النـص : يذهب الباحثون في الشأن النقدي والمدافعون عن العملة بان الدولار هو (سلعة ) خاضعة لقانون العرض والطلب والدفع والجذب ، اما المعنيون بالشأن الاقتصادي فالرأي في اختلاف سعر صرف الدولار والعملات الاخرى يعتمد على ما يستورده البلد وما يصدره وما يصنعه وينتجه ، ويعتبر الاستيراد بكل انواعه هو العنصر الجوهري ( the essential element) لتحديد أسعار الصرف للعملات الاجنبية وخصوصا الدولار في السوق الموازي وعلى حجم السيولة المتوفرة للتداول اعتمادا على السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي التي تعتمد السعر الرسمي في التعامل مع البنوك وشركات الصرافة ومنصات التحويل الخارجي والبطاقات الالكترونية .وعلينا ان نعرف معنى سعر الصرف للعملات الأجنبية مقابل العملة المحلية .. اذ هي تمثل عدد الوحدات من العملة الوطنية مقابل وحدة واحد من العملة الأجنبية ، أي عدد الدنانير التي ندفعها مقابل وحدة واحدة من النقد الأجنبي، وهذه العملية تمثل حدود التبادل بين عملة محلية وعملة البلد الاخر، وهي بلا شك الرابط بين الاقتصاد المحلي والعالم الخارجي الذي يعكس قيمة الدينار وقدرته على شراء السلع والخدمات والأمور الأخرى داخل البلد .ومن البديهي ان كل ما نستورده من الخارج يسدد بالعملة الصعبة مقابل دخول السلع المختلفة الى البلد دون وجود مبدأ المقايضة المعمول به سابقا ، وتشير الإحصائيات الى حجم الاستيرادات الذي يقترب من 50 مليار دولار سنويا وهذ الرقم يجعلنا امام تساؤل .. ماذا يصنع العراق وماذا ينتج امام هذه الاستيرادات الكبيرة ..؟! ان من اهم عوامل عدم الاستقرار الاقتصادي(instability Economic) هو عدم وجود سلطة تجارية تنظم عملية الاستيراد بالتنسيق مع السلطة النقدية وباقي القطاعات ذات العلاقة ، واي سلعة مستوردة لا تخضع للسلطة التجارية تعتبر سلع عشوائية غايتها اغراق السوق المحلي مع امكانية تبييض الأموال ونقلها خارج البلد ، وقبل انشاء منصة التحويل الخارجي كانت الاستيرادات لا تخضع لقانون او ضوابط اوتعليمات أي جهة قطاعية معنية بذلك ، أي بدون اجازات استيراد صادرة من وزارة التجارة ، كل هذا ساعد على وجود سلع لامبرر لها اطلاقا او تجاوزت حد القناعة ، مثال ذلك استيراد (فحم الاراكيل من البرازيل )..!!ومن العومل المهمة لعدم الاستقرار في سعر الصرف هو الاضطراب في أنظمة الصرف للدول الإقليمية المُعاقَبة وانعكاس مشاكلهم الاقتصادية الداخلية على أنظمة الصرف في بلادنا اذ سّهل هروب أموال طائلة اليها لاسيما وان اجمالي حجم التجارة الحدودية يقترب من 35 % من مجمل استيرادات القطاع الخاص مقابل نسبة خجولة جدا من الصادرات اليها ، وهذا يعني استمرار عجز الميزان التجاري مع هذه الدول وخصوصا المعاقبة من قبل أمريكا والتي تمنع العراق من التعامل معها منعا قاطعا دون الاكتراث الى ما ستؤول اليه النتائج السلبية من هذا التمادي وغض البصر..! اذ جاء على لسان مساعدة وزيرة الخزانة الامريكية (إليزابيث روزنبيرغ) التي زارت العراق مؤخرا وهي مكلفة اساسا بمحاربة الإرهاب ومتابعة حركة الدولار عالميا، حيث أوضحت ان البنك الفدرالي الأمريكي ونتيجة لغياب الشفافية فيما يستورده العراق من الدول وخصوصا المعاقبة فانه يحتفظ بـ 80 % من مبيعات النفط العراقي في خزائنه مقابل 20% فقط ترسل اليكم..