى 29829 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |