النـص : الجزء الثاني
ايمان عبدالحسين
وللوقوف على افاق العلاقة بين الثلاثي المتمثل بالزمان والمكان والشخصيات وتحديد مساراتهما نرى ان القاص في قصة المواطن يعود من الحرب منذ العنوان يحاول اختزالهما معا ، فالقصة في جوهرها قائمة على فعل الزمان زمن الحرب وان كانت الحرب ترسم فعل زمن الحرب بصورة مباشرة فان كلمة عاد ترسم فضاء رمزي يتسم بالتجريد لمكان العودة بصورة غير مباشرة والتي بدورها ترسم شخصيات تعاني من الخيبات (انها مهنة شاقة لجندي عائد من الحرب يشعر بكمية هائلة من الاكاذيب التي طوقت حياته)،(في هذا العالم ليس هناك ما يؤنس وحدتي بقيت هكذا مثل عشبة يابسة ليس لها قلب تنهش جسدي الكوابيس) ،ولقد عبر القاص عن رفضه للحرب تعبيرات عديدة بصورة مباشرة وغير مباشرة الا ان العبارة الاكثر تاثيرا التي اخضع الحرب فيها للرفض والنقد المباشر وذلك في إبراز الجانب السلبي الذي تنطوي عليه عبر الملفوظ هذا: (عندما عدت بعد انتهاء الحرب اللعينة شعرت بالم كل شيء يؤلمني والحزن ايضا) وكما ان القاص في المقطع الاخير استمر ادانة النزعة السلبية للحروب ادانة صريحة ، وانتقُدها انتقاداً شديداً عبر الملفوظ التالي ايضا: ( العن كل الحروب التي مرت والحروب القادمة واقول كلها اكاذيب المجد للاكاذيب ايتها البلاد والسلام على الخبز والخيبات) ،وايضا ان القاص في قصة صيف ساخن منذ العنوان وما يليه من السطر الاول يحاول ان يضمر فرضيّة ترى أن محنة الشخصية تحددها منذ البدء علاقتها بالزمن التي تمثل في الوقت ذاته انعكاساً للمكان (في يوم السبت وعلى مقربة من نهاية صيف ساخن جدا في مدينتي البعيدة جدا تذكرت ان علي فعل اشياء كثيرة بمكن تدوينها على انها محطات الصيف اللاهب في الشرق) وما بين البداية والنهاية يضع أيدينا على مكمن الجرح في ما سياتي لاحقا والتي يكرر فيها فرضياته، ونزعاته واتجاهاته التي تلتقي على مفهوم ادانة الحرب لما لها من دورخطير في القضاء على اسس الاماكن والشخصيات ولتشيد على أنقاضها اسس متهالكة تتسم في القدم والعزلة (فقط عندما اكون متوترا حين اسمع باخبار الحرب والمضايق التي ستغلق وامدادات النفط ) ( فقد كان الباب مغلقا والاضاءة خافتة جدا وصفراء) (اصبحت رجلا في الخمسين في الشتاء ارتدي معطفا طويلا واطلق اللعنات كيفما اتفق)(نهضت من مكاني على الاريكة القديمة )، كما نجد ان القاص في قصة احداث كاذبة ومريرة يحوم على تغليب ذات الفكرة اذ ان تكرار حضور الحرب في ساحة وعي القاص العارف بالمعلومات اللازمة في معضم القصص ما يجعل من اصوات الشخصيات تختفي وتتوارى خلف صوته استدعت هنا استحضار فضاءات وازمنة تتصدرها رقعة تغلب عليها الملل والموت والمرض والعجز ( لا يمكن لاحد لم يرى الحرب ان يعيش تفاصيلها التي ربما ساتحدث عنها ) ( في هذا المكان الذي اجلس فيه ثمة نوايا مبيتة واقنعة بالوان مختلفة احداها لرجل مسن يعاني من مرض السكري يؤمن بالديمقراطية وحقوق الانسان ويكتب الشعر فضحه احد اقاربه حين قال كان مسجونا لانه بصق على صورة الرئيس) لتنتهي القصة بالموت ايضا فهي تحمل في النهاية الإحباط الذي نشأ عن (الرجل المسن لم يعد يرى في حياته معنى وهكذا انهارت قواه الداخلية ولم يعد له امل باصلاحها اطلاقا لم يسهم العلاج الذي يتناوله في مواجهة المرض واصبحت الفجوة مع الواقع كبيرة وفي الحقيقية فان الملل كان هو العامل الرئيس في موته كما اشار الى ذلك احد اقاربه عندما سالوه كيف مات)، ولكن حتى وهو يحاول الخروج من قوقعة الملل والموت فانها كمايطرحها العنوان بانها كاذبة ومريرة لانها لم تاتي بأونها .
ومن اجل الاستمرارا في ابراز ما تنماز به الذوات الفاعلة ضمن اماكن وازمنة لها خصوصيتها نرى ان المقطع التالي الماخوذ من قصة فاغر قلبي فبمقدار ما يصف بها الامكنة بصفات الفناء والهلاك فليس غريباً أن يكون الموت والفناء مصدراً رئيسا ما يحصل لبطلة القصة ايضا (تطب الغرفة تبدل ثوبها وراح يطيح السكف على راسها وتموت) ، وفي المقطع الذي يليه نجد ان الزمان بابعاده يتخذ شكلا مغاير تماما وان الشخصيات هنا تبدو متفاوتة يفرضها زمان ومكان أخر، فالامكنة ما دامت هي الاطار الذي تتحرك فيه الشخصيات التي هي خاضعة هنا لبنية ثنائية يحكمها التضاد اذ ان المشابهة بين الاماكن والازمنة هنا ليست متطابقة لا نهما يتشابهان في الواقع ويختلفان في الحلم، ولما كان غرض القاص بوجود حياة محتملة في ظل واقع قاسي وهو زمن الحروب (حروب كثيرة مررت بها كانت روحي تشم رائحة جسدي المتسخ وكنت ايضا اصطاد اي حلم يجمعني بزوجتي ) كان اذن لا بد من ابتكارسبلاً جديدة للتغير تاتي لخلاص الشخصية ،وهي تغيرات تحكمها شروط تتعلق ابرزها بالاحلام حيث هي الممر الذي يفتح آفاقاً جديدة لها، وينقلها الى حياة اكثر انفتاحا ذلك كونه إحدى السبل المطلوبة لإعادة التوازن إلى الشخصيات للتجاوزمن خلالها حالات تحتل في زمن الحروب الصدارة داخلها وهي حالات الخوف والتشظي والموت، من هنا نرى ان تجليات المكان في النص يحفر بين اماكن مغلقة واماكن مفتوحة فالقاص يستعين بتصوير الامكنة كاداة تساعده على تصوير شخصياته التي نجدها بتحولها ترسم مسار الشخصيات، والتي قد تتحقق وفق ما تمليها عليها ظروف وشروط زمنية محددة فمّما لاريب فيه أن ذلك راجعاً فيها إلى عوامل التغييرالتي مهما تنوعت وتعقدت لكنها تكاد لاتخرج عن هذين الإطارين (في ليلة شتائية طويلة جدا تمتد لسبع ليال او اكثر في زمنها وقال لها كنت ناعمة وفاتنة وقاسية لكي تحملي بي واحببتك اكثر واحببت نفسي اقل منك هل تذكرين قبل مائة وثلاثين عاما انك كنت اختا لي وكنا نسكن قرب بحر ازرق وانك اخرتيني عن رغبتك في ركوب الزورق لكي نذهب الى البعيد المجهول لا يمكن ان انسى ذلك المكان الجميل حيث عشنا فيه واذكر ايضا انك قلت لي ينبغي ايقاظ الموتى)).
|