السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 11.95 مئويـة
" منازل العطراني " ...مرارة الذكريات - مجرّد عواطف –
" منازل العطراني " ...مرارة الذكريات - مجرّد عواطف –
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الشاعر كاظم عبد الله العبودي

الجزء الثالث

 

تتلاحق أحداث الرواية , وكأن هناك ما يطارد المؤلف في الفصول الأخيرة لبلوغ مرحلة النهاية عاجلاً دون تمهّل أو التقاط للأنفاس! نبلغ هنا خلاصة الرواية أو فلسفتها  ونتيجتها " " الأم سرّ الحياة وروحها " ( ص 245) .

قبل ختام ( عواطفي ) أشير إلى أن المؤلف – ربما لغاية في نفس يعقوب! – لم يتطرق ولو تلميحاً إلى أيام الحصار الالم على الوطن , لم يكن هذا الحصار على الحاكم ولم يضرّه أو يؤثر عليه بأي شكل , بل كان حصاراً شمل الأم العراقية الصابرة والطفل العراقي الجائع والشيخ العراقي المريض ...ربما كان الكاتب على عجالة كما ذكرت فتجاوز هذه المرحلة التي يتحمل مسؤوليتها الحاكم المتخبّط بحروبه والمحاصِر الظالم " المتحنبط " بجيوشه ..ولكن ..

ينهي المؤلف روايته التي يمكن اعتبارها خطوة جادة وحجر الزاوية أو حجر الأساس – كما يقولون – لصرح كتابي عن مرحلة عاصفة من مراحل الصراع السياسي التافه الأسباب التائه الخطى السخيف الدوافع في عراقنا الذي كنا نهدم بناءه الحضاري وما شيّده الأجداد ثم نجلس لى ركامه نشكو لوعة ما هدمناه نحن الأحفاد , يختم قائلاً عن زهرة المنتظرة – وهماً – عودة ولدها المعدوم : " لم يأتِ (عامر) , أوصدت الباب حين أدركت ضياع الأمل , أغلقت جفونها قبل الصلاة وهي ممتلئة بالدموع , لم يطلع عليها الفجر " ( ص 253 ) .

( وبقيت أنا – كاظم العبودي – صامتاً دون أن يطلع أو أرى أي فجر ) – أستحلفك بالله الدكتور جمال , هل رأيت قارئاً تطلق عيناه نثيثاً عند القراءة , ثم تنهال حثيثاً عند الكتابة عمّا قرأ ؟!

ذلك أنا ..وتلك روايتك يا ..." عطراني" .

( خارج النص )

– 1- كنتُ فقدتُ ولعي المجنون بالرواية منذ أعوام طوال , وزاد في ابتعادي عنها هذا التقليد المتطرّف إغراقاً : الرمزية وتكثيف الرؤى وال...دادائية  واللا معقول واللا انتماء والعبثية والضياع...الخ ..الخ  ..., تحت رداء ( الحداثة ) الفضفاض المليء بما ترسمه أو تلونه عقد النقص تجاه كل افرازات الغرب والشرق ...لكني وجدت في نفسي رغبة للعودة إلى قراءة الرواية مجدداً رغم شحة زماننا هذا بالوقت نتيجة لهونا او انشغالنا بجديد ما طرأ على الحياة ..خاصة الهاتف ( النقال ) ومعطياته ونتائجها , وجدتني أعود للتعلق بالرواية – وبلا مبالغة أو مجاملة – بعد قراءتي روايتين صدرتا حديثاً , إحداهما "منازل العطراني" للدكتور جمال العتابي , والأخرى " عرس النواعير " للأستاذ شاكر الخياط .

- 2 – سألتني قريبة لي وهي ترى في عينيّ دموعاً عند إغلاقي غلاف الرواية بعد فراغي من قراءتها : - ماذا جرى ؟ّ!  ..أجبتُ : - إنه الدكتور جمال العتابي ..صاحت جزعةً ك مات ؟ ...قلتُ لها مشيراً إلى قلبي : - لا ...بل قتلني .

مع تقديري لنمط الحياة الشاقة التي عاشها البطل " محمد الخلف – العطراني – " أجد أن عواطفه لا تتناسب مع القدر الهائل من كفاح هذه الإنسانة التي تنضح نبلاً وخلقاً وطيبة وعواطف تجاه الزوج والأولاد خاصة ...كل ظروف هذا الرجل لا أعتبرها مبرراً لشحة عواطفه , هذه الشحة التي أورثها – ربما لأولاده – ممثلي الجيل الجديد في الرواية ...حتى خالد , الطالب الجامعي  الذي عاش أجواء الكلية ..كلية التربية على وجه الخصوص في ( الوزيرية ) – حيث تقع بعض الكليات الأخرى – الأجواء المعطرة بروائح الأنثى وأنسام القداح و(الشبّو) وأنداء الأشجار وأناقة الشوارع ثم نادي الكلية العابق بأنفاس زميلات ذاك الزمن والتي كانت تتحدى قبح السلطة وجفاف كراسيها من العواطف بالعواطف الدافقة شباباً ورواء , غير عابئة بدموية  الحاكمين وعبثهم بحياة الناس .لا مبرر لبقاء محمد واقفاً على تل نضوب عواطفه – بل لا أدري سبب هذا النضوب – فلا الفقر ولا الاضطهاد ولا الدراسة تمنع الشباب من أنبل العواطف الإنسانية وأجملها ( الحب ) , بل ربما يكون الحب حافزاً أو دافعاً كبيراً يمثل لتلك الأجيال المهرب أو المخلّص الوحيد من سلسلة همومها التي لا تنقطع , لكن ( خالد محمد الخلف ) كان هارباً كبيراً من الحب حتى لو كان في متناول اليد , لقد أعطى المؤلف لمشروع الحب اسم ( حياة) , وهو اسم ذو دلالة خاصة ....أنا أتعجب لماذا حرم الدكتور جمال هذا الشاب من ال( الحياة) بلا مبرر مكتفياً منها ب : " ارتفع كف ( حياة) مثل صدف ذهبي ملوّحاً : مع السلامة خالد " ( ص 183 ) .

ليسدل ستاراً على ما يفترض أن يكون أجمل ما في الرواية من فصول  ...معلناً موت الحب في مهده بكلمة الوداع تلك عند ( التعيين بالوظيفة ) بعد انتهاء مرحلة الدراسة ! ليفترق الزميلان – مشروعا الحب – واحد إلى ( الفلوجة ) والأخرى إلى ما أدري , فراقاً أبدياً لا لقاء بعده , يقول المؤلف قبل ذلك بقليل عن خالد : " كانت سنواته خاوية وجافة بلا مسرّات عاطفية , لم تعد اللحظات الجميلة الخاطفة فيها سوى ذكرى , لم يعد عاشقاً مثل أبناء جيله , لأن تلك العاطفة البدائية غير قابلة للممارسة الحية , كي يستمر ذلك الدفق الجميل إنما ظلت حلماً عابراً " .( ص 181 ) ..أتساءل أنا هنا : لماذا ؟ ...عجيب !.

استمر مع ذاكرة المرأة العراقية المناضلة سواءً كان نضالها إرادياً بانتماء طوعي , أو مفروضاً بالانتماء أو الاصطفاف مع من هو منتمٍ بفعل الصلة به : أب , أخ , زوج , أو ابن ...الخ , وما خطه ذلك النضال على هذه الصابرة القادرة من : دموع , قوة , شجاعة , وفاء , عفة وكبرياء فاقت كل تصور رغم طول أمد الصبر وانثيال مرارته حتى أن بلغت مدة العمر المترع بالفجائع , كانت زهرة الزوجة والأم خير مثال لهذه المناضلة : نخلة عراقية " عاشت عمراً كاملاً من الأحزان والمرارة , مع ذلك ظلت شامخة كنخلة راسخة في الأرض , لكنها لم تعد تستطيع أن تقاوم كل الأوجاع كما كانت ...الأشخاص من طرازها لا يشيخون بل يظل شباب العمر يرتع معهم إلى النهاية , لكن ما أن ينطفئ في أرواحهم الأمل , تنطفئ حياتهم " ( ص 250 ) .

 

 

 

المشـاهدات 235   تاريخ الإضافـة 15/11/2023   رقم المحتوى 33373
أضف تقييـم