" منازل العطراني " ...مرارة الذكريات - مجرّد عواطف – |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : الشاعر كاظم عبد الله العبودي الجزء الثاني
مع كل فصل من فصول الرواية كان سحابي يجهش ما طراً , ومع كل خاطرة تطرأ على بال محمد الخلف كان بحري يصخب مائراً , ذلك أن الكاتب لم يكحّل عين قارئ روايته بأيّ قلم كحل ولا خطّ فوق أجفان إناثها أيّ لون ولا صبغ أيديهنّ بأية حنّاء ...كانت العيون ملأى بالدمع والجفون مظللة بالرماد والأيدي مخضبة أو ملطخة بزيت ماكينة الخياطة الدبق – من المرارة طبعاً – لم يتطرق الدكتور جمال لأيام أو أحداث تبتسم أيام أبطاله أو أيامنا نحن أبناء جنوب الوطن الكليم ...لم يتطرق , على سبيل المثال إلى يوم ( دخول السنة ) أو ( عيد الشجرة ) كما دعاه قدامى العراقيين , أو عيد ( النوروز ) حسب تسمية إخوتنا الكرد ...هذا اليوم كنا نعيشه , وقد عاشه جمال العتابي ومحمد العطراني كبقية أبناء منطقتنا – مسرح أو مرسح الأحداث – راكبين أو راكضين صوب المناطق الخضراء التي تلف ذراعيها حول ضريح السيد ( الميهول – المجهول ) بين الرفاعي وقلعة سكر – الجلعة – حانية على الصبية والشباب أو حتى العجائز فاتحةً قلبها لاحتضان صهيل الخيل المتسابقة أو منصتةً بشغف لعزف " المطبك " المرافق لرقصة خجولة تفيض بالحبور البخيل أو الحزن الكريم من بعض الصبايا بملابس الريف الملونة البراقة المحتشمة أو ...أو ...حيث كنا نعيش ساعات ذلك اليوم من أواخر آذار يقبس كل منا شيئاً من بسمة تعلو شفاه أطفالنا – ونحن منهم – أو صبايانا حيث تفترّ تلك الشفاه المخضلة بال(ديرم) عن أجمل الثنايا , وترتفع أصوات الكفوف المخضّبة بالحناء ليختلط صفق التصدية ببوح الناي ونوح " المطبك " وألحان غناء الشباب ...فقط في هذا اليوم من كل عام ...ثم ينداح الفرح ليفسح أو يفتح الطريق لأيام الوجع العراقي الماطر أحزاناً الناثر أتراحاً على مدار العام . لقد جرى التوكيد على الحزن الذي يغرق به الجنوب الحزين أصلاً , رغم محاولات مناضلي تلك الأيام إشاعة شيء من الفرح المفتعل بين صفوف ( الكادحين ) بالتظاهرات المتظاهرة بالسعادة بين الحين والآخر – بعد انقلاب الضباط على النظام الملكي وإعلان الجمهورية حتى الانقلاب على الانقلاب ! – ولكن ... بعد حديثي عن الحزن ودموعه , أقول أن محمد العطراني كتب في ما كتب لزهرة مختتماً رسالة بعثها لها من مكمنه في القرية بعد هروبه من السجن بيد نسيبه (نوار) , كتب : " ليمتلك الباكون الصبر ! فما أضيع ما تسفحه العيون " ( ص 31 ) . كما أجدني لا أستطيع تجاوز ما هتفت به زهرة نفسها قبل ختام الرواية وفي ختام حديثها مع محمد الخلف عن أحلامها أو أوهامها وهواجسها ...هتفت: " يا إلهي , متى تغمر نفوسنا بالمسرّة ؟ " ( ص 220 ) . زهرة التي تبلورت لديها " قناعات نهائية لا تتنازل عنها مؤمنة بها , هي أن الأفكار والمبادئ التي لا تقدم حلاً عاجلاً لمشاكل الإنسان الخاصة , لن تساوي حفنة شعير " ( ص 148 ) . أعجبتني – في ما أعجبني من الرواية , وهو كثير – محاولة الكاتب التعرّض لمواقف ( الزعيم الأوحد ) وبعض القوى الموالية له في إدارة البلد والصراع العبثي بين قوى كانت قواسمها المشتركة أكثر من خلافاتها , لكنه – الصراع – وصل وأوصل الناس إلى حمّامات دم غير مبررة ولا مشروعة ..لم يكن ( الزعيم) – عبد الكريم قاسم – بريئاً ولا بعيداً عن مسؤوليتها , كما لم تكن القيادات غير الكفوءة ولا المؤهلة أو الجريئة ممن : مع أو ضد ‘لا جزءاً من التوجهات غير المسؤولة في التخبّط الدموي اللا مشروع , والذي قاد البلد إلى سياسات ممزِّقةً ممزَّقة أفرزت تلك المظالم التي سحقت من لا يستحقّ الأذى من أبناء الوطن الواحد وأطلقت نوازع الشرّ من مكامنها في النفس البشرية البدوية بما تتمتع به من رغبات الغزو والثأر وفروعهما منذ ( داحس والغبراء) و( حرب البسوس) ومشابهاتها , مما تأصل في ( جينات ) البدو الوراثية من عدوانية وأحقاد بلا أسباب إلا الجهل والتخلف المؤدي إلى الهلكة والأهلاك وإلا التوتر والثأر الموشح بالجريمة بلا إدراك . وعلى نحو مغاير لكثير من الرواة والساردين ...لم ألمس في ما كتب الدكتور جمال نزعة للشتيمة أو الهجوم على الآخر المضاد المعادي رغم ظلمه وقسوته في الهجمات المتلاحقة الرعناء ضد خصوم تم تحويلهم إلى أعداء بدلاً من مدّ يد الإخوة والصداقة المفترض بها أن تكون حاضنة وليست طاعنة . كما أني أشعر بابتعاده عن التنظير (الآيديولوجيا) والدعوة إلى محاولة نشر الفكر من خلال السرد , بل اتجه إلى إلقاء أقباس من الضوء على مدى الظلم الذي ألحقه الحاكم على أبناء وطنه ممن يستوجب رفع الظلم عنهم بدلاً من إيقاعه بهم وبعوائلهم لا لشيء إلا لاختلاف في الرؤى والأفكار , وإلا الخوف أو الحرص على كرسي الحكم الخالب للألباب السالب للعقول الجالب للمظالم . في إحدى استطراقاته النقدية لسلطات ما بعد الحكم الملكي يقول المؤلف بعد تلميح عن ( العسكر والديمقراطية ) حين قاد ضابط عسكري "نفسه إلى حتفه والبلاد إلى الهاوية " يقول : " أخطاؤنا السياسية والميدانية أسهمت في تبدد الآمال وفشل التجربة ...., أسباب الخسارة , القوى السياسية جميعاً تتحمل النتائج ..." ( ص 118 ) . ثم : " تمضي الأيام ..يتراجع الزعيم , ينقلب على حلفاء الأمس ومؤيديه ,..يسوق العديد منهم إلى محاكمات تعسفية ثم إلى السجون ..." ( ص 125) . " خيبة كبيرة وإحباط شديد ..هي أزمة جيل عاصر التجربة , واجه كل تحدياتها " .( نفس الصفحة) . بهذا الصدد يتساءل الجيل الجديد ممثلاً بالابن الأكبر لمحمد الخلف ( خالد ) : " لماذا يموت المرء من أجل فكرة ؟ , لماذا يدفع الأبناء ثمن المجد الذي يناله الآباء ؟ من أعطاهم الحقّ بذلك ؟ ..ليرملوا الزوجات , ليذهب أولادهم إلى التيه !!..ما معنى البطولات برؤوس اليتامى ؟؟ . ليجيبه والده : إن الجماعة تلزم بتقديم القرابين من أجل القضية ...الخ ".( ص 131) وأخيراً يختم خالد خلاصة ما وصل إليه مشيراً إلى " ثقافة بديلة في غرس معنى الحياة , لأنها الغاية المثلى , لا الموت المرتبط بالآيديولوجيا " ( نفس الصفحة) . ومثل ما يختم خالد حواره هذا مع والده ..يختم الوالد حواراً آخر مع خالد :" – يهمني الشغل أولاً , أما بقية الأمور فلم تعد تثير اهتمامي الآن " ( ص 147) ...ليشكل ذلك موقفاً جديداً لمحمد الخلف ما هو إلا نتاج سلسلة السائر والانكسارات , كما نجد في الرواية إشارة عاجلة أو عابرة إلى مسألة انشقاق ( الجماعة) إلى : ( يسار – يمين , أو قيادة – لجنة) عام 1967, يتهم خلاله كل طرف الآخر ب : ( الجمود العقائي , الانتهازية , اليسارية المتطرفة , التحريفية ) , وتحول الصراع إلى " تخوين وتصفية حسابات ومطالبة بتبني شعار الكفاح المسلّح .." ( ص 165) . في نفس الموضوع , وخلال حوار بين محمد الخلف وصديق جديد في العمل ( عسكري مفصول سياسي , يدعى – طه ) يتطرقان إلى تجربة الكفاح المسلّح , يسأل طه محمد : " – من المسؤول ؟ ...ثم متذمراً : كل تأريخنا خيبات وانكسارات " ( ص 172 – 173 ) .سأجيب أنا – كاظم – وليس الراوي ولا بطلاه – محمد وطه - : المسؤول هو غياب القيادة التاريخية للفعل السياسي , وبالتالي غياب الرؤى والشجاعة والإقدام لاستلام السلطة وكسب الفوز في لعبة شطرنج مصيرية خلال تلك المرحلة والمراحل اللاحقة .
|
المشـاهدات 203 تاريخ الإضافـة 11/11/2023 رقم المحتوى 33069 |
بسقوط سوريا المنطقة ستدخل العصر الأمريكي – الإسرائيلي |
قراءة نقدية سيميائية في رواية :الياسمين السومريّ – للكاتبة : سمر الديك – فرنسا – سوريا . |
الكاتب والروائي سلمان عبد مهوس يقدم سيرة ذاتية – سياسية- في رواية ( رجال من لگش )-بين جبل قنديل وسيدي عمير- |
القبض على عصابة كبيرة مختصة بسرقة المنازل شرق بغداد قتل والديه وابنه وزوجته وامها.. رجل يرتكب مجزرة وينتحر |