وراء القصد حين تموت الأمهات |
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب محمد السيد محسن |
النـص : مع هذا الضياع الممزوج بالالم لما يجري في غزة الجريحة ، وما نشاهده من بكاء أطفال فقدوا امهاتهم او أمهات فقدن اطفالهن ، بدأت ادرك ان هيبتنا باتت تحتاج الى إعادة تنظيم ،انه فقد الام الذي أعاد لي رئة البكاء من جديد ، حيث فقدت احدى النساء الكبيرات على قلبي وذاكرة ايامي ، انها ام صلاح مطشر عجمي ، صديقي وزميل دراستي ورفيق ذاكرتي ، اعادتنيوحين قرأت نعيه على وسائل التواصل عادت بي الأيام الى مقاعد الدراسة حيث كنا نخرج الى بيوتنا لنستعجل الخروج وانتظار احدنا الاخر ، انا وصلاح اقترن اسمانا ببعضهما حتى لا يكاد يذكر صلاح مطشر الا وذكر محمد محسن ، اليوم فقدت ام صلاح ، المرأة التي افاضت علينا امومة عالية وقتذاك ، حيث كنا ندرس انا وصلاح وحين نعود تهيء لنا المائدة الجنوبية الفاخرة ، وكنت احب كثيراً اللبنة التي تعدها ام صلاح ، وكان اسمها وقتذاك "لبن ناشف" قبل ان تغزونا اللهجة اللبنانية او السورية وتحول اسمها الى لبنة. لهذه المرأة حكاية صبر جنونية ، فقد تماسكت يوم اخذ الامن ابنيها الكبيرين صلاح وخضر ، بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة ، وبقيت ام صلاح ثلاث سنوات لا تعرف مصير ولديها ، وبقي لها حكيم ، الابن الثالث الذي فارق الحياة قبل ان يخرج صلاح وخضر من معتقلهما ، حين كان يلبي الخدمة العسكرية . استمرت ام صلاح بالتماسك ، وحين خرج ابناها لم يستطع صلاح ان يبقى الى جانب امه وابيه ، فقرر ان يغادر الى الأردن ومنها الى الولايات المتحدة الامريكية ، وهناك أسس عائلةً صغيرةً ، ارتبط بها وكان يزور امه غباً كل بضعة اشهر وربما سنوات ، وكانت ام صلاح تعيش لوحدها بعد ان غادرها زوجها مطشر عجمي أبو صلاح الى الدار الاخرة .انها امرأة تعودت على فراق من تحب. اليوم فارقتنا ام صلاح على الرغم من بعد المكان بيني وبينها ، وسطوة السنوات على كاهل عمري حيث جرفتني الحياة الجامعية الى الحرب ، ونجوت من اتونها بذل الاسر ، لكني كنت حريصاً على ان التقي بصديقي رغم طول السنين وعجافها ، والتقيت بامي الثانية ام صلاح ، وكان الزمن قد اخذ منها الكثير من بهجتها ، ولكنها كانت متماسكة بعد ان اطمأنت على ولديها صلاح وخضر ، وهما يبنيان حياتهما بشكل آمن. حين تموت الأمهات ، علينا ان نرسوا على ضفاف الذاكرة كل حين لنأنس بايامهن ، وعلينا ان نؤثث لألم جديد فيه الكثير من الحسرة والحيف ، فقد اتعبنا امهاتنا ، واشبعنا وحدتهن دموعاً ونعاوي ، وحولناهن الى بقايا صبر يرتدي لباس الشكيمة. حين تموت الأمهات نرثي ما تبقى من أيامنا ، ونحاول ان نصدق اننا لسنا ايتاماً ، بذريعة اننا لم نعد اطفالاً او اننا غير عابئين بما يجري ، وان الحياة يجب ان تستمر ، بيد ان للوسادة وجهة دمعٍ أخرى ، حيث نحس اننا اغفلنا قلباً كان ينبض من اجلنا ، ولم يعد هذا القلب يخفق او ينبض بعد ، تلك هي حالنا مع فقد الأمهات. وداعاً ام صلاح ، لقد وصل الصبر الى حد ثمالة العمر ، ولم يتبق الا ان تنذكر فضائل أيام البصرة ، وعذابات فراق الاحبة ونكوي بالصبر رثاءنا لأننا نتسمر دائماً امام قسوة قلوبنا ، وكيف اننا لم نكن ندرك ضعف قلوب الأمهات وداعاً ام صلاح |
المشـاهدات 378 تاريخ الإضافـة 06/11/2023 رقم المحتوى 32692 |