الجمعة 2024/5/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 18.95 مئويـة
ظاهرة غير صحية كشفت عن حلقة مفقودة في نسيج المسرح المغربي النقد الفيسبوكي للأعمال المسرحية مديح وإطراء
ظاهرة غير صحية كشفت عن حلقة مفقودة في نسيج المسرح المغربي النقد الفيسبوكي للأعمال المسرحية مديح وإطراء
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

نجيب طلال

مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تراجع دور المنابر الإعلامية التقليدية في الساحة الثقافية، التي باتت تتحرك في الفضاء الافتراضي بسلاسة، وإن كانت لذلك نتائج إيجابية كثيرة في تعميم الفعل الإبداعي والفكري والثقافي خاصة، فإنه في المقابل ساهم في خلق نوع من الفوضى ساهم فيها الكثير من المتطفلين، مساهمين في تراجع النقد وتردي الأعمال الإبداعية.بناء على الإيقاع المذهل للتقدم العلمي والتطور التكنولوجي والحضاري، الذي أضحى يتضاعف بسرعة مذهلة في كل لحظة وحين، محولا العالم إلى شبه قرية كونية، في ظل تكنولوجية الاتصالات، التي تمدنا بوسائل وتقنيات حديثة، تخدم الإنسان أكثر مما تضره، هذا إن تم استغلال تلك الوسائل والتقنيات بطريقة إيجابية ونحو هدف محدد ومرسوم سلفا. وفي نفس الوقت، إن كانت لنا رغبة أو إرادة، فوسائل التواصل الاجتماعي تفرض علينا إنتاج أسئلة وتساؤلات مستقبلية نحو أدوات الإنتاج الثقافي والعلمي، وكيفية استغلالها، على الأقل لخلق نوع من التوازن لمبدأ التواصل بين الآخرين وتجديد العلاقات الإنسانية.وهنا محور حديثي الفيسبوك، تلك المنصة التي فرضت وجودها علينا بتقنيتها وأسلوبها ونظرتها إلى العالم كرؤيا، باعتبار أن الفيسبوك إحدى المنصات الأكثر انتشارا واستعمالا، والذي يُتيح ويبيح التفاعل والتواصل بسرعة برق بين الأشخاص سواء أكانوا معلومين فيما بينهم أو افتراضيين، حيث يشاركون ويتبادلون وينشرون المعلومات والأفكار وتعقب الأحداث الجارية على كل المستويات كل في محيطه وموقعه بسهولة ويسر.

 

مجموعات فيسبوكية

 

أي تدوينة أو منشور أو صورة ستكون في متناول الآلاف المؤلفة من المتتبعين، والمستهلكين والمشتركين داخليا وخارجيا، وذلك على مدار الدقائق والساعات، وهو الأمر الذي لم تحققه الصحيفة الورقية، سواء المستقلة أو الحزبية، ولنؤمن بهاته الحقيقة، ولنؤمن كذلك بأن الفيسبوك ظاهرة من ظواهر العصر، مما أمسى من ضمن أشكال الهيمنة الثقافية/ الإعلامية من خلال الاتصال والتواصل الدائم والمستمر مع الجميع، وتزايد الإقبال عليه.بدون استئذان استطاع هذا الفضاء أن يخلق “مجتمعا فيسبوكيا” وتزداد قوته، ففيه نعثر على أشخاص لديهم نفس الاهتمامات ونفس الهواجس. ومن خلال منتوجه، ونوعية رواده يتم استقراء المجتمع وكيف يفكر أفراده (ذكورا/ إناثا)  ومعرفة رغباتهم وطموحاتهم. أليس الفيسبوك منصة/ جهازا مزعجا للسلطات، والقرينة تكمن في أن العديد من الساسة والحزبيين حاولوا محاربته عن طريق تقنين قوانين صارمة للتعامل معه وللنشر فيه؟ أليس الفيسبوك هو الذي حقق “الربيع العربي” وأطاح بالكثير من الرؤوس المفسدة والفاسدة، والعصابات الإجرامية؟طبعا أي ظاهرة لها إيجابيتها وسلبياتها، لكن الملاحظ بأن الفيسبوك له آثار جانبية، في بلادنا العربية تحديدا، إذ ارتبط بعوامل متعددة،  تتعلق بالأفراد وأهدافهم. وأبرز العوامل تحويل الفيسبوك من وسيلة للتفاعل ونشر المقترحات والتصورات والجديد من الأفكار والإبداع وطرح الأعمال من فنون القول والفنون المشهدية إلى غاية يحضر فيها الذاتي والنرجسية والبطولية، مما يسبب تضاؤل التفاعل وانتشار التجاذب بين “الفيسبوكيين”.أبرز نموذج للتجاذبات التي تنتشر على موقع التواصل المجموعات (les croupes) بحيث لماما ما نلاحظ تعليقا وتعقيبا بناء، في الغالب لا نرى غير الاستحسانات، وهنا أتحدث عن المجموعات المسرحية، والتي تكاثرت عربيا بشكل رهيب في الآونة الأخيرة، والمسألة إيجابية مادامت كل مجموعة مسرحية تحاول أن تستغل الفضاء الأزرق كسلاح أيديولوجي/ إشهاري: لمصلحتها وأهدافها، عبر بوابة التواصل والتعارف ونشر ملصقات العروض المسرحية، والتعريف ببعض المبدعين المسرحيين. مقابل هذا برزت ظاهرة جد سلبية وخطيرة عبر الفضاء الفيسبوكي خارج إطار المجموعات المسرحية، ولكن من معمعان الفرق المسرحية المغربية تحديدا.

 

حلقة مفقودة

 

إذا عدنا قليلا إلى الوراء، فعتبة الخلل تكمن أساسا في مسألة الدعم المسرحي، الذي ساهم في تكريس عدة مظاهر سلبية، مظاهر مريبة، استطاعت أن تنخر روح المسرح من الداخل، وأن تمسح من الخارطة بعض الأنواع المسرحية، كما ساهمت في تمييع المفهوم “النقابي”، في تحجيم للفعل النقابي المهني، في إدارة الصراع الاجتماعي وتحقيق المكتسبات لفائدة الشغيلة/ المسرحية، كما ساهمت في تشتت المسرحيين إلى لوبيات وقبائل وفصائل غير متجانسة ولا متقاربة.لقد مات الفنان والمبدع “المبدئي” الذي كان لسان الشعب والشرائح الاجتماعية المضطهدة والمقهورة، وولد المبدع والفنان “الحربائي” الذي تتناسل منه صفات متعددة، في الأصل ذميمة وغير محمودة في المشهد الفكري والإبداعي (انتهازي/ وصولي/ خبزي/ برغماتي/ فهلوي/ انبطاحي…) والذي زاد في تدعيم “الحربائية” التهافت نحو المهرجانات الخليجية وما شابهها، سواء المستقرة أو المتنقلة. تأكيدا ها هنا لا حق لنا بأن نطعن أونضع  تلك التظاهرات في موقع شبهة. لأنها تبقى تظاهرات تخدم الفعل المسرحي والجمالي، وهي مبنية على تصورات وأهداف إستراتيجية، سطرها أصحابها والمشرفون عليها من خلال منطلقاتهم والخصوصية الموسعة لإنماء الثقافة المحلية وصون قوتها عربيا وعالميا.تساهم تلك التظاهرات في دعم الحركة النقدية ماديا ومعنويا، والتي تساهم بدورها إلى أبعد حد في تطوير وتطور الإبداع وتقويته، لكننا نلاحظ ارتماء أغلب النقاد والمسرحيين في معمعان تلك المهرجانات، وتهريب سلعهم (مقايضة مادية) رغم “تهلهُلها” للمجلات والمطبوعات الخليجية، واستخدام بعضهم من المحْسوبين على الخارطة المسرحية مناهجهم الدراسية/ النقدية على عروض بعينها هي بمثابة صك “الإقامة والرحلة” إلى تلك المهرجانات. أضحى النقد المسرحي ببلادنا أكثر انكماشا وضعفا، مما يفرض مساءلة حقيقية عن مصير النقد. ولكن جوهر الإشكالية منْ يسأل منْ؟ رغم بعض الاجتهادات من رجالات “مبدئيين” قابعين ينحتون الأفكار والتصورات في بلادهم، لكن تبقى اجتهادات بدون “صوت” امتدادي، نتيجة غياب القارئ المتزن والمواكب، ومن زاوية أخرى انعدام الملتقيات والتظاهرات والأيام المسرحية، القارة أو المتنقلة، والتي كانت بمثابة أوراش فكرية/ فنية/ تواصلية/ علائقية، ناهينا عن اضمحلال وخفوت بعض الجرائد والمجلات المهتمة بالشأن الفني والمسرحي. لقد أضحى الجسد الثقافي /الفني يعاني بحسرة وألم في مشهدنا الراهن، من عدة اختلالات واختراقات وثقوب. بالتأكيد نتيجة أن هنالك “حلقة مفقودة” الآن في النسيج المسرحي في المغرب، تلك الحلقة وغيرها أفرزت لنا ظاهرة متفردة والمتمثلة في النقد الفيسبوكي.

 

النقد الفيسبوكي

 

النقد الفيسبوكي بدون إنزال مرجعي، فالنقد أساسا قراءة/ تحليل/ تقييم/ للأعمال المسرحية والوصول إلى فهم عميق لحمولة العرض جماليا/ فكريا/ إيديولوجيا/ تقنيا/ من أجل تطوير الأعمال المسرحية وكيفية تأثيرها على المتلقي، علما أن الحركة النقدية تتوجه نحو تطوير أساليب القراءة وعصرنة مناهج التحليل والتفكيك تماشيا مع ما يفرزه الإنتاج المسرحي وارتباطا بواقعه، بغية دعمه وإبراز جوانب قوته وخلله الفني والجمالي، كمحصلة تخدم الفعل الإبداعي والثقافي عموما. لكن الملاحظ أن العديد من الفرق المتهافتة على الدعم وخلافه، أمست تسخر بعض الأفواه والأقلام في الكواليس، ليقوموا بمهمة شبه نقدية لأعمالهم المعروضة أمام لجان الدعم، أو المشاركة في مهرجان ما، فلا يمكن أن نعطيها إطارا صائبا لتلك المهمة سوى “النقد الفيسبوكي”، هذا تلطيفا للسياق، أما في واقع الأمر فهي في الأصل “مهاترات فيسبوكية” ولكن لنسميه “نقدا” وأقل ما يقال عنه إنه سطحي، يغلب عليه الإطراء والمدح أكثر مما كان “الشعراء” يمدحون سلاطين زمن “وزده من بيت المال”، بحيث الكثير من الإخوة لا علاقة لهم بالمجال المسرحي/ النقدي، ورغم ذلك انغمسوا في ممارسة قراءة عدة “عروض” مرشحة للدعم، والتي نشم من بين الأسطر روائح خارج ماهية النقد، بل مدفوعة إما “محبة” أو”أجرا”.تلك الكتابة جزء منها يشيد بالمؤلف أو المخرج، ويدور بين جنبات ملخص العرض المسرحي. في غياب الإحاطة بظروف تشكيل ذاك الخطاب المسرحي، ودونما الاحتكام إلى المقاييس الموضوعية، والمعايير العلمية في الفهم والتفسير والتأويل للعرض، أو حتى التمثل في تشغيل الذوق الفني. والمثير أن أغلب تلك الكتابات لا تخرج عن إطار الفضاء الأزرق؟ أي لا يتم نشرها في الصحف والمجلات الإلكترونية: لماذا؟ هنا التحليل سيطول في هذا الموضوع، ولكن سنقف عليه في ما بعد.وتلافيا للحساسيات والتأويلات الصبيانية والغضب المرضي، فضلنا ألا نقدم نماذج من “النقد الفيسبوكي” والحجة انظر أيها القارئ المفترض للتعليقات والردود حول قراءة العروض المسرحية لهذا الشهر (أكتوبر 2023) ناهينا عن الأعمال السابقة، والتي أنجزت بعد نهاية وباء كوفيد – 19 إلى الآن. ولكننا مضطرون أن نشير، ها هنا، إلى أن أحد الشباب قام بقراءة عرض لمخرج أخرج عملين مسرحيين في شهر واحد. ونشر تلك القراءة في صفحته الفيسبوكية ونشرها في نفس اليوم بـ”مجلة فنون مسرحية”.ذلك المنشور، حبذا لو ظل في إطار المدح والتلاعب بالصور (السكيتشات) بدل التلاعب بالأفكار والمدارس الإخراجية، وإثارة ستانسلافسكي وجاك ليكوك، ليبرز للقارئ أنه ناقد؟ مبدئيا العمل النقدي ليس عملا بسيطا وسهلا، ولا ينجز في يومين، فهو يحتاج إلى المعرفة الدقيقة بكنه وماهية المسرح، موازاة بثقافته المتبحرة. لإضفاء المشروعية الإبداعية على الشيء المنقود، بعد كشف مكامن الخلل أو الإشراق الفني والإبداعي في العملية المسرحية كلية، ولكن أبعد من ذلك هو أيضا محاولة ممارسة الغوص التفكيكي في الخفايا والأبعاد الأيديولوجية والنفسية والسياسية حتى للعرض، لتقييم خطابه وأدائه وجماليته.هنالك تعارض بين مدرسة وإخراج ستانسلافسكي وجاك ليكوك، فالأول يدعو إلى صدق الأداء المسرحي للشخصية، من خلال الإيمان الحقيقي بالأفعال والأقوال التي تصدر من الممثل. أما المخرج الفرنسي جاك ليكوك فيدعو إلى استغلال وتوظيف الألعاب العضلية والرياضية في عالم المسرح، بحيث أعطى مساحة واسعة  للصمت  أثناء اللعب وقوة دافعة للحركة وللإشارة، مع توظيف القناع في سياق جمالية السينوغرافيا على حساب الملفوظ، لتحقيق شعرية جسد الممثل: هل العرض استحكمت جماليته الإخراجية على ذلك؟التعاليق التي نالها المنشور اقتصرت على الشكر الممزوج بالمدح، لأن المنتوج كان إطرائيا/ مدحيا صرفا، فحتى مخرج العرض شكر تلك الإضاءة بدل أن يناقشها، ويحاول إبداء رؤيته الإخراجية، لتعميم الفائدة في ضوء تلك الانطباعية. والمحير أن المقاربة النقدية: المنشورة في المجلة لا تعليق ولا شكر حولها، مقابل هذا هنالك أقلام، ولكن قليلة جدا لم تنتهج طريق “الكل جميل” إيمانا بأن المقاربة “النقدية” الصادقة والمتمكنة من آليات اشتغالها، لا يمكن أن تحابي أو تداهن أحدا، بل تسعى جاهدة إلى أن تكون منصفة متبصرة في قراءتها، بعين ثاقبة ومصححة.سعت تلك الأقلام إلى أن تغوص في ماهية العروض المسرحية التي سمحت لها ظروفها بمشاهدتها، وحاولت شحذ بعض المفاهيم النقدية في إطار المتن مساهمة في خلق إضاءات نقدية تجاه بعض العروض المشاركة في الدعم حاليا وسابقا، لتدارك خللها أو أخطائها الفنية/ التقنية/ الإخراجية… لكن المثير أن أصحاب تلك العروض وجيشها الفيسبوكي يحاولون هدم وتفنيد ما ورد في ذلك النقد، وذلك من خلال التعليقات والردود المستفزة، والتي تصل إلى حد الشتم المبطن، حتى أن البعض انسحب من الفيسبوك تلافيا للصدمات والاصطدامات المجانية. ولكن الأغرب أن تلك النقود لم تنشر في الفيسبوك فقط، دون السعي لنشرها في المواقع المسرحية والثقافية، لتعميم الفائدة عربيا/ دوليا.فهل أمسى “النقد الفيسبوكي” الآن رهانا أساسيا رغم علته وهناته الفاضحة، لأن الإطار الفكري والحضاري الذي انبنى عليه “الفيسبوك” يحاول العديد من الإخوة إفراغ إطاره “النبيل” للمصالح الذاتية والانتهازية، التي لا تخدم الثوابت الفنية والثقافية. هذا إن بقيت هناك بعض الثوابت، لأن معظم ما جادت به تلك المقاربات (النقدية  الفيسبوكية) تندرج في “برواز” الكتابة الانطباعية/ المدحية، متناولة العرض من الخارج، وهي ظاهرة غير صحية بالأساس. ولعل هذه الإشكالية تحيلنا على موضوع المنهج، وزاوية الرؤية للموضوع، وكيفية التعامل مع العرض المسرحي.

 

 

المشـاهدات 176   تاريخ الإضافـة 06/11/2023   رقم المحتوى 32760
أضف تقييـم