السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 11.95 مئويـة
قراءات في السرد (منازل العطراني )..سيناريو فلم جاهز للإخراج
قراءات في السرد (منازل العطراني )..سيناريو فلم جاهز للإخراج
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

  ناطق خلوصي

  يشكّل المكان مرتكزاً أساسياً في بنية رواية " منازل العطراني " فهو يكاد يكون في حالة حضور دائم برفقة الأحداث وعلى النحو الذي يجعل شخصيات الرواية تستمد بعض سماتها منه.  لقد تكرراسم " العطراني " وورد إلى جانبه  ذكرأسماء أكثر من عشرة  أماكن ، من مدن وقرى ،تتوزع في جنوب العراق ووسطه وتشي كثرتها  بحالة القلق وعدم الاستقرار التي عانى منها بطل الرواية وعائلته : مجموعة من الأماكن التي تركت بصمتها على بطل الرواية أوترك هو بصمته على عدد منها وأوحى تعددها وتوزعها بأن البؤس والعناء كانا ينتشران ويتوزعان في كل مكان : قرية ً كان أم مدينة . و العطراني هذه التي تستمد الرواية عنوانها منها والتي منحها الروائي امتيازاً خاصاً ،هي إحدى قرى الغرّاف لاذ بها محمد الخلف بطل رواية " جمال العتابي  " وهي الأولى له ،وقد صدرت مؤخراً ضمن منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق ، وجاءت في253 صفحة تتوزع على أربعة وأربعين فصلاً ، ويمكن القول أنها نموذج من السرد الذي يتم توظيفه لتوثيق السيرة .

 تعود بنا الرواية أكثر من ستين سنة إلى الوراء فتذكّرنا بأيام من خمسينات وستينات ثورة 14 تموز وأيام  شباط 1963 ثم  أيام الانقلابات المتكررة ، من خلال معاناة المعلم والفنان والسجين السياسي محمد الخلف الهارب من سجن الكوت ، فتقدم  بذلك صفحات من سيرته الشخصية ، تروى على ألسنة زوجته وأولاده وابنه البكر خالد  بشكل خاص  وهو الذي سيصبح البطل الموازي لشخصية الأب بفعل مستوى الوعي الذي توفر عليه . وسينشأ تبعاً لذلك صراع خفي في البداية بين شخصية الأب المتشيث بثوابت انتمائه السياسي  ، وشخصية الإبن الذي يمثل  الجيل الناهض المتمرد ، وإن بهدوء ، على مثل هذه الثوابت .

 كان واضحاً أن محمد الخلف مأسور بالثقافة . فوسط انهماكه في البحث عن ملاذ آمن ،لم ينس شغفه بها فقد سأل عمن يأتيه بالصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك  وبجهاز راديو يضعه على اتصال بالعالم   . لقد  قضى سنوات طويلة من عمره مسكونأ بالاخلاص لما  كان يؤمن به من أفكار ودخل السجن وتعرض للفصل من الوظيفة بسببه وبدا أول الأمر أنه لم يكن على استعداد للتخلي عته على الرغم من المردود الذي انعكس سلباً على إفراد عائلته الكبيرة وقد تحملت زوجته الجزء الأكبر من ذلك المردود . وربما كان هو يجد نفسه محقاً في التشبث بما كان يؤمن به وقد رافق رحلة عمره ويرى في التراجع عنه  ما يمكن أن يحتسب عليه سلباً أو يجد من يراه نكوصاً سياسياً ، غير أنه مع تشبثه هذا كان يقول ، و في مرات قليلة ، ما يشي بتمرده  هو نفسه على هذا الانتماء بل أنه رفض في ساعة يأس العودة إلى تنظيمه الحزبي السابق . و بلغ به اليأس حد أن يقول  لصديقه سليم الذي جاءه وسيطاً من الحزب : " أنا يا صديقي حتى الجهات الأربع ضيعتها  أبدو كمن علق في فضاء فارغ في مهب رياح عاتية شبيهة بهؤلاء البشر السارحين " (ص 208 ) . وما يلبث أن يعلن على نحو صريح عن تمرده على صرامة ذلك الانتماء . يقول في حوار مع ابنه البكر خالد : " دعني أقول لك : إن شعلة الحنين إلى عالمي الأول لم تنطفىء إلى الأبد ، لا أظن هذا ، لكني لا أستطيع أن أنسى أن الشعلة التي  ذات يوم أوشكت أن تحرقني ، تحيلني رماداً، أحسها الآن قد همدت ، قد تكون الحرارة كامنة فيها ، لكن لا أحسبني متحمساً ــ في هذه الفترة على الأقل ــ لبعث أوارها من جديد " (ص 223 ) .

 لقد تعرضت عائلة محمد الخلف،وبسببه هو  سواء قبل دخوله السجن أو بعد هروبه منه ، إلى عدة انتكاسات على مستوى الأولاد بشكل خاص  بين  اعتقال وفصل وتشريد وبؤس معيشي . غير أن الحدث الذي أحدث شرخاً كبيراً في حياتها تمثّل قي تغييب ألإبن عامر  وهوالحدث الذي دخلت فيه زوجته " مي " مجرى الأحداث في المقاطع الأخيرة من الرواية .فكشفت حقيقة ما انتهى إليه أمر زوجها بإعدامه وهو ما لم يجرؤ أحد غيرها على الكشف عنه .

                                         * * * * * *

 يمكن القول أن جمال العتابي تجاوز في هذه الرواية ألإشكالات التي  ربما  تواجه التجربة الأولى لأي كاتب .فقد أفلح في تقديم نص سردي متكامل لاسيما أنه تقمص  دور أكبر الأولاد خالد في الرواية وقد ساعده في ذلك حضوره الفعلي في الوسط العائلي  الحقيقي ومعايشته لأحدات هذا الوسط بصدق  ، موظفاً لغة سرد سليمة ومفعمة بالقدرة على التعبير : لغة ليست جديدة  على من تابع كتاباته في الفن التشكيلي من قبل.

  ( يخيّل إليك وأنت تنتهي من قراءة " منازل العطراني " انك كنت ازاء سيناريو فيلم سينمائي جاهز للإخراج .

المشـاهدات 394   تاريخ الإضافـة 30/10/2023   رقم المحتوى 32217
أضف تقييـم