المخلوقات |
سينما |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : صلاح سرميني/باريس
"المخلوقات" من إنتاج فرنسا/السويد عام 1966، هو واحدٌ من الأفلام التي لم تحظَ على شهرةٍ كبيرةٍ كما حال أفلام أخرى للسينمائية الفرنسية آنييس فاردا. يصل إدجار(ميشيل بيكولي) ، مؤلف الروايات الفانتازية، إلى جزيرة نويرموتييه مع زوجته ميلين (كاترين دونوف) لقضاء عدة أشهرٍ هناك عندما يتعرضان لحادث سيرٍ ناجم عن قيادته المُتهورة. ينجو كلاهما، لكن الزوجة تفقد القدرة على النطق، وترفض الخروج من المنزل الكبير الذي استقرا فيه. هذه الافتتاحية تُذكرنا فوراً بحادثةٍ رهيبة تمّ تجسيدها بالحركة البطيئة يتعرّض لها المهندس المعماريّ بيير (ميشيل بيكولي) في فيلم "أشياء الحياة" من إنتاج فرنسا/إيطاليا/سويسرا عام 1970 للمخرج الفرنسي كلود سوتيه. في "المخلوقات" تُحيلنا لقطات الطبيعة المُتداخلة مع المَشاهد السردية، وكأنها لازمةٌ شعريةٌ بصريةٌ، وصوتية، إلى القطعات المونتاجية المُفاجئة التي استخدمها جان لوك جودار، وبدأها مع فيلم "على آخر نفس" (1960)، وهذا ما يجعلنا نقتنع بأن فاردا، وعلى الرغم من الصياغات السينمائية المُتجددة في أفلامها، بأنها واحدةٌ من مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة مع أنها في أحد تصريحاتها تحاول أن لا يتمّ تصنيفها، أو وضعها في هذا الإطار، أو تلك الخانة. علاقة الحب الرومانسية الغريبة في فيلم "المخلوقات"، والمُطعمّة بلقطاتٍ تسجيلية، هي أقرب إلى نوتة سينمائية تغذّي البناء السرديّ للفيلم، تتحوّل الأحداث إلى حكايةٍ فانتازية يتخيّلها إدجار (مؤلف روايات)، أو هي تكملة للرواية التي يكتبها في هذا المنزل المُنعزل من تلك الجزيرة. يُثير إدجار فضول السكان المحلييّن الذين يعتقدون بأنه يعيش وحيداً، ويتساءلون عن سبب وجوده. بعد سلسلةٍ من الأحداث التي لا يمكن تفسيرها، يشتبه الروائي في أنّ روحاً شريرةً تؤثر على العالم الصغير للجزيرة، لكن، هل هذا هو الواقع، أم أحداثاً مُتخيّلة في الرواية الجديدة التي بدأ بكتابتها؟ أعترف بأنه في النصف الثاني من الفيلم، أي التحوّل في الأحداث المُتأرجحة بين حكايات الجدات، والخيال العلمي المُنجز بوسائل فقيرة، أصابني نوعٌ من الإرباك، لم أتوقعه من مخرجة أفلام يتحاور فيها الروائي مع التسجيلي في كتابةٍ شخصيةٍ تماماً كانت البصمة الواضحة التي رافقتها على طول مسيرتها الفنية، وكما لعبة الشطرنج التي استُبدلت أحجارها بمخلوقات شخصياتٍ من سكان الجزيرة، يبدو بأنه يتوّجب على المتفرج لهذا الفيلم أن يُشغل عقله لمعرفة قوانين هذه اللعبة الشيطانية، والتساؤل : من يتلاعب بهذه المخلوقات في الفيلم، وأولئك داخل صالة العرض أمام الشاشة؟ تستمتع أنييس فاردا، مثل بطلها إدجار، بالتلاعب بمخلوقاتها، وجمهورها. في المستوى الأول من هذه الحكاية اللعوبة، والغريبة، عمدت آنييس إلى وضع عاشقيّن في منزل مظلم، وأحاطتهما بنصف دزينةٍ من الأدوار الداعمة، البعض منها طريفٌ، والبعض الآخر مقلقٌ. جنباً إلى جنب مع النجميّن الناشئين وقتذاك بيكولي، ودينوف، وهكذا جعلت كلّ شخصية موجودة بشكل مكثف، سواء كانت مهمة في الحبكة أم لا (الشرير الحقيقيّ الزائف لوسيان بودار، صاحبة الفندق العطوفة إيفا دالبيك). لكن البطل الحقيقيةّ للفيلم هي الجزيرة نفسها، والتي تعتبر انعكاساً رائعاً لمكانٍ، وزمان مضى، وبعينها/عدستها التسجيلية التي تبحث دائماً عن الأشخاص، والأشياء، تُخلد أنييس فاردا جمالها القاسي باللونين الأبيض والأسود. |
المشـاهدات 251 تاريخ الإضافـة 09/11/2023 رقم المحتوى 32907 |