السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 11.95 مئويـة
" منازل العطراني " ...مرارة الذكريات - مجرّد عواطف –
" منازل العطراني " ...مرارة الذكريات - مجرّد عواطف –
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الشاعر كاظم عبد الله العبودي

الجزء الأول

لأني لا أكتب إلا إذا أوجعني ما أقرأ , تجدني – وحديثي  موجّه إلى صديقي الدكتور جمال العتابي المؤلف , كما هو للقارئ الذي تتصفح عيناه الآن سطوري ..تجدني أكتب : قلبي هو القلم , دمعي هو الحبر وعواطفي هي الكلمات ...

لا يعنيني ما لا يثير الشجن , ولا يهمني ما لا يلامس الأسى المخزون بين حنايا الروح العراقية المخضّبة بالوجع , والطافح من زفير النَفَس الجنوبي المضمخ بالحزن , ربما كان ذلك ما يستوطن الوجدان مُذ كنتُ أسم أنين الأم الممتزج بدير الرحى وزئير الريح ورشق المطر على سطح (صريفتنا ) وجوانبها القصبية حين تردّد ليل الشتاء :

" بس آني نص الليل رحّاتي تدير

أطحن بكايه الروح , موش أطحن شعير  "

فأشد رجفتي على الإزار "البزار " الصوفي المرتجف معي مواسياً والمؤرق معي متأسياً – رغم طفولتي الغضّة وشيخوخته الهرمة – مشاركاً ليالينا المرتجفة حتى في تموز !.

إليك د . جمال صفحات من وجع انثال على الجوانح فسال أسىً وتدفق دمعاً نضح – كما ينضح الآن – فوق أوراق روايتك "منازل العطراني" حيث ملاعب الصبا ومرافئ الطفولة ما بين : الرفاعي وقلعة سكر وسويج شجر والغازيّة والدواية ....- أقصد طفولتنا أنا وأنت و( محمد الخلف ) – ما أكتبه هو ما أسلفت , فأنا لستُ ناقداً ولا أريد أن أكون , أا شاعر وأريد أن أبقى , مع كامل اعتزازي ومحبتي لأصدقائي النقاد بلا استثناء , وهم الذين غمروني بما باحوا به همساً أو على رؤوس الأشهاد وما فاض عنهم من عواطف تأثرت بكل ما كتبت من شعر على وجه الخصوص , أنا لا أراني ممتلكاً لمواصفات الناقد ولا أدواته : ( - آخ ...لو تؤسس مدرسة عراقية أو ربية خاصة بنقد عراقي أو عربي نابع من فكر عراقي أصيل , دون تعكّز على غير الابداع العراقي الأصيل , فكل الامكانات والشخوص متوفرة لدينا وبكفاءة عالية والله )  .

أبدأ , بعد هذه المقدمة الطويلة نوعاً ما – ربما كانت نابعة عن نرجسية تتعلق بعنق أو تأخذ بناصية الشاعر حيثما أمسك بالقلم !!- لأخطّ شيئاً أو أشياء مما أو عما أثارته بي روايتك المنتمية إلى ( الواقعية الاشتراكية ) أو كما أودّ تسميتها ( الواعية النضالية – العراقية ) إن جاز لي التعبير بما توحي إليّ أو كما أتصوّرها , والتي لم تتأثر بما تأثرت به روايات بعض كتّاب العربية المعاصرين إيهاماً أو إبهاماً ..غرابة أو تغريباً – ليس الآن أوفي هذا المبحث وقت للكتابة عنه – تحت غطاء الحداثة أو التلاقح الحضاري أو ...أو ...الخ .

الرواية " منازل العطراني " , أحداث عراقية صيغت ضمن رؤية عراقية وخُطّت بقلم عراقي معبّر عن رؤى عراقية امتدّ جذرها عميقاً في تربة الجنوب المولعة بجذور نخلاتها وشموخ سعفاتها ...أقرأ سطورها كمن يستمع إلى حنين الناي وهو ينوح مناغياً أمواج ( الغراف ) التي تداعب صدر زورق يقلُّ بضعة عشّاق – سكارى وما هم بسكارى – في ليلة تمدّ ذراعيها للسماء علّها تمسك القمر .

أول : إن " منازل العتابي " تلو بانتمائها  العراقي من أيّ تغريب أو إيهام , ولا إبهام متعمد مفتعل يتدثر برداء ( الحداثة أو ما بعدها وما بعد بعدها ...الخ ) مما ألقاه الآخر على أكتافنا أو أكتاف ثقافتنا الخاصة المعاصرة كأنه " بطانة سترة – بالات – مستوردة ارتداها بعضنا  دون تمعّن ولا تمهّل بعد شرائها من سوق – هرج – مباشرة وبكل لهفة عاجلة متباهياً بعلامتها – الماركة – الغربية الملصقة على جيبها الداخلي ّ! ..هذا الرداء الكاتم للفكر والأنفاس , الموغل بالرمز والغموض واللامعنى والعبثية الفجّة , والعصي على الفهم والذوق ) كما أنها ( الرواية) خالية من جفاف أو برودة الواقعية خاصة إذا تلفعت بمنطق الفكر المجرد , وليس فيها أصداء أو أصوات الهتافات التعبوية الشعبوية المحضة المكتسحة شوارعنا بشكل عاصف أيام تلك الأحداث متسارعة المجريات معطياتٍ ونتائج , إنها سرد لأحداث جنوبية – ربما جنونية – عاشها أو بالأحرى صنعها الواقع العراقي – القح – خلال أيام كانت غارقة بالوجع والأسى والنضال والنصال ! ..صداماً وصداعاً ...مساجلة ومجادلة , بلغت حدّ الذبح أو التذابح بكل سفاهة الفكر المتطرّف وتفاهة الجهل المتعنف , لا لشيء بل لمجرد الاختلاف في الرأي بدءاً متحولاً إلى ارتكاب جرائم الثأر والثأر المقابل وكأننا في القرن الخامس أو السادس للميلاد ...( جاهلية ما زلنا نعيشها حتى اليوم !!) .

الرواية سياسية بامتياز – وليست عقائدية – بدايتها كانت حواراً ذاتياً مقتضباً عن هروب البطل الرئيسي ومحور الأحداث ومحرّكها , رغم أننا لا نعرف كيفية تنفيذ عملية الهروب في البداية ...فوجئنا ب ( محمد ) هارباً مشاركاً في تظاهرة ...أنقذه صديقه أو زميله القديم ( صالح كيطان ) الكيتاوي – نسبة إلى مدينة " الكوت " – اصطحبه إلى بيته ليقصّ عليه رواية سجنه وعزله عن الوظيفة بتهمة ( شتم الزعيم ) , يبرز هنا موقفان لكل منهما : صالح اللائم , ومحمد المدافع المبرر الذي يرفض التنكر لمبادئه حتى لو كان ذلك باللسان فقط ..يقول صالح في ملخص لفلسفته في الحياة : - ماذا يحصل لو شتمت "الرموز" ؟ إشارة إلى طلب رئيس المجلس العرفي العسكري من محمد شتم رموز انتمائه السياسي والفكري مقابل الإفراج عنه , الإنسان يؤكد وجوده عبر الممارسة الحية الخلاّقة ...الخ , وهنا البطولة الحقيقية لا في السجون ..ص ( 7 ) .

أما موقف محمد فهو : يموت الشجر بجانب البئر عطشاً , لكنه لا ينحني أبداً لطلب الماء . ( نفس الصفحة) .

في هذا الحوار بين الزميلين نفهم أن محمد الخلف ترك وراءه : " عشرة أبناء وزوجة لا ماء ولا زاد " لا أدري لماذا قرر المؤلف أن تضع ( زهرة) عشرة أولاد وبنات ( ستة أولاد وأربع بنات ) مع قصر المدة وضيق اليد ...ثم صعوبة متابعة هذا الرقم بتعدد الاتجاهات والرؤى والأفكار والطموحات ..صعوبة المتابعة  من قبل الأم الصابرة المناضلة التي فاقت بطولتها كل ما قدمه محمد سواء للفكر أم الوطن أم العائلة , فليس جديداً على زهرة , وكل زهرة عراقية ما قدمته صابرة مكافحة مضحية ...لجملة أسباب وظروف أولها تعلّق زوجها بمغريات النضال والثبات وقوفاً دون انحناء لشرب الماء رغم العطش ! , مع ترك الأولاد وهم كما قال أحد حكماء العرب : ( مبخلة مجبنة ) , تركهم لمصيرهم , لم يكن مصير أولاد وبنات محمد الخلف إلا الضيم والأسى , عدا كبيرهم ( خالد ) الباقي متحملاً أعباء العائلة مع والدته وأخته الخياطة ( محسنة) في حين كان بعضهم لحماً طريّاً غضاً صغير السن ..وما أكثرنا – نحن العراقيين – من كان مثل محمد الخلف , وما أكثرهن – العراقيات – من كانت أو كنّ مثل زهرة ..عزةً وشموخاً وصبراً لا مثيل له , ولا حدود له , وضيماً وثباتاً لا وجود له إلا في هذا الوطن الذي طالما كنا – نحن الحريصين – عليه والمحبين له – أدوات لإيذائه دون مبرر , أكثر أحياناً حتى من كارهيه أو المتنكرين لمعانيه والبائعين ترابه ومغانيه بأبخس الأثمان ..كما هي صعوبة المتابعة لهذا العدد المخيف من قبل محمد الخلف نفسه الذي – ضيّع المشيتين – ثم صعوبة المتابعة من قبل المؤلف , ولو أن الدكتور جمال كان يمسك ببعض الأولاد حيناً ثم يعود تاركاً إياهم لمصير يخطونه لأنفسهم بعد اختيار الأب لهذا المصير أو المصائر مع وخزة ضمير تقدح أحياناً – لا أسمنت و لا أغنت من جوع – لولا ثلاثي الصبر : زهرة وخالد ومحسنة . ..مع ذلك بقي الكاتب ممسكاً بزمام الأحداث والشخوص والزمكان بشكل يثير الإعجاب حقاً .

المشـاهدات 319   تاريخ الإضافـة 07/11/2023   رقم المحتوى 32830
أضف تقييـم