اي العراق يمتلك الدولار ولكن لايمتلك التصرف به..! ،اذًا نحن دولة ليست فقيرة وانما غنية ، وبعيدا من الأموال العراقية في البنك الفدرالي الامريكي لديها الان من الاحتياطي الدولاري لدى البنك المركزي العراقي 115 مليار دولار وهي تكفي لتغطية الاستيرادات لمدة من 14- 15 شهر إضافة الى احتياطي الذهب الذي تتراوح قيمته من 50- 60 مليار دولار .. !! وهذا مؤشرعالي لكفاءتنا النقدية ، ولكن الشدّ الجغرافي السياسي المحيط ببلادنا جعل القيود الدولية التي تفرضها منطقة الدولار هي السبب في عدم استقرار سعر الصرف .ومع هذا وذاك لايعتبر العراق ضمن البلدان المضطربة سعريا وذات التضخم المرتفع ( High inflation ) قياسا ببعض الدول الإقليمية مثل تركيا التي وصل فيها التضخم الى 80.2 % عام 2022 وايران 47.9% ، بينما بلغت نسب التضخم في العراق 4.4 % عام 2022 انخفضت الى 3.7 % هذه السنة ، وهذا مؤشر جيد يمكن التحرك منه لوضع خارطة طريق لاستقرار سعر الصرف في السوق الموازي ، اذ نحتاج لذلك أولا تفعيل الصناعة والزراعة في البلد بشكل يسهم في الاستغناء عن بعض المستوردات الممكن انتاجها محليا ، لاسيما واننا نمتلك قاعدة صناعية في كافة المجالات ومعامل كانت تسد الحاجة المحلية الاستهلاكية متمنين رجوع علامة ( صنع في العراق ) تملئ الأسواق ،كذاك الاخذ بنظر الاعتبار دخول المكننة الحديثة في تطوير الإنتاج الزراعي واعادة الهوية الزراعية للعراق للحد من استيراد المواد الزراعية من الخارج ، وثانيا نحتاج الى قراءة جديدة للسياسة النقدية بما يعزز استقرار سعر الصرف حيث سمح البنك المركزي العراقي لبعض المصارف باستيراد الدولار من الخارج بغية كبح جماح ارتفاع السعر نتيجة للسياسة الامريكية بحجب نسبة كبيرة من مبيعات النفط من ان تصل الى خزائن البلد ، وهناك الكثير من العوامل المساعدة على الاستقرار منها تنويع سلة العملات الأجنبية وعدم الاعتماد على الدولار فقط واقتراح تزويد المسافرين بعملة البلدان الذاهبين اليها كالدرهم الاماراتي والليرة التركية والدينار الأردني لتخفيف الضغط على سحب الدولار ، ومن الجدير بالذكر تم اعتماد 13 مصرفا لعملة الرممبي الصيني من خلال مصرف التنمية السنغافوري والتي تقدر حجم الاستيرادات الى 12 مليار دولار سنويا ومصرفان لعملة الربية الهندية في التحويلات الاستيرادية إضافة الى خمس مصارف معززة حساباتهم بالدولار من مصرف سيتي بانك ، و خمسة مصارف معززة حساباتهم من بنك جي بي موركن ، وقريبا سيحسم الموقف للتحويل بالدرهم الاماراتي لتمويل التجارة مع الاتحاد ( (UBAFكذلك باليورو مع مصرف بوباف الأوربي ، وباذن الله هذه الإجراءات ستخفف الضغط على الدولار . ومثلما تقع على البنك المركزي العراقي مسؤولية فك الاختناق في سعر صرف الدولار ،علينا نحن كمواطنين ان نساهم في محاربة الشائعات واختلاق الاقاويل والقصص غير الواقعية التي من شانها الاضرار بالاقتصاد الوطني العراقي والذي ينعكس سلبا على المواطن أولا وأخيرا .
